رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور تخترق مبنى "8 غرب" بمستشفى العباسية.. مليون مريض بـ"الفصام"

مستشفى العباسية
مستشفى العباسية

"لا تخافوا لكن احذروا" فمرضى "الفصام" يتصرفون من وجهة نظرهم التي يخيلها لهم مرضهم، فقد يطعنون أشخاصًا أبرياء وينهون حياة آخرين أو يرتكبون أي أفعال إجرامية دون دراية منهم، مثلما فعل هشام حازم، مريض نفسي بمرض "الفصام" عندما صور له مرضه أن هناك أشخاصًا بعينهم يريدون أذيته، وهذا ما حدث له عندما شاهد أمين الشرطة وشعر بالخطر منه، فأراد الدفاع عن نفسه وذلك من وجهة نظر مرضه وأعراضه، فسدد له طعنات قاتلة بسكينتين إلى أمين الشرطة من إدارة المنشآت والحراسات الخاصة مما أدى إلى مصرعه، بمنطقة الجزيرة في الزمالك.

رصدت "الدستور" قصة مريض فصام يدعى "محمد. م" طعن أربعة أشخاص في فترات الانتكاسة بينهم والده وأصابهم بجروح قطعية مستخدمًا سكين، حتى تم إيداعه في مستشفى العباسية لسنوات، لكنه الآن حر طليق لا يتناول العلاج ويمثل خطر على الجميع.


- "محمد" يحتفظ بعشرات السكاكين في دولابه.. وأسقط 4 ضحايا بينهم والده....

قالت والدة "محمد. م" السيدة "رضا. م" لـ"الدستور" ابني محمد 38 عامًا، ظهرت عليه أعراض غريبة وهو في عمر الثامنة عشر، ترك الدراسة دون سبب وتوقف عن الكلام تمامًا لأسابيع ثم رفض تناول أي طعام في المنزل واكتشفت بعد فترة شرائه محلول كلور مطهر يضعه على أرز مسلوق ويتناول تلك الوجبة لسد جوعه، ثم تطور الأمر إلى قيامه بصلاة غريبة لساعات طويلة يقف طول الليل على سجادة الصلاة يتمتم بعبارات غير مفهومة ولا يركع ولا يسجد، حتى ظن والده أنه ممسوس من الجن فبدأ في استدعاء الشيوخ لعلاجه وأنفق مبالغ طائلة لكن دون جدوى.

وأضافت: "ثم بدأت الأعراض تتطور وتفاقمت الحالة، وبدأ في التشاجر مع الجميع وطعن صديق لوالده بسكين وأصابه بجرح قطعي في الصدر، وادعى أنه فعل ذلك بسبب أن صديق والده سرق منه أموال بخلاف الحقيقة، واستطاع والده إرضاء صديقه لعدم إبلاغ الشرطة مقابل إيداعه المستشفى".

وتابعت أنه عندما شعر والده بالخطر أودعه مستشفى العباسية لفترة وعندما زاره بعد مرور ثلاثة أشهر كان قد تحسن قليلًا وظل يبكي لرغبته في الخروج وادعى أنه ليس مريض من الأساس فانخدع أبوه وأخرجه من المستشفى وبعد فتره قليلة من وقف العلاج عادت الأعراض مرة أخرى، ولاحق "محمد" والده حاملًا سكين في شارع بمنطقة وسط البلد وضربه في بطنه وسط فزع ورعب الجميع حتى سيطر الأهالي على الشاب المريض وتناول العلاج لفترة دون إبلاغ الشرطة وتحسنت حالته لفترة.

واستطردت: عندما رفض تناول العلاج بدأ في الشجار مع الجيران واتهمهم بوضع كاميرات تجسس عليه في حمام منزلنا، وبسبب ذلك كان جارنا الساكن في الدور العلوي يقف في الشارع أمام المنزل فضربه "محمد" بسكين وتسبب في إصابته بـ40 غرزة فأبلغ الجار الشرطة ورفع قضية انتهت إلى براءة المتهم استنادًا على تقرير الطب الشرعي الذي قرر أن "محمد" لا يدرك ما يفعل ثم قمنا بإيداعه في مستشفى العباسية وكان الضحية الرابعة عامل في المستشفى يدعى "أشرف" طعنه "محمد" بسكين كان يخبئها في طيات ملابسه أثناء دخوله.

وقالت والدة المريض: "إن والده توفي وظروفهم المادية لا تسمح بدفع نفقات إيداعه بالمستشفيات، كما أن صحته الجيدة تفقدنا السيطرة عليه لإعطائه العلاج الذي توقف عن تناوله تمامًا، كما أنه يرفض التوجه لمستشفى العباسية لصرف العلاج المخصص له ومن ضمنه حقنة لا يتم صرفها إلا من مستشفى العباسية".

وأشارت إلى أن جميع أهالي المنطقة يعرفون مرضه لذلك يتجنبوه أثناء هياجه، قائلة: "وربنا يستر أنا اللي قلقني إني كل ما أفتش دولابه ألاقي سكاكين جميع المقاسات محتفظ بيها برغم إنه مبيستخدمهاش".

- مدير العباسية السابق: 350 ألف مريض عقلي خطر بين سكان مصر

أكد الدكتور جمال عبدالعظيم، مدير مستشفى الصحة النفسية السابق، أن عدد المرضى المصابين بالمرض العقلي "الفصام" في أخر إحصائية قبل بلوغه سن المعاش العام الماضي بلغ 1 % من عدد السكان في مصر بمعدل مليون شخص مريض منهم 350 ألف شخص لديهم أعراض نشطة ومصنفين "مريض خطر" بمعدل الثلث الأول، والثلث الثاني حالتهم مستقرة بالعلاج النفسي وتناول العلاج مع الحاجة للمتابعة، أما الثلث الأخير بدون أعراض نشطة وحالتهم لا يلزمها علاج ومصنفين تحت مسمى "مرضى عايشين وخلاص".

وقال: إن الفصام مرض عقلي خطير للغاية يجعل المريض "لا يدرك ما يفعل" فأعراض المرض عدوانية وجميع حوادث القتل الدموية التي تثبت أن الفاعل مصاب فعلًا بمرض نفسي هو في الحقيقة مريض "فصام" لم يتناول العلاج المناسب لحالته من الأساس أو توقف عن تناوله.

وأشار إلى أنه من المستحيل أن يتم إيداع المليون مريض بمستشفيات الصحة النفسية رغم خطورتهم على المواطنين، وهنا تقع المسئولية القانونية على أهلية المريض منذ خروجه من المستشفى أو في حالة الإهمال في علاجه من الأساس.

وشهد الشارع المصري في الفترة الأخيرة عدد من الجرائم والمذابح الأسرية التي ترتكب تحت مسمى "المرض النفسي" مما أدى إلى الخوف بين المواطنين بسبب تواجد المرضى والمهتزين النفسيين الطلقاء في الشوارع وخروجهم بالأسلحة التي يدافعون بها عن نفسهم من وجهة نظرهم من مصدر خطرهم الموجود في خيالهم فقط.

ونجد أن قرارت المحكمة تأتي دائمًا لوضعهم تحت الملاحظة لمدة 45 يومًا في مستشفى الأمراض العقلية، فكان لا بد من اختراق أسوار مستشفى العباسية للكشف عن طبيعة التعامل مع المذنبين مُدعين المرض النفسي منذ دخولهم حتى كتابة التقارير وتشخيص حالتهم.

وفي السياق ذاته، تم التوجه إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بمنطقة العباسية، وهي مستشفى متفرعة الأقسام حيث يوجد بها ما يقرب من 40 قسم ووحدة علاج بداخلها من بينها قسم "الطب الشرعي" وبداخله عنبر المذنبين الذي يتم إيداع المتهمين مدعي الجنون فيه بناءًا على قرار النائب العام لملاحظة سلامة قواهم العقلية.
- مدير مستشفى العباسية: هناك حالات من الغضب العارم تدفع المريض النفسي لارتكاب جرائم

قال الدكتور مصطفى شحاتة، مدير مستشفى الأمراض العقلية الحالي، إن المستشفى يوجد به 40 قسم عبارة عن «قسم الرجال مطور، قسم نفسي سيدات مطور، الأطفال والمراهقين، السيدات الجديد، الطب الشرعي، الباطنة، والعيادات النفسية الخارجية، والعيادات الداخلية وعيادات الفحص، عيادات تخصصية للشيخوخة، وعيادات الصرع، ورسم المخ، وأجهزة تنظيم قاع المخ، وعيادات إدمان المراهقين والتوحد، وعيادات اضطراب ما بعد الصدمة، خدمات الإدمان وحجز الإدمان».

وأضاف أن أسباب تحديد دخول المريض المستشفى من عدمه ترجع إلى عدة عوامل أهمها رفضه تناول العلاج، رفضه للطعام، عدم النوم، السلوك العدواني تجاه الأهل والآخرين، وقابلية أذية نفسه والآخرين، تعاطي مواد مخدرة، وهناك حالات لابد من معالجتها بالخارج وكل هذا يرجع للطبيب المشخص للحالة وحالة كل مريض.

وتابع أن هناك بعض العوامل والأمراض التي تدفع الشخص للسلوك العدواني تجاه الآخرين أهمها مرض الاكتئاب والانفصام والوسواس القهري، وهذه الأمراض تنتج من طبيعة الحياة وضغوطها ونسبة استقبالها من شخص لأخر وأعراضها قلة النوم، الاستثارة النفسية، ضغوط حياتيه ومادية، فالشخص إذا لم ينم بصورة طبيعية لمدة ثلاثة أيام يتولد لديه سلوك عدواني سهل جدًا استثارته لو بمشاجرة بسيطة في المواصلات.

وعن قسم المذنبين أو المتهمين المشتبه إصابتهم بأمراض نفسية ومتورطين في قضايا جنائية، يكون تواجدهم في المستشفى بناءًا  على قرار النائب العام لإيداعهم في وحدة الطب الشرعي وهو مبنى مستقل عليه حراسة مشدده وكان اسمه منذ 20 عامًا "8 غرب"، موضحًا أنه يتم إيداع المتهمين فيه لمدة 45 يومًا؛ لملاحظتهم والكشف على قواهم العقلية، مضيفًا أن المتهم منذ دخوله القسم يمنع عنه تناول أي أدوية حتى لو كان مصاحب له 100 شهادة طبية تؤكد مرضه فلا يعتد بها حتى يتمكنوا من ملاحظة حالته وطبيعته دون علاج.
وأضاف أنه بمجرد دخول المتهم المستشفى يكون الأطباء وطقم التمريض مسئولين عن ملاحظته فقط، لكن هناك لجنة ثلاثية تكون مسئولة عن تشخيص المرض وهذه اللجنة تكون مكونة من ثلاثة أشخاص أحدهم أستاذ جامعي "القاهرة، عين شمس، الأزهر"، واستشاريين صحة نفسية من مستشفى العباسية، وتجلس معه هذه اللجنة بمفرده عدة مرات وتكون النتيجة إما أن يكون مؤهل عقليًا ونفسيًا لارتكاب الجريمة ومسئول عن تصرفاته، وهذا يتم إحالته للمحاكمة القانونية ويتم والحكم عليه، وهذا دائمًا يكون مدعي ووجوده مدة طويلة تصل 45 يومًا تكشف حقيقة إدعائه حيث أن التشخيص يكون مسئولية اللجنة وحدها.

كما أن اللجنة مسئولة في تقريرها عن الكشف عن طبيعة المتهم وحالته النفسية وقت ارتكاب الجريمة، وهذا يعتمد على حرفية اللجنة حيث إنها لا تكون متواجدة معه وقت ارتكاب الجريمة، ولكنها تستطيع الحكم على المتهم بسهولة عقب ملاحظته وسؤاله ومناقشته.

وأضاف مدير مستشفى العباسية أن هناك حالات من الغضب العارم تدفع أي شخص أن يرتكب جريمته، ويدعي المرض النفسي وهذا يتم التفرقة بينه وبين أزمة المرض النفسي المؤقتة، حيث أن المرض النفسي ينقسم إلى أعراض دائمة أو مؤقتة، واللجنة تستطيع التفرقة بحكم عملها وخبرتها بينهما، موضحًا أنه إذا أثبتت اللجنة أن المتهم مريض نفسي وغير مسئول عن أفعاله يتم إيداعه في مستشفى الخانكة والسيدات في قسم الإيداع بمستشفى الأمراض العقلية، وعقب ذلك يتم متابعة حالته من خلال لجان صحية كل سنة، وهذا حق قانوني له ويحكم عليه إذا تعافى أو تحسن من عدمه، وقد يتعافى المريض وهنا يأتي دور الأخصائي الاجتماعي الذي يقوم بدرس البيئة المحيطة بالمريض من عمله وعائلته وأصدقائه، ويتعهدوا بمتابعته كل فترة حتى لا يرتكب جريمة مرة أخرى وهنا يأتي قرار الإفراج عنه من المصحة.

وأكد أن أي مريض نفسي التعامل معه داخل المستشفى يكن من خلال تقارير طبية طوال مدة إقامته وتقاس بمقاييس نفسية أسبوعية تثير عنده كل الأعراض دون تحذيرات، ويتم التعامل معه من خلال أخصائي نفسي مسئول عن مرضه وعلاجه، وأخصائي اجتماعي يدرس حالة المريض خارج أسوار المستشفى من أسرته وعمله وأصدقائه، والطبيب النفسي يقيس مرض المريض ومداه، وهما وحدهما المسئولين عن كتابة التقارير وعلى أساسة يتخد قرار جماعي بأن المريض تعافى ويستطيع الخروج ومتابعته مع الأسرة.
- أطباء مستشفى الأمراض العقلية يكشفون لـ"الدستور" طبيعة عنبر "المذنبين" داخل قسم الطب الشرعي وكيفية تشخيص حالات مدعي الجنون

وقال الدكتور هشام المليجي، من المجلس القومي للأمانة الصحية والنفسية، بقسم الطب الشرعي، إن اللجنة الثلاثية التي تستلم المتهم فور إيداعه تكون جلساتها مع كل متهم على حده وكل عضو في اللجنة يجتمع به على انفراد وجلسات أخرى مجتمعين للمناقشة، وتنعقد من مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، وهناك لا يخضع المتهم لأي عقاقير مهدئة أو أدوية حتى يتمكنوا من الحكم على طبيعته وحالته إلا إذا كان هناك طوارئ أو دخوله في غيبوبة أو حالة تشنجات، وكل هذا يحكم عليه الطبيب المسئول باللجنة من أسلوبه، ويتم كتابة التقرير والتشخيص من واقع التصنيف العالمي للأمراض النفسية.

وأوضح، أن قسم الطب الشرعي الخاص بالمذنبين يكون مقسم لوحدتين وحدة الفحص وهذه التي يوضع فيها المشتبه بهم جميعًا لملاحظة حالتهم، ووحدة الإيداع وهذه خاصة بالمذنبين السيدات الذين يثبت عدم مسئوليتهم جنائيًا عن الجريمة، والرجال يتم إيداعهم في مستشفى الخانكة.

وأكد أن مرضى الانفصام هم الأكثر عرضة لارتكاب الحوادث والمذابح الأسرية ويكونوا غير مسئولين عن أفعالهم لأن الانفصام العقلي يولد أفكار غريبة تقود أي مريض أن يرتكب جريمته سواء خوفًا على أولاده أو الدفاع عن نفسه من مخاطر الحياة أو مثل ما فعل مثلًا أحد وهاجم شخص بسلاح أبيض في الشارع فهو يكون شاعر بالخطر من الأجواء المحيطة ومستثارين من أشخاص معينة عند رؤيتهم يتولد لديهم الدافع والسلوك العدواني.

وأضاف أنهم يكتبون تقريرهم عن حالة المريض العامة وحالته وقت ارتكاب الجريمة من خلال سجل المتهم المرضي، واستدعاء الأهل والجيران وشهود الواقعة ومن خلال أقواله في تحقيقات النيابة وقياس ردة فعله، فهم يتسلمون الملف الجنائي الكامل بالقضية لكل مودع، كما أن حالات اضطراب الشخصية فيها سلوك اندفعي قد يؤدي إلى ارتكاب جريمة، وممكن أن تتم الجريمة تحت تناول وتأثير عقاقير مخدرة يظن أنها مرض نفسي، كما أن الاكتئاب في إحدى حالته يؤدي لسلوك عدواني مثل أذية أب أو أم لأولاده تحت مسمى الخوف عليهم من الحياة والظروف المحيطة، ولكن معظم حالات الاكتئاب تأذي نفسها، فلا يوجد شخص سليم مئة بالمائة يرتكب واقعة قتل وخاصة عائلته إلا إذا كان به نسبة مرض نفسي إلا إذا كان هذا الشخص مجرم محترف.
وأضاف الدكتور محمود العيسوي، أخصائي نفسي بمستشفى العباسية، أن قرار الإيداع يكون بناءً على قرار النائب العام ومكتب التعاون ويتم إيداع المشتبه به تحت الملاحظة 45 يومًا على الأقل ويتم مدها إذا لم يتوصل إلى التشخيص إلى 45 يومًا آخرين، وطقم التمريض والأطباء المتواجدين معه مسئولين فقط عن الإعاشة ورعايته فقط إذا كان مريض سكر أو ضغط، فتكون مهمته رعاية طبية فقط، ولا يجوز منهم التشخيص أو التقرير بأنه مريض أو متعافي ومدعي.