رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فبركة إخوانية.. نكشف كيف تروج الجماعات الإرهابية لأكاذيبهم دوليًا؟ (صور وفيديو)

جريدة الدستور


يونيو العام 2015، نشرت جماعة "داعش" الإرهابية فيديو، يظهر فيه 16 عراقيًا مرتدين ملابس الإعدام حمراء اللون، قيل فيه أنهم على لسان متحدث الفيديو أنهم "جواسيس تعاونوا مع القوات العراقية"، والفيديو صادر عما يعرف بـ"ولاية نينوي" التابعة للتنظيم.

كانت مدة عرض الفيديو حوالي 2.23 دقيقة مقسمة إلى 3 مشاهد؛ الأول فيه مجموعة من الأشخاص مقيدي الأيدي والأرجل موضوعين في سيارة أُحكم إغلاق أبوابها، ثم أُطلق عليها قذيفة صاروخية فاخترقت السيارة بمَن فيها.

أما الثاني فيظهر 5 أشخاص داخل قفص حديدي محكم الإغلاق ثم إغراقهم فيما يشبه بركة سباحة، أما المشهد الأخير ضم 7 أشخاص مقيدي الأيدي من الخلف راكعين منتظرين طريقة موتهم، والتي تمثلت في لف حبل أزرق اللون حول رقابهم لينفجر فجأة لتنفصل رؤوسهم عن أجسادهم.

وبالتدقيق في لقطات الفيديو ستجد مسنًا مكررًا في مشهدين، فالمرة الأولى ظهر مع المجموعة التي تم إغراقها في بركة السباحة، والمشهد الثاني ظهر مع المجموعة التي التف الحبل الأزرق حول رقابهم، ما يدل أن تلك الجماعات الإرهابية تستعين بعدد من البرامج لتزوير ما تقوم ببثه عبر الشاشات الفضائية.

سار على نهجهم جماعة الإخوان الإرهابية، إذ قاموا باستغلال برامج تركيب الفيديوهات للتحكم في حركات الجسد وبرامج الصور؛ للترويج من خلال منصاتهم الإعلامية ومؤسسات صحفية عالمية لأكاذيب تتحدث عن مصر، وإثارة البلبلة في الشارع المصري.

"الدستور" تفتح ذلك الملف للتعرف على نوعية التدريبات والبرامج التي يقومون من خلالها بتوصيل وجهة نظرهم للعالم كأنها حقيقة، يكسبون من خلالها التعاطف معهم، بجانب نوعية تلك البرامج التي يعتمدوا عليها في توصيل أكاذيبهم.



صورة تم تداولها منذ 8 سنوات تكشف فبركة قنوات الإخوان
في 9 مايو الماضي، تداول عدد من رواد التواصل الاجتماعي صورة لأحد الأشخاص عارِ الجسد يجري تعذيبه، بزعم أنها داخل أحد السجون المصرية، لكن بالبحث والتدقيق عن ماهية هذه الصورة وأصلها، كشف موقع "فالصو"، المتخصص في كشف أكاذيب مواقع التواصل الاجتماعي، أن تلك الصورة تم نشرها على مدار 8 سنوات في 3 بُلدان عربية، هي المغرب وسوريا وأخيرًا مصر، وفي كل مرة يُعاد نشرها على أنها لواقعة تعذيب مختلفة.
 
جهادي سابق: الجماعات الإرهابية تستعين بمتخصصين لتدريبهم على "الفبركة"

الدكتور نبيل نعيم، القيادى السابق بتنظيم الجهاد والمتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، تحدث مع "الدستور"، في تعليق منه عن تلك التقنيات المستخدمة لتزييف الحقائق، فقال إن الجماعات الإرهابية تستعين بمتخصصين لتعليمهم أساليب التزييف والفبركة لا بالهواة.

وأضاف، ويتلقَ منهم هذا العلم شباب جامعيين تم استقطابهم لتلك الجماعات، مؤكدًا على التقدم الكبير الذي تنعم به هذه الجماعات في عالم "الميديا"، خاصة جماعات القاعدة وداعش والإخوان، فلديهم تمويل كبير للإنفاق على تعلم مثل هذه البرامج.

ولفت "نعيم"، إلى أن إيصال هذه الصورة للعالم الغربي ليس بالأمر العسير على تلك الجماعات، لإقامتهم في الأساس في الدول الأوروبية وتمكنهم من لغتهم، كما أن لديهم الكودار المؤهلة للقيام بتلك الأمور، مؤكدًا أن العالم الغربي يسهل إقناعه بتلك الفبركات.

وأكد الجهادي السابق، أن تلك الصور والفيديوهات المتداولة عن الجماعات الإرهابية حتى لو كانت مفبركة، فإنها دائمًا ما تحمل جزءً من الحقيقة، مشيرًا إلى أن الأزمة في عدم وجود إعلام حقيقي لديه مبدأ المصارحة رغم ما نملكه من إمكانيات وكودار مؤهلة.



في "أكتوبر".. هنا تُحاك مسلسلات التعذيب المفبركة

قبل 4 سنوات، كانت أجهزة الأمن بوزارة الداخلية على موعد مع كشف مخطط خطير، كواليسه داخل إحدى الوحدات السكنية المستأجرة بالحي الثاني في مدينة السادس من أكتوبر، مجسمات لسجون، وملابس شرطية، وأدوات تعذيب، وكاميرات تصوير، كانت في سبيلها لإنتاج عملًا عدائيًا جديدًا يُبث في القنوات الفضائية المعادية لمصر، وإلصاق المشاهد التمثيلية بقوات الشرطة.

الجهاز المعلوماتي بالداخلية (الأمن الوطني) رصد تحركات مريبة في الحي الثاني بأكتوبر - آنذاك- قادته لجمع تحريات وتعيين الخدمات السرية لكشف كواليس ما يجري هناك، ومع توسيع دائرة الاشتباه، وفحص الأماكن المشتبه بها لكشف العناصر الإجرامية، وبالفعل كشفت عن أن هناك مواد إعلامية مفبركة كانت ستخرج من عناصر منتمية للجماعة بحسب بيان الوزارة وقتها.

أمن معلومات: الفيديوهات المفبركة باحترافية يصعب كشفها بالعين المجردة
وللتحقق من فكرة نقل مشاهد تمثيلية على أنها حقيقة، قال المهندس عمرو فاروق، خبير أمن المعلومات ومدير إحدى شركات الأمن المعلوماتي، إن هناك العديد من البرامج عبر الإنترنت قادرة على القيام بتغيير وفبركة الفيديوهات.

أشار إلى أنه ظهر مؤخرًا تطبيق يسمى "تاو" وهو صيني الأصل، وقادر على وضع أشخاص بديلة لأشخاص آخرين داخل فيلم، فالتريند الخاص بفبركة الفيديوهات هو بيزنس حجمه كبير، لكن هناك البعض ممن يسيئون استخدام هذه التكنولوجيا.

وأكد "فاروق"، لـ"الدستور"، أن هناك بعض البرامج بسبب حرفيتها العالية يصعب بالعين المجردة كشف أي تزييف يطرأ على الفيديو أو الصورة المصمم بها، وذلك لعدة عوامل منها أن الشخص الذي يقوم بفبركة فيديو يدخل على أحد برامج المونتاج ويقوم بعمل "راندر"، أي معالجة تُظهر الفيديو بصورة قابلة للعرض، وعلى حسب جودته يأخذ وقت أطول ويحتاج إمكانيات كبيرة لعمل فيديو بجودة عالية.

وكشف عن بعض العلامات التي يمكن البحث خلفها لكشف التزييف، منها أن العين يمكنها ملاحظة حركة الرأس، فالفيديو المفبرك ستجد حركة غير منطقية للرأس وغير متطابقة مع حركة الجسم، واليوم أصبح هناك طرقًا ووسائل لاكتشاف الفبركة من قبل غير المتخصصين، من خلال مواقع على الإنترنت.

وأضاف: "منها «جوجل» الذي يملك بعض الخدمات التي تمكن الشخص من البحث عن أصل الصورة، فيظهر لك تاريخ الصورة ومتى ظهرت وأول شخص قام بتحميلها ويظهر أي تعديل طرأ على الصورة، أما المحترفين (المتخصصين التقنيين)، فلهم طرقهم التي تمكنهم من كشف تفاصيل الصورة وكيف تم التعديل عليها من خلال برامج وأدوات يتم استخدامهم في سبيل ذلك.

"الشمس" تكشف كذبة فض الاعتصام
وكانت هناك إحدى فبركات الجماعة، إبان فض اعتصامي رابعة والنهضة عام 2013، حين إدعى أنصار الجماعة الإرهابية، أن قوات الجيش أطلقت النيران على المعتصمين خلال صلاة الفجر، إلا أنه بمشاهدة الفيديوهات المتداولة عن هذه الواقعة تتبين أن المصلون يؤدون الصلاة المفترض أنها الفجر بينما الشمس ساطعة وهو أمر غير منطقي، إلى جانب أن بيان وزارة الداخلية صدر مؤكدًا على إعطاء قوات الأمن مهلة للمعتصمين لفض اعتصامهم.
العقوبات تصل للإعدام.. نشر "فيديوهات مزيفة" يندرج ضمن قانون الإرهاب

الحديث عن كل تلك الانتهاكات التي تروج لها الجماعات الإرهابية على أنها حقيقة، كان لا بد من التطرق لعقوبته، فيؤكد الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، وأستاذ القانون الدولي، أنه في تلك الحالة يتم وضع الفيديو محل التزييف على أسطوانة مدمجة، وإرفاقها ببلاغ للنائب العام، يتهم الجهة أو القناة التي عرضته بنشر أخبار كاذبة وإثارة الفتنة، والتحريض على العنف، والتحريض على نظام الدولة، ويصدر ضدهم أحكام ويتم وضعهم على قوائم الانتظار إن كانوا مصريين.

ويرى أن هذا ضمن الإجراءات الداخلية لحماية البلاد من ناشري المواد المصورة المزيفة، التي تهدف لزعزعة استقرار الدولة وإثارة القلاقل، لكن عندما يكون الأمر متعلق بالمستوى الدولي، فيكون هناك إجراءات يتم اتخاذها عبر مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وأضاف، عن طريق تقديم شكاوى لوقف هذه الأعمال التي من شأنها الإساءة لمصر، والتي تُعد صورة من صور التدخل في الشأن الداخلي للبلاد، وإحداث الفتنة بين أبناء المجتمع، والتحريض ضد نظام الحكم أمام المواطنين والمجتمع الدولي.

وانتقل "مهران"، خلال تصريحاته لـ"الدستور"، للحديث عن أن الجرائم التي تُرتكب عن طريق الأشخاص والحسابات الفردية في عالم التواصل الاجتماعي، يُمكن لجهات الضبط التوصل لهم بسهولة، فالجهة المخول لها البحث عن هوية مروجي الفيديوهات المزيفة هي مباحث الإنترنت، والتي بمجرد ورود بلاغ لها في هذا الشأن، تتجه صوب الوسائل الإلكترونية المتطورة، في تتبع حساب الناشر، للوصول إلى هويته، والمكان الذي نشر منه هذه المواد المزيفة.
نتيجة بحث الصور عن الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية

وأكد أن التهمة لا تُعتبر ثابتة قانونيًا الآن، فهناك خطوة هامة يجب اتخاذها لإثبات إدانة المتهم في قضايا التزييف، حيث يتم إرسال مقطع الفيديو محل الاتهام إلى القطاعات الفنية المختصة بفحصها في اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو)، والتي يُمكنها تحديد درجة التلاعب، والوقت المتلاعب فيه، والوسيلة المستخدمة في ذلك، بدقة تامة، وترد تقاريرها في هذا الشأن لجهات التحقيق.

تقع مواد الاتهام التي تندرج تحتها الجرائم المرتكبة في نشر الأكاذيب وإثارة البلبلة، تحت طائلة قانون الإرهاب، والذي تُعد جرائمه جناية تكون عقوبتها السجن المشدد، الذي يُعاقب بالسجن المؤبد، وتصل عقوبته للإعدام.
صحفي: "جوجل" كلمة السر في كشف الفبركة

الكاتب الصحفي مصطفى هاشم، قال أن هناك أدوات يتم استخدامها لكشف مدى "الفبركة" التي تطرأ على الصور والفيديوهات، لكن إلى جانب ذلك فإنها تعتمد بشكل أساسي على ذكاء الصحفي في اكتشاف الخطأ، أولًا متى تم نشر الفيديو وما علاقته بالأحداث الجارية، كذلك لكنة المتحدث والمنظر المحيط به.

وأضاف: "أن ذلك سيدل على سكان المكان، مثل الصعيد لهم لهجة معينة فنلجأ إلى شخص صعيدي الأصل ؛للتعرف على مدى صحة اللهجة المدرجة في الفيديو، أيضًا بالنسبة للمنظر أو المشهد يساعدك في تطبيق «جوجل إيرث أو مابس»، أيضًا ملاحظة ظل الشمس وحركته، أيضًا هناك كلمات مفتاحية يتم البحث من خلالها عبر «جوجل» للتأكد من النشر في وقت سابق من عدم النشر.
نتيجة بحث الصور عن الدكتور اسامه السعيد
مركز استشارات "الأخبار": لغة الجسد الخطر القادم في التزييف
أما الدكتور أسامة السعيد، رئيس مركز "أخبار اليوم" للتدريب، كشف عن تقنية جديدة هي التلاعب في لغة الجسد، والتي ظهرت مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية وشكلت مخاوف كبيرة، وأطلق عليها اسم "ديب فيك".

يوصح أن التزييف يمكن ملاحظته، من خلال تبطئ الفرق بين الكلمات وحركة الشفايف، بحيث يبدو الكلام كأنه حقيقي ويتم تركيب كلام مختلف تمامًا على شخص غير المتحدث الأصلي، وذلك للحد الذي يكون مقنعًا للمشاهد حيث يتم الأمر باستخدام تقنية الأنيميشن.

وتابع "السعيد"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن تلك التقنية تقوم بتركيب محتوى جديد على الشخصية، فتكون الصورة حقيقية والفيديو سليم المحتوى لكن التزييف في لغة الجسد مخالفة للحقيقة، مشيرًا إلى أن بداية هذه التقنية حين تم استخدام فيديو على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كنوع من التجربة، وتم وضع فيديو موازِ للتجربة، كذلك تم استخدام نفس التقنية مع النائبة نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأمريكي كنوع من السخرية أيضًا.




يذكر أنه بحلول عام 2017؛ ظهر برنامجُ "سانثيسيزينغ أوباما" نشر فيديو للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهو يتكلم بصوتٍ عالٍ حول هذه التقنية يشرح مخاطرها، وهو ما لم يفعله الرئيس الأمريكي في الأصل بل إن البرنامج جمع عددًا من فيديوهات الرئيس ثم حاول استخراج الكلمات التي يحتاجها -والتي نُطقت في سياق مختلف- من أجل استعمالها في الفيديو الوهمي الجديد.





وأوضح أن الصحف الأمريكية بعد هذه المقاطع المصورة، قالت إنه عصر أكثر تعقيدًا للفيديو وأصبح على المستهلك أن يجتهد لإدراك أنه مفبرك، وحين يصل المتخصصين لفكرة الإعلان عن فبركته سيكون قد انتشر وحقق الهدف المطلوب منه، مبدًا تخوفه من الاستخدام الخاطئ لتلك التقنية من قبل جماعات تخريبية.

جدير بالذكر أن تقنية "الديب فيك" تم استخدامها لتشويه صورة بعض السياسيين المعروفين، منهم: استُبدل وجه الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري بوجه أدولف هتلر، وفي يناير 2019، بثت شبكة فوكس التلفزيونية فيديو بهذه التقنية للرئيس ترامب خلال خطابه في المكتب الأبيض.


كيف يمكن كشف تزييف الفيديوهات

إجابة هذا السؤال كانت منشورة في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 15 نوفمبر الماضي، حيث عدّد بعضًا منها: "نقل تعابير الوجه من شخص وإعادة تمثيلها في آخر، بحيث يمكن جعله يبدو مستاءً أو غاضبًا أو متفاجئًا أو أيّا ما يريده المزور، أيضًا نقل حركات الجسم من شخص لآخر، والتي جربها أحد مراسلي الصحيفة ليجد نفسه في مقطع فيديو يرقص فيه مثل الفنان "برونو مارس".

وخلال المقال تنصح ناتاليا ف. أوسيبوفا، وهي أبرز العاملين بمجال الفيديو في الصحيفة، بأنه من أفضل طرق كشف التزييف العودة إلى المصدر مباشرة لسؤاله عن الفيديو، محاولة البحث عن إدراج لقطات قديمة داخل الفيديو من خلال البحث عبر محركات البحث عن الصور العكسية مثل "جوجل"، كذلك هناك برامج مثل "فاينال كت" يمكنها إبطاء الصورة وتكبيرها، فيسهل كشف مواضع الخلل كاللمعان حول الفم أو الوجه، أو الحركات غير الطبيعية، أو الاختلافات بين درجات لون البشرة.