رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فلاح المستقبل».. «الدستور» مع صِغار المزارعين «أنامل تجني الخير»

جريدة الدستور

على الرقعة الزراعية انتشروا يلعبون ببرائتهم تارة، ويعملون تارة أخرى، بعضهم دعتهم الظروف القاسية لترك أحلامهم باللعب، وبعضهم وجد في العمل متعة آخرى فلجأ إليه، "صغار المزارعين"، الذين انتشروا في أراضي القطن مع موسم جمعه.. "الدستور" قامت بجولة في أحد حقول القطن.

"أبويا بيقولي أنا بميت راجل"، بضحكات طفولية قالت هذه العبارات سما عبد الباري 8 سنوات في فخر واعتزاز بكفاءتها في العمل داخل حقل والدها الذي ينتج القطن لتقول أنها مع بدء موسم جمع القطن تخرج إلى العمل مع والدها، وأشقاؤها الثلاث مصطفى 16 سنة وسيد 14 ورضا 13 منذ طلوع الفجر، وذلك بعد أن تحضر لهم والدتهم من الطعام ما يسد جوعهم حتي يعودوا إلى المنزل جميعًا بعد الغروب وتضيف "أبويا وأخواتي بيجيبولي لعب وأرواح لما بشتغل معهم" لتختم قولها بتمنيها العمل في مجال الزراعة، كما رأت والدها وأشقاؤها الثلاث.

ليس حال سما هو نفسه الحال مع الطفلة منى 9 سنوات التي وضحت لـ"الدستور" بعيون ملؤها الحزن وعلامات الشرود أنها تعمل بأجازتها المدرسية في الحقول لجمع المحاصيل، وعلى رأسهم محصول القطن لتوفير مستوى أفضل من المعيشة لأسرتها المكونة من 6 أفراد، "أبويا مريض وأمي ست كبيرة وأنا وأخواتي اللي بنتشتغل بس لما أبويا بيقعد خالص".

وأوضحت منى، أن أكتر ما يؤذيها هي تلك الإهانات التي تسمعها من صاحب العمل إذا تأخرت عن رفاقها بالعمل والإنتاج أو أرادت أن تستريح بعض الوقت أكثر من المدة المحددة لهم وهي 15 دقيقة فقط "من الصبح للمغرب"، وبالنهاية تعلن منى ببراءتها أنها لا تستطيع ترك العمل بالحقول لأنها تحب أسرتها و"لازم تساعدهم".

وعن كيفية العمل داخل حقول القطن حدثنا المزارع علي عويضة 30 سنة أحد العاملين بحقول القطن الذي يصاحبه بالعمل ولده عزت 8 سنوات بأن الفلاحين صغارً وكبارًا يخرجون إلى العمل من الصباح الباكر، ليتم تجميعهم وركوبهم أحد الجرارات الزراعية التي تنقلهم إلى الحقل، وذلك للحاق بأول قطفة للقطن فهي أهم كمية منه يتم جمعها طيلة اليوم، ويطلق عليها "عبّ الندى"، وذلك لأن قطرات الندى تختلط بالقطن فيصبح أكثر وزنًا، وبالتالي سيصبح معه مقابل الأجر أكثر.

ويتابع علي أنّه بنهاية اليوم يتم حساب الأوزان التي جناها العامل، وفي هذا يتم الاتفاق على طريقة الحساب سواء أو أسبوعية أو شهرية أو بنهاية الموسم، ثم تسجل الأوزان اليومية فى نوته معدة لذلك.

وعن ابنه يقول "بيتعلم الزراعة ومنها بيساعدني"، مؤكدًا على أنه يعمل أمام عينيه، ويستطيع مراعاته، وضمان عدم تجاوز أحد بحقه من كبار المزارعين، وأصحاب الأرض كما يحدث مع الكثيرين من الأطفال الآخرين.

طفلًا آخر كان أبرز العاملين بالحقل، وهو أحمد على 7 سنوات، والذي ظهر بكامل النشاط والإقبال على العمل بالأرض الزراعية "أحب العمل في الحقول" يقولها أحمد موضحًا أنه أصبح يعتمد على نفسه، ويأتي بمصاريفه المدرسية بعد عمله بجمع المحاصيل ويتابع أن عمله لم يؤثر على دراسته فهو يحبها أيضًا ولا يعمل سوى في الإجازات فقط"

رشدي أبو الوفا النقيب العام للفلاحين يقول إن عمل الطفل يصبح وسيلة تجعله يهوى المهنة، وذلك إذا عمل بأرض والده أو أقربائه، موضحًا أنه في هذه الحالة يشعر أنها أرضه ومثل شرفه فيتربى على حبها والحفاظ عليها، أما في حالة عمل الطفل لدى الغير واعتبار العمل بالزراعة مجرد وسيلة " لأكل العيش" فبذلك يكبر الطفل غير منتميًا إلى أرضه ولا يشعر بأهميتها خاصة إذا كان لا ينحدر من أِسرة زراعية.

هاني هلال أمين الائتلاف المصري لحقوق الطفل يكشف أن هناك أكثر من 70 بالمائة من عمالة الأطفال تتركز في أعمال الزراعة، مشيرًا إلى أن عمل الأطفال بمجال الزراعة من الأعمال التي لم تنظمها أي نصوص قانونية وتشريعية.

يتابع أن هناك العديد من المخالفات التي تمارس ضد الأطفال العاملين بالحقول، وتمثل تعديًا صارخًا على طفولتهم أولها تجاوز عدد ساعات العمل لما نص عليه قانون الطفل المصري الذي شرع عمل الطفل لـ6 ساعات فقط، بالإضافة إلى تعرض أطفال الزراعة لعدة مخاطر ومنها التعرض المباشر لحرارة الشمس لفترات طويلة، وكذلك فرص اإصابة بالجروح من آثار التعامل مع النباتات المختلفة وكذا الإصابة بالعديد من المخاطر الصحية، نتيجة ملامستهم للمبيدات الزراعية.

دراسة إحصائية لمركز الطفل العامل بمصر قدّرت حجم عمالة الأطفال بنحو ثلاثة ملايين، يمثلون ثلث الشريحة العمرية الموجودة بالتعليم الأساسي، ويقضي غالبية هؤلاء أكثر من 10 ساعات فى العمل خارج منازلهم وذلك في انتهاك لقانون العمل.