رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لا بديل عن إنقاذ الأرواح».. 6 معجزات جراحية فعلها «أطباء الطوارئ»

جريدة الدستور

هبة: «قُمنا بمعجزة لإنقاذ في طفل السيخ»
بالليزر طوارىء سيناء ينجحون في إعادة ذراع شاب إلى جسده
إعادة كف إلى صاحبه في 10 ساعات في طوارىء مستشفى السويس


رمضان من العام الماضي، يُنهي أطباء مستشفي طوارئ طنطا العام دورية المرور على الأقسام المختلفة؛ للاطمئنان على المرضى قبيل أذان المغرب، والاستعداد للإفطار، يرج المكان في ذلك الوقت صوت استغاثة قوي في مكبر الصوت الداخلي لقسم الاستقبال، معلنًا وصول حالة حرجة لطفل صغير يعاني من استقرار سيخ حديدي في رأسه.

«هبة زكريا» طبيبة الطوارىء التي كانت متواجدة في ذلك الوقت، تصف المشهد بحسب ما رأته لأب يحمل بين ذارعيه ابنه «يوسف» عام ونصف، وتظهر عليه علامات الخوف والهلع، يتمتم بكلمات غير مفهومة سوى أنه سقط من الطابق الثاني على سطح منزل به أسياخ حديدة فاخترقه إحداهم.

ساعات قليلة، أنهى فيها الأطباء الكشف الطبي والاستعدادات اللازمة، لإدخال الطفل إلى قسم العمليات والجراحة الحرجة، وقضى الأطباء بما فيهم هبة قرابة 6 ساعة متواصلة لاستخراج السيخ الحديدي والحفاظ على حياه الطفل، وحدثت المعجزة ونجا الطفل من موت مُحقق.

الطبيبة «هبة» وفريقها، ليسوا الملحمة الوحيدة في أقسام الطوارىء بالمستشفيات الحكومية، فهناك بطولات كثيرة سجلها أطباء الليل الساهرون دومًا لأجل إنقاذ الأرواح التي تتعرض لحوادث موت قوية. «الدستور» رصدت 6 قصص بطولية لأطباء الطواىء قاموا بمعجزات لإنقاذ الأرواح.

هبة: «قُمنا بمعجزة لإنقاذ طفل السيخ»
تقول الطبيبة: «من هول مشهده بعدما أجرينا الفحوصات اللازمة لم يجرؤ أحد على أخذ قرار بدخوله غرفة العمليات، لكونه كان يعاني من انخفاض شديد في ضغط الدم، وضعف النبض، إلى جانب اختفاء أوردته من شدة الألم فلم نستطيع تركيب « كانيولا» لإمداده بالأدوية وتركيب أكياس الدم».

في النهاية لم يكن أمامهم سوى إدخاله غرفة العمليات، ولكن قبلها كان لا بد من تخديره، وفشل كل الفريق من إدخال الأنبوب الحنجري وهو الوسيلة المناسبة، تضيف الطبيبة: «لم ندرس أي طريقة للتخدير تصلح لتلك الحالات، لكن رغبتنا المستميتة في إنقاذه جعلتنا نستحدث طريقة جديدة، بجانب تدخل الزملاء من جراحة المخ والأعصاب والأوعية الدموية».

العملية بدأت في السادسة مساءً، واستمرت قرابة 6 ساعات، خاض فيها الأطباء رحلة لم تنته إلا بخروج السيخ الحديدي من جسد الطفل، رغم الخطورة بسبب اقتراب السيخ من الشوكة العصبية وكان من الوراد إصابته بشلل رباعي. في الثانية صباحًا شعرت «هبة» التي رافقته طوال الليل بأول استجابة حسيه منه.

تختتم: «ندرة هذه العملية جعلت كل الأطباء في حالة تعلق عاطفي بيوسف، فعقب العملية لم نتناول إفطارنا حتى نظمئن على استجابة الطفل، واستمرت متابعته لأكثر من ثلاث أشهر».

بالليزر طوارىء سيناء ينجحون في إعادة ذراع شاب إلى جسده
«مصطفى» 20 عامًا، معجزة طبية أخرى لأطباء الطوارىء في مستشفى طور سيناء العام، الذي دخلها وهو يعاني من جرح قطعي عميق بالجانب الأمامي في اليد اليسرى، ونزيف شديد نتيجة إصابة الأوعية الدموية المغذية لليد مع وجود قطع بالشريان الزندي وقطع بالعصب الزندي وقطع جزئي بالعصب اﻷوسط وقطع باﻷوتار القابضة لإصبعين الخاتم واﻷصغر والوتر القابض الزندي للرسغ.

لا يوجد حل طبي أخر في تلك الحالة سوى بتر اليد، لكن أطباء الطوارىء كان لهم رأي آخر. الطبيب «محمد جودة»، أستاذ جراحة التجميل بطب الزقازيق، وأحد أعضاء الفريق الطبي على تلك الحالة، يقول أنهم قاموا بتحضير المصاب للعمليات، والتدخل الجراحي الطارئ؛ للتحكم في النزيف وإجراء جراحة استكشاف للجرح باستخدام الميكرسكوب الجراحي.

ونجح الفريق الطبي في إصلاح جميع اﻷنسجة المقطوعة باستخدام الخيوط الجراحية الدقيقة وأسلوب الجراحات الميكروسكوبية، وتعد تلك الحالة هي الأولى من نوعها، حيث تمت العملية بالليزر، تطبيقًا للبروتوكول المبرم بين جامعة الزقازيق وجنوب سيناء في إجراء الجراحات.

وشارك في اجرائها كلًا من أجري الدكتور عمرو مجدي مدرس مساعد جراحة التجميل بطب الزقازيق، والدكتور محمد حامد، مدرس مساعد تخدير بطب عين شمس، وأصبحت العملية تدرس في كليات الطب بالجامعات.

إعادة كف إلى صاحبه في 10 ساعات بطوارىء مستشفى السويس
سطر أطباء طوارئ مستشفى جامعة قناة السويس التخصصي، ملحمة أخرى لهم، في تاريخ المعجزات الطبية، في إحدى الليالي عقب ساعات عمل متواصلة، جاء إليهم حالة مصاب مستعصية لرجل أربعيني، يعمل سائق ميكروباص، في محافظة الإسماعيلية، تعرض إلى حادث عنيف، وعلى إثره انفصل كفه عن يده، وغاب عن الوعي الرجل بعدما نزف كثيرًا؛ فقام الأهالي بمحاولة إسعافه وإنقاذه بأي طريقة، وتم نقله إلى مستشفى جامعة قناة السويس التخصصي.

استقبل أطباء الطوارئ الحالة بعد حوالي أربع ساعات من الحادث؛ ليقرر بعدها الأطباء إدخاله عملية استغرقت 10 ساعات تقريبًا، من أجل زراعة أوتار اليد مرة أخرى، والتي تعتبر من العمليات النادرة في مصر إن لم يكن في العالم أجمع.

أحمد طه، أستاذ جراحة الأوعية الدموية بمستشفى جامعة قناة السويس، وهو واحدًا من الأساتذة الذين أجروا هذه العملية يقول لـ"الدستور": "عملية زراعة اليد من جديد تعتبر من العمليات النادرة نظرًا لمدى صعوبتها وتعقيدها، فضلًا عن وجود معايير واشتراطات تحتم على الطبيب اتباعها، منها مثلًا الحالة الصحية للمريض وما إذا كان يعاني من مرض ما كالأنيميا أو الضغط أو السكر".

يؤكد أستاذ جراحة الأوعية الدموية، أن الميكروسكوب هو الجهاز الأساسي الذي يتم استخدامه في مثل هذه العمليات التي تتطلب قدر كبير من الدقة والتركيز، ووصل سعر هذا الجهاز الآن إلى مليوني جنيه، بالإضافة إلى أنه غير متوفر ألا في بضع مستشفيات الجمهورية.

يضيف: "بسبب عدم توفر هذا الجهاز فقمنا بإجراء العملية بـ "اللوب" وهو أحد أنواع أجهزة الميكروسكوب الذي نضعه على أعيننا، وهو أقل كفاءة من الميكروسكوب ولكننا نستعيض عنه بجهاز "اللوب".

"عادًة ما يكون نسبة نجاح هذه العملية ضعيف جدًا وقلما تنجح هذه النوعية من العمليات نظرًا لأنها تخضع لقدر الإمكانيات المتاحة في المستشفيات، والحالة التي يكون عليها المريض بعد تعرضه لبتر اليد، كالنزيف الحاد، ومدى تهتك أنسجة وأوتار اليد، وفقد عظام الكف"، بحسب الطبيب.

محمد اللبان، استشاري الجراحات التجميلية، وواحدًا من الفريق الطبي الذي أجرى هذه العملية، يقول:"هذه العمليات المعقدة تمر بأكثر من مرحلة زنسبة فشلها محتمل، فهناك تعامل أولي كفحص حالة اليد والتأكد من سلامتها ووجود الحياة فيها حتى وإن كانت منفصلة، أما عن التعامل الثانوي وهو توصيل العصب، الشرايين، ومعالجة عظام اليد".

وعن الصعاب والمشاكل التي واجهت الأطباء في غرفة العمليات، يقول "اللبان": "تم إحضار الحالة بعد الحادث بأربع ساعات، كان لا زال يمكننا إجراء المحاولة حتى وإن فشلت، ولكن كان أوتار اليد والأوردة متهتكة تمامًا، حتى أن الشرايين جميعها قد تهتكت هي الأخرى، هذا فضلًا عن درجة التلوث التي كان عليها الكف واليد حينما وصلت الحالة المستشفى".

يضيف: "تم عمل الإسعافات اللازمة للحالة ومن ثم إدخالها إلى غرفة العمليات لتستمر هذه العملية قرابة 10 ساعات متواصلة، وبثلاثة تخصصات طبية مختلفة وهم الأوعية الدموية والعظام والتجميل، لتنجح عملية زراعة اليد في سابقة هي الأولى من نوعها في مستشفيات القناة".

طوارئ "الأميري" ينقذوا حالة قبل موتها بدقائق قليلة
في إحدى المناطق العشوائية بالإسكندرية، دب شجار بين شباب هذه المنطقة وانتهى الأمر بطعن عشوائي لأحد أفراد هذه المشاجرة، ليجدوا الأهالي أحدهم قد سقط نتيجة طعنه بسكين في القلب وكادت الضحية أن تغرق في دمائها.

انتقل المصاب على الفور إلى مستشفى الأميري الجامعي التي استقبلت هذه الحالة وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة، والتي تم انقاذها على يد أطباء الطوارىء بأعجوبة، تقول الدكتور "قسمت" مدير المستشفي: "الحالة وصلت طوارئ المستشفى قبل أن تلقى مصرعها بدقائق معدودة وذلك إثر طعنة غائرة فى القلب، ليقوم أطباء قسم الطوارئ بالتدخل السريع وعمل الإسعافات اللازمة لها، فالسرعة في مثل هذه المواقف هو العامل الأساسي بعد العناية الإلهية".

تضيف: " كانت هذه الجراحة خطيرة جدًا لأن السكين قد اخترق القلب وتسبّبت فى جرح بالعضلة، كما أن جراحة القلب والصدر من الجراحات الخطيرة، لذلك ما قدمه أطباء قسم الطوارئ والاستقبال بالمستشفى يستحق الثناء والشكر فقد تعاملوا مع المريض بسرعة فائقة وبشكل مهني عالي".

تابعت مدير مستشفى الأميري الجامعي، ضم الفريق الطبي عدد من التخصصات الطبية المختلفة، وأطباء استشاريين على قدر من الخبرة التي جعلت من نجاح العملية أمر غير مستحيل، مشيرة إلى أن العملية استغرقت ساعات طويلة ونجحت في النهاية وتم نقل وضع المريض في العناية المركزة لمتابعة استقرار حالته بشكل دقيق.

السابعة مساءً معجزة السيخ في مستشفى طنطا الجامعي
يوسف 14 عامًا، طفل يهوى تربية الحمام منذ الصغر، في أحد الأيام صعد إلى سطح منزله ليطعمه كالمعتاد، لكن القدر باغته وسقط على ركام هدم عقار مجاور له، ليدخل سيخ حديدي من أسفل إبطه ويخرج طرفه من خلف الرقبة ناحية اليمين، لكن ظل الطرف الآخر مثبتًا في الأرض.

أبلغ أهله الإسعاف في الحال، وحضر المسعفون فورًا ولصعوبة نقله طلبوا الاستعانة، بفني لحام قادر على ثني هذا السيخ وقطعه ، عقب الانتهاء من ذلك نُقل إلى مستشفى الطوارئ جامعة طنطا في السابعة مساءً.

هنا تبدء المعجزة الطبية، حيث تبين لأطباء قسم الطوارئ أن السيخ يخترق جسم الطفل لنحو 40 سم، ومثل هذا الطول خارجه لم يكن يقدر على القيام بأي حركة بجسده، وشكلت مستشفى الطوارئ الجامعي فريق كامل من أطباء التخدير والأوعية الدموية والجارحين.

الصعوبة في حالة "يوسف" تكمن في أن استقرار السيخ في جسده قد تؤدي إلى قطع في أحد الأوتار أو الخيوط العصبية التي من الوارد أن تتسب في شلل دائم في حركته.

يقول الدكتور مصطفى الباجوري، المعيد بقسم التخدير والعناية المركزة الجراحية، أن الفريق الطبي عمد إلى الاطمئنان على العلامات الحيوية للطفل وعمل الأشعة اللازمة، ومن ثم دخوله للعمليات في العاشرة مساءً، وبالتعاون بين أقسام جراحة الأوعية الدموية والتخدير وجراحة الأنف والأذن والمخ والأعصاب وكذلك القلب والصدر.

حرص الأطباء في البداية من التأكد من سلامة كل الأجهزة الحيوية، وتم توفير أطباء من كل التخصصات بلغوا 18 طبيبًا علاوة على فريق من التمريض، فالسيخ الحديدي كان يمس الضفيرة العصبية بشكل مباشر، كان من الممكن أن تودي بحياته لا سيما أنه كان ملتصق بالغشاء البلوري للرئة.

استمرت العملية حتى الثانية صباحًا من اليوم التالي، وخلال تلك الساعات عانى الفريق عدة صعوبات بداية من دخول أنبوب حنجرية التخدير، حيث السيخ واستغرق هذا نحو نصف ساعة حتى استبداله بتخدير تنفسي.

ومن ثم حدوث نزيف، وهنا تدخل أطباء جراحة الأوعية الدموية وعلى رأسهم الدكتور عماد سلام. يروي الدكتور محمد حسن، أحد عضاء الفريق، أن شغله الشاغل كان منع حدوث أي نزيف في الشرايين أسفل ترقوة المغذي للمخ، وبعد ذلك الاطمئنان على خروج السيخ بشكل حلزوني لتقليل الضرر وعدم أذيته لأي أوعية دموية لا سيما أنه كان ملوث بالصدى.

صنع الأطباء ترس كامل من القسطرات المركزية، ووريدية لنقل الدم والبلازما إلى الطفل، انتهت العملية دون أن يحتاج إلى كيس دم واحد أثناء الجراحة، لتكون تلك هي العملية الأولى من نوعها في مصر، وقررت إدارة الجامعة مكافأة وتكريم كل الأطباء المشاركين كافة.

في معجزة طبية.. بنها الجامعي تعيد يد مبتورة لصاحبها
آخر تلك البطولات، كانت في مستشفى بنها الجامعي، نجح فريق أطباء الطوارىء في إعادة ذراع شاب مبتورة له مرة أخرى، يروي تلك الملحمة الدكتور شادي صلاح، ضمن فريق جراحة الأوعية الدموية الذي أنقذ الشاب، ضم أقسام جراحة الأوعية والتجميل والعظام ومخ وأعصاب وتخدير.

يقول الطبيب، أن المصاب وصل للمستشفى وذراعه مبتور نهائيًا فقط مربوط بجزء بسيط من الجلد، وكان القرار الطبيعي أن العملية ستلحم هذا البتر، مضيفًا: "تكلمنا مع آهالي المريض بكل صراحة حول نسبة النجاح الضئيلة، لكننا سنبذل كل جهدنا ونقوم بمحاولة جادة، ونسبة النجاح لا تتخطي 10%".

ورغم نسبة النجاح الضئيلة إلا أن الفريق الطبي فعل المعجزة وأعاد ذراع الشاب المبتورة له مرة أخرى، بعدما استغرقت 10 ساعات عمل متواصل من 5 العصر حتى 3 الفجر، وتتابعت التخصصات المختلفة على العملية حتى عودة الشاب وذراعه للحياه مرة أخرى.

يؤكد الدكتور صلاح أن المستشفى قامت بعمليات صعبة كثيرة لكون المستشفى تخدم عدة محافظات، لكن تلك العملية كانت الأصعب والأدق، مشيرًا إلى أنه لا توجد أجهزة خاصة باستقبال المرضي أصحاب الحالات الخطرة أو الطوارىء، لكن الأمر يعتمد على القرار الجراحي وطقم الجراحة المتكامل الذي سيعمل مع الحالة.

ويوضح أن أصعب ما يواجهه في حالات الطوارىء هو عمر المصاب، إذا كان صغيرًا فهو يتحمل العمليات الحرجة التي يقوم بها الفريق الطبي، أما إذا كان كبيرًا في السن فتكون نسبة الخطورة أكبر، والتعامل معه بشكل أكثر حساسية.

ليست الأزمة الوحيدة التي تواجهة أطباء الطواريء، فبحسب صلاح فإن مواجهة الأهالي بالحالة الطبية لمريضهم تحتاج جهد كبير، فالبعض لا يتفهم أن العملية قد تفشل ليس بسبب الطبيب ولكن بسب وضع المصاب الحرج وعامل الوقت.