رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فوده يكتب: "ولاد رزق2" مباراة فى النجومية والتميز والأداء

جريدة الدستور

بعدما فرغت من مشاهدة الجزء الثانى من فيلم «ولاد رزق» وظهر أمامى تتر النهاية، أدركت وأيقنت على الفور خطأ تلك المقولة التى يرددها البعض بأن الجزء الثانى لأى فيلم يستمد قوته من نجاح الجزء الأول.. فالحق يقال إن الجزء الثانى مكتمل العناصر التمثيلية والفنية الكفيلة بأن تجعله يحتل موقع الصدارة بين بقية الأفلام المعروضة معه فى موسم عيد الأضحى المبارك، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون نجاحه قد استمده من نجاح الجزء الأول، إذ حقق هذا الفيلم فى أول أسبوع عرض إيرادات بلغت نحو ٣٦ مليون جنيه.

ولن أكون مبالغًا أيضًا إذا قلت إن هذا الجزء الثانى من الفيلم قد تفوق كثيرًا على الجزء الأول، على الرغم من النجاح منقطع النظير الذى حققه الفيلم فى الجزء الأول أثناء عرضه فى ذلك الوقت.. حيث تدور أحداث الفيلم الثانى بعد مرور أعوام قليلة من «عملية صقر» التى انتهى بها الجزء الأول، فيبدأ بمشهد مطاردة بين ولاد رزق وأشخاص مجهولين فى أحد الفنادق الشعبية تنتهى بهروبهم واختطاف شقيقهم عاطف، الذى يقوم بدوره أحمد داود، عن طريق رجل دبلوماسى يدعى كمال، الذى يجسد شخصيته خالد الصاوى، حيث يقوم باستجواب عاطف الذى يسرد له التفاصيل، لنصبح أمام الأحداث التى نراها «فلاش باك» على لسانه، ليتضح لنا الفاصل الزمنى بين الفيلمين وأن أولاد رزق قد أصبحوا فى حالة فقر شديد بعد أن توقفوا عن العمل بسبب عهدهم مع شقيقهم الأكبر «رضا»، الذى يجسد شخصيته أحمد عز، خاصة بعد أن أنجب طفلًا جعله يرغب فى أن يعيش حياة نظيفة بلا سرقة أو ارتكاب جرائم عنف، وهنا أتوقف أمام عدة عناصر جعلت الفيلم يحتل الصدارة فى سباق أفلام عيد الأضحى.



«الإيفيهات الكوميدية» تخفف حدة «الأكشن».. ولا عبارات خادشة أو إسفافًا
أول هذه العناصر يتمثل فى التمثيل.. فالفيلم وعلى غير العادة يشارك فى بطولته مجموعة من النجوم، ولم يعتمد على النجم الأوحد، كما يجرى فى الكثير من الأفلام السينمائية الأخرى، حيث نرى فى الجزء الثانى أحمد عز ومعه خالد الصاوى وعمرو يوسف وأحمد الفيشاوى وباسم سمرة وأحمد داود وكريم قاسم.
وبنظرة لتلك الأسماء نكتشف ذكاء صناع الفيلم، الذين كان بإمكانهم إنتاج الفيلم باسمين أو ثلاثة أسماء على أقصى تقدير، حيث يتم اختيارهم بعناية فائقة من بين تلك الأسماء الكبيرة، لكنهم قدموا لنا تلك الكوكبة من النجوم فكانت النتيجة كما رأينا أننا أمام فيلم جدير بالمشاهدة والمتابعة من أول مشهد إلى آخر مشهد، حيث لم يتسرب الملل إلى المشاهدين، وهو ما لمسته بنفسى فى عيون الجمهور الذى اكتظت به قاعة السينما، فالفيلم وإن كان من نوعية أفلام الأكشن، لكنه لم يخلُ من الإيفيهات الكوميدية التى استطاعت أن تخفف من حدة الأحداث ومشاهد العنف والحركة.

والحق يقال فإن تلك المشاهد الكوميدية لم نسمع فيها ولو للحظة واحدة أى عبارات خادشة للحياء أو أى إسفاف، ولكنها جاءت بشكل طبيعى وتلقائى وسط السياق العام لأحداث الفيلم، تلك الأحداث التى ظلت تتصاعد منذ المشاهد الأولى، إلى أن وصلت إلى الذروة بنهاية غير متوقعة بعد الكثير من مشاهد المطاردات، التى كانت تبدو وكأنها مجرد صراع بين عصابات يقوم بتنفيذها مجموعة من المجرمين والخارجين عن القانون، وعلى الرغم من ذلك فإن المشاهد ظل يتعامل بتعاطف شديد مع أولاد رزق، حيث نجدهم وقد دخلوا فى لعبة الصراعات، نتيجة ظروفهم الاجتماعية الصعبة القاسية.

وحتى نضع أيدينا على تلك الشخصيات فإننى سوف أتناول كلًا منهم على حدة.. وبالطبع نبدأ بالنجم أحمد عز الذى أراه قد تفوق على نفسه بهذا الأداء، الذى أقل ما يوصف به أنه السهل الممتنع، فأحمد عز جسد شخصية الشقيق الأكبر لأولاد رزق، وعلى الرغم من أنهم يتفقون جميعًا فى كمّ الإجرام والجرأة فإننا نلمس بشكل لافت للنظر أنه إلى جانب تلك الجرأة وعدم الإحساس بالخوف من أى خطر، لكن فى الوقت نفسه ظل يحمل قلبًا أبيض يجعله يتردد كثيرًا قبل أن يتهور أو يتورط فى أى مشكلة، وربما يرجع ذلك، كما جاء فى سياق الأحداث، إلى أن زواجه وإنجابه طفلًا جعله يتحول إلى إنسان طيب القلب، وكل ما يتمناه هو أن ينشأ هذا الطفل فى بيئة صحية نظيفة.

أحمد عز احتل أكبر قدر من الظهور فى الفيلم، حيث كان هو القاسم المشترك فى الغالبية العظمى من مشاهد الفيلم، وعلى الرغم من ذلك فإننا لم نضبطه متلبسًا بتهمة السطو على الكاميرا، وذلك فى تقديرى الشخصى يرجع إلى أنه من منطلق إيمانه القوى بأنه فنان ونجم كبير فإنه لم يسعَ لسرقة الكاميرا من بقية النجوم الذين شاركوه بطولة الفيلم، وهذا الأمر إن دل على شىء فإنما يدل على أن أحمد عز قد بلغ من النضج الفنى مرحلة تجعله حريصًا كل الحرص فى أى خطوة قبل أن يخطوها.. فأحمد عز الذى أعرفه جيدًا يفعل كل ما فى استطاعته ويخرج من داخله كل طاقاته الإبداعية من أجل تجسيد شخصيته على أكمل وجه، دون أن ينظر إلى ما يقدمه النجوم الذين يشاركونه البطولة، وهنا يكمن سر تألقه ونجوميته ونجاحه فى كل عمل يقوم ببطولته.

أما النجم عمرو يوسف فلم أشعر على الإطلاق بأنه أقل من دور البطولة فى هذا الفيلم، فعلى الرغم من ملامح وجهه، التى تنمّ عن شخص رومانسى، لكنه قدم شخصية الشرير والبلطجى وعضو عصابة بجدارة، وكنت فى كثير من المشاهد أتعاطف معه، بل وأخاف عليه من حجم الشر الذى كان يظهر على ملامح وجهه، خاصة حينما كان يشارك فى مشهد ملىء بالعنف والإجرام، وأعتقد أن هذا الشعور الذى انتابنى تجاه النجم عمرو يوسف كان هو نفس شعور كل من شاهده وهو يشارك فى هذا الأداء الرائع، وكأنه يشارك فى مباراة فى الأداء؛ من أجل تقديم عمل متميز.

بينما نجد النجم خالد الصاوى منذ لحظة ظهوره فى أول مشهد له وهو حريص كل الحرص على التأكيد لجمهوره أنه نجم كبير يستحق الإشادة، ورغم أن دور خالد الصاوى يبدو صغيرًا بين سياق أحداث الفيلم، لكنه استطاع أن يقترب من عقل وقلب كل من شاهد الفيلم، فقد ترك انطباعًا كبيرًا لدى المشاهدين بأنه دون تلك الشخصية ما كان يمكن أن يخرج الفيلم على هذا النحو من الروعة، ولكن للأسف الشديد فخالد الصاوى ما زال يسير على طريقته نفسها فى الأداء، بنبرة الصوت نفسها، وبحركات يديه نفسها وهو يتكلم، حتى نظرات عينيه هى نفسها التى كان يقوم بها فى كل أعماله السابقة.

أما الذى أدهشنى بالفعل، وهو يجسد دوره فى الفيلم، النجم أحمد الفيشاوى، حيث استطاع أن يجذب الجمهور إليه بخفة دم تميز بها، وبطريقته الخاصة فى نطق الكلام ونظرات عينيه، وإظهار التلقائية بعيدًا عن الافتعال والتكلف، وهو ما جعله ينافس على البطولة جنبًا إلى جنب مع بقية النجوم، أمثال النجم باسم سمرة، الذى وإن كان دوره صغيرًا بالقياس مع أدوار بقية أبطال الفيلم، لكنه قدم لنا دورًا مهمًا وكبيرًا جدًا يحسب له، خاصة أنه استطاع بالفعل أن يلفت إليه الأنظار، ليس هذا فحسب، بل إن الغالبية العظمى من جمهور الفيلم اعتبروه أحد أهم وأبرز أسباب نجاح الفيلم أيضًا. الشىء نفسه ينطبق تمامًا على النجم محمد ممدوح، الذى أراه وقد ظل طوال الفيلم على «الرتم» نفسه من حيث الأداء البسيط والتلقائى، والصوت الذى يبدو مستفزًا فى بعض الأحيان وكأنه يتصرف بشكل طبيعى بعيدًا عن التمثيل، لدرجة أننا لم نشك لحظة فى أنه شرير ونصاب ومتآمر على أولاد رزق، فالتلقائية والبساطة فى التمثيل جعلت الجمهور يتعاطف معه ويرفض تصديق فكرة أنه مجرم انقلب على أصدقائه، الذين استخدمهم فى الكثير من العمليات الإجرامية. كما كان الفنان أحمد داود مفاجأة الفيلم، وذلك بتقديمه تلك الشخصية غير السوية التى اتسمت بالطيبة والشقاوة والبساطة، التى تصل فى كثير من الأحيان إلى درجة السذاجة، وهو ما أسهم بشكل كبير فى مرور أحداث الفيلم بتلك السلاسة، فقد تم استخدامه لتمرير فكرة الخداع الاستراتيجى، التى قام نجم الفيلم أحمد عز بتنفيذ خطته للضحك على المحتال الكبير، الذى قام بشخصيته خالد الصاوى بمعاونة محمد ممدوح.

وبدراسة جميع الشخصيات التى قدمها الفيلم نلاحظ أن الفنان كريم قاسم قد كان اختياره موفقًا لدرجة كبيرة، فقد استطاع أن يقدم تلك الشخصية الكوميدية، سواء فى الإيفيهات التى كان يرددها أو من حيث الأداء الضاحك، الذى استطاع بالفعل أن يخفف من حدة الحوار والأحداث ذات الإيقاع السريع. كما لاحظت أيضًا فى الجزء الثانى من فيلم «ولاد رزق» وجود هذا العدد الكبير من الفنانين الذين ظهروا كضيوف شرف، وهم غادة عادل، ونسرين أمين، ويسرا، وماجد المصرى، وأصالة، ومحمد لطفى، وسيد رجب، وآسر ياسين.

اختيار أماكن التصوير بعناية.. الإنتاج وفّر عناصر التفرد.. وأداء المخرج طارق العريان «عبقرى»

أما حينما ننظر إلى العناصر الفنية للفيلم فنجد أن أماكن التصوير قد تم اختيارها بعناية فائقة، ليأخذنا الفيلم منذ تتر البداية إلى جو المنطقة الشعبية فى حى مصر القديمة، وكان الديكور على قدر كبير من الاحترافية، حيث لا يشعر من يشاهد الفيلم بأى نوع من الملل، وساعد على ذلك أيضًا حركة الكاميرا التى كانت تسير وتتنقل بانسيابية وبشكل طبيعى، وهنا يبرز دور التصوير، فالكادر الخاص بكل مشهد يعتبر بمثابة لوحة فنية شديدة الروعة تزيد من قيمة ومستوى الفيلم، من حيث العناصر الفنية التى تتكامل فيما بينها؛ لتصنع فى النهاية هذا العمل مكتمل عناصر النجاح، وهنا فى تقديرى تظهر وبشكل قوى ضخامة الدور الذى قام به المخرج طارق العريان؛ ليتمكن من وضع كل تلك العناصر فى يده ليشكلها كما يريد، بما يصب فى نهاية المطاف فى مصلحة العمل ككل، فقدرة المخرج على تحريك الممثلين، وهم فى الأساس مجموعة من النجوم الكبار تتجلى بشكل لافت للنظر فى هذا التناغم والترابط فى الأداء التمثيلى بين هؤلاء النجوم، كما أن قدرته أيضًا على توظيف بقية العناصر الفنية من تصوير وإضاءة وديكور يعد بمثابة قيمة مضافة للفيلم.

أما الإنتاج فإننى أرى أن الفيلم يعد بحق من نوعية الأفلام ذات الميزانية الكبيرة، وذلك بالطبع لم يأتِ من فراغ، إنما لأن الجهة المنتجة قد خصصت له ميزانية عالية حتى يظهر على هذا النحو من الروعة والجودة والإتقان الذى ظهر عليه الفيلم، والحق يقال فإن هذا التوجه ليس جديدًا على مجموعة شركات تمتلك أدواتها وتعى جيدًا أن مسألة إنتاج فيلم سينمائى ليست مجرد مشروع تجارى يتم تنفيذه من أجل إرضاء شباك التذاكر وحسب، بل هى مسألة تتعلق بأخلاقيات مهنية لا يعرفها إلا من هم على دراية تامة بأصول وقواعد العملية الإنتاجية الراقية التى تستهدف فى المقام الأول تقديم عمل فنى متميز يحترم المشاهد، فيحترمه ويقبل على مشاهدته.

ومن أجل كل تلك العناصر التى أشرت إليها باستفاضة، فإننا الآن بصدد الحديث عن فيلم سينمائى يجمع بين متعة المشاهدة وروعة الأداء، الذى تبارى فيه كل فنان؛ ليقدم لنا أفضل ما لديه من قدرات تمثيلية، بعيدًا عن الجرى وراء الأنانية أو الرغبة فى الاستحواذ على عين الجمهور بشكل منفرد، فجاء الفيلم عملًا جماعيًا بمعنى الكلمة، على الرغم من أن المخرج طارق العريان فى فيلم «ولاد رزق ٢» قد اعتمد على التيمة نفسها والحبكة والأسلوب السردى الذى ظهر فى الجزء الأول، مع استحداث تفاصيل وشخصيات جديدة محدودة، بعضها مؤثر والبعض الآخر غير مؤثر بالمرة، لكن الخطوط الرئيسية التى تسير فيها الأحداث واحدة، وكذلك الملامح الرئيسية لطبيعة الأبطال فهى لم تتغير أيضًا.

وقد نجح المخرج فى أن يقدم للمشاهد كل التفاصيل التى أحبها فى الفيلم الأول حتى على مستوى ترتيب تسلسل الأحداث فى الحبكة المتطابقة، وبالطبع الحفاظ على القوام الأساسى من خلال الأبطال الخمسة، واستخدام طريقة التشويق والإثارة نفسها ثم الخدعة التى تظهر فى النهاية.. وهنا تكمن فى تقديرى الخلطة السرية وراء نجاح الجزء الثانى لفيلم «ولاد رزق» على هذا النحو الذى نراه الآن.