رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة مريم قبل ميلادها وبعد الرحيل

جريدة الدستور

يتعامل التاريخ مع كافة الشخصيات التاريخية منذ اللحظة الاولى للولادة، ولم يسبق أن تعامل مع أي شخصية تاريخية أو رمز ديني، على أنه كان موجودًا قبل ولادته، وعلى الرغم من أن عدد من المؤمنين من مختلف الأديان الإبراهيمية يؤمنون أن هناك تواصل بين الأرواح لاسيما الصالحة منهم وبين البشر، إلا أن المتفق عليه أن الجسد يفنى ويتحلل وهو ما مثبت علميا ولا خلاف عليه.

كافة ما ذُكر أعلاه جاء مختلفًا بالنسبة للسيدة العذراء مريم، فإن كان لكل قاعدة المختلفات عنها، فتنظر الكنائس لاسيما المصرية منهم، إلى السيدة العذراء نظرة الحالة المختلفة عن القاعدة، فهم يرونها قبيل ولادتها ولهم نظرة مختلفة لها بعد الرحيل.

العذراء قبل الميلاد.. اين؟؟ ومتى؟؟
يؤمن الأقباط أن السيدة العذراء كانت موجودة في هيئة رموز ترمز اليها، حيث كان الله يمهد لمجيئه من رحم فتاة عذراء – وهو ما تم الاتفاق عليه من قبل الإنجيل والقرآن- في هيئة رموز واحداث ومواقف فعلية جاءت لترمز الى السيدة العذراء وبناء عليه فإن الأقباط يرون السيدة العذراء في تلك الرموز والاحداث التي حدثت قبيل ولادتها بقرون وعصور.

العذراء 9 مرات قبل ولادتها
القمص مينا الأورشليمي راعي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية ببغداد بدولة العراق الشقيقة، قال في تصريحات خاصة للدستور إن هناك عدة زوايا يمكن ان نرى السيدة العذراء فيها قبيل ولادتها،
1- حيث تُرى العذراء مريم في خيمة الأجتماع التي هي سكن الله مع الناس، فبالسيدة العذراء وبحسب الايمان المسيحي هي الوسيلة التي استخدمها الله للسكن مع الناس
2- كما تُرى العذراء في هيئة تابوت العهد الذي حوى في داخله قسط المن، فالكنيسة تستند على تشبيه المسيح لنفسه انه خبز الحياة الذي هو المن السمائي المخفي داخل تابوت العهد فكما حوى تابوت العهد المن داخل الذي هو المسيح فقد حوته العذراء ايضا في بطنها لمدة 9 اشهر
3- كما ترى الكنيسة العذراء قبيل مولدها في عليقة موسى التي كانت تشتغل بالنيران ولم تحترق فكذلك بحسب الايمان المسيحي حوت العذراء بداخلها نيران اللاهوت الا انها لم تحترق
4- ترى الكنيسة العذراء قبيل مولدها ايضا في عصا هارون العصا التي افرخت وازهرت واثمرت لوزا دون سقي، فكذلك السيدة العذراء حبلت وولدت دون تدخل بشري ودون ممارسة جنسية.
5- كما ترى الكنيسة العذراء في خيمة الاجتماع التس هي سكن الله مع الناس تراها ايضا في سلم نبي الله يعقوب الذي حلم به واصلا بين الارض والسماء، حيث ترى الكنيسة ان السيدة العذراء هي سلم المصالحة الذي نزل عليه الله من سماءه الى الارض.
6- كما تنظر الكنيسة للعذراء انه الباب الذي راه نبي الله حزقيال الذي دخل وخرج به وهو مغلقا، في اشارة الى ختم البكورية او العذراوية الخاص بها فكما حبلت وهي عذراء ظلت عذراء ايضا حتى بعدما ولدت.
7- ترى الكنيسة ان العذراء كانت موجودة قبيل ولادتها في هيئة فلك نوح ايضا، فكما نجى نوح نبي الله وبنيه وزوجاتهم، من الطوفان المهلك في الفلك، نجا المؤمنون بالمسيح من العقاب الابدي بعد ولادته من العذراء.
8- كما رأت الكنيسة الذعراء في هيئة العليقة المتقدة نارا ولم تحترق فكذلك تراها في هيئة شورية هارون التاي حملت ايضا جمر النيران ولم تحترق.
9- ترى ايضا الكنيسة السيدة العذراء في هيئة لوحى الشريعة التي كتب عليهما الله وصاياه العشر لليهود.

ولعل البعض يتسائل لما يرى المسيحيين العذراء في تلك الرموز بعينها دون غيرها؟ ولما لاتنطبق تلك الرموز على اي رموز ديني اخر؟

اولا لم تلد اي عذراء اخرى حتى الان
قال القس فيلوباتير نسيم كاهن كنيسة مار جرجس الزقازيق إن العهد القديم شهد بنبوات دقيقة جدأ عن حياة العذراء مريم، واتضح هذا الأمر في سفر إشعياء من خلال أية _"ها العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعي عمانوئيل "، لتتحقق هذه النبوة في العهد الجديد بعد ميلادها.
وأشار "نسيم " في عظته باحتفالات صوم السيدة العذراء مريم قائلًا " من المستحيل أن تلد العذراء، وهذا الأمر الذي اندهش منه الجميع قديمًا، ولكن هذه الأية التي تحققت بالعهد الجديد تنبأ عنها سفر إشعياء بالعهد القديم من خلال أية ""ها العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعي عمانوئيل " التي تنبأت بالمستحيل منذ قديم الزمان والألاف من السنوات قبل ميلاد القديسة مريم لنجد أن المستحيل تحقق لتلد العذراء السيد المسيح، ولكن تأكدت النبؤة بسفر إشعياء في الإصحاح الرابع به بالعهد القديم.

ثانيا بخصوص عملية التصالح مع السماء
امجد بشارة الباحث والمترجم قال في تصريحات خاصة لـ « الدستور »، إنه في جميع ليتورجيات الكنيسة، ومن قبلها عظات الرسل المذكورة في العهد الجديد، نجد أنّ أساس الكرازة والتعليم عن المسيحيّة يبدأ مع نبوات العهد القديم، وفي بداية صوم العذراء وحين نذكر كلّيّة الطوبى والدة الإله ونبحث في دعوتها المقدسة والعظمى في تدبير خلاصنا،
واضاف بدء الإشارات عن الممتلئة نعمة كانت في سلم يعقوب، هذا الي نجده في سفر التكوين، حيث مكتوب: "وَرَأَى حُلْمًا وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ" (تك٢٨).
مستطردا ان العذراء هيَ السلم الذي أوصلنا بالسماء عن طريق ولادتها لابنها البكر يسوع المسيح، فبه تصالحت السماء مع الأرض، وهذه المصالحة كانت بدايتها في طاعت مريم وخضوعها لسر التدبير وخطة الخلاص الإلهيّ، والتي صارت فيه جزءًا أصيلًا.
مضيفا وهكذا تسبح الكنيسة في ثيؤتوكية الثلاثاء، قائلة:انت هي السلم الذي راة يعقوب ثابت علي الأرض ومرتفع الي السماء والملائكه نازلون عليه"؛هُنا يجب أن نشير إلى أن الحديث عن المسيح ولاهوته وطبيعته لا ينفصل عن الحديث عن والدة الإله، فمنها أخذ طبيعته البشرية، وبه صارت والدة الإله، وفي أحشائها اتحدت الطبيعتان الإلهية والإنسانيّة، حتى دعتها الكنيسة بوعيّ إلهيّ ب"معمل اتحاد الطبائع".
واضاف بشارة فى تصريحات اشارة أخرى، وهي أشهر وأهم النصوص التي تُعلِّن عن معمل اتحاد الطبائع سيدتنا العذراء مريم نجده في الظهور الإلهي لموسى من خلال العليقة المشتعلة بالنار، ولم تحترق بها، حيث تصلي الكنيسة في ثيوتوكية الخميس:
"العليقة التي رآها موسي النبي في البريه والنار مشتعلة فيها ولم تحترق أغصانها هي مثال العذراء مريم غير الدنسة الهادئة التي تجسد منها كلمة الاب ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وانت بعد ما ولدتيه بقيت عذراء"؛ففي مطلع الأصحاح الرابع من سفر الخروج نجد هذا المشهد المهيب، والذي رأي فيه آباء الكنيسة أمرين، أولهما أنها إشارة لسكنى الله وسط شعبه (الكنيسة). أما التفسير الثاني فكانت إشارة للعذراء التي أشرقت فيها نار اللاهوت، وولدت منها الابن الوحيد دون أن تتأثر بشريتها ودون أن تفقد بتوليتها، فظلت بكرًا وأمًا للإله المتجسد من خلالها.
واكد "بشارة" انه في سفر الخروج ومع الأصحاح السادس عشر نصل إلى إشارة جديدة لمريم العذراء، هو تابوت العهد، ذاك الذي حمل بداخله المن السماوي الذي كان يقتات عليه إسرائيل وقت تيههم في صحراء سيناء ليحيوا به، هكذا أيضًا العذراء حملت المن الحقيقي النازل من السماء، والذي يأكل منه يحيا إلى الأبد (يو٦)؛فتتهلل الكنيسة في ثيوتوكية الأحد:
"شُبِهَت القديسة مريم بتابوت العهد المصنوع من الخشب الذي لا يسوس مغشى بالذهب من كل ناحية، وأنتِ يا مريم العذراء متسربلة بمجد اللاهوت من الداخل والخارج"،فنجد أيضًا إشارات عنها بطول العهد القديم، فهي قسط المن التي تحمل المن الحقيقي (خر ١٦: ٣٣)، وخيمة الاجتماع التي يحل فيها الرب (خر٤٠)، والملكة القائمة عن يمين الملك (مز٤٥)، وعصا هارون والمجمرة الذهبية وباب حزقيال الشرقي (حز٤٤).

بخصوص تابوت العهد
قال الأنبا مكاريوس إن تابوت العهد هو رمز بالعهد القديم لحضور الله، ومقابل هذا الرمز بالعهد الجديد هو حضوره بالعهد الجديد.
وأوضح الأنبا "مكاريوس" في تصريحات له أن العذراء مريم هي تابوت العهد الجديد الذي حضر من خلاله الله، وكان مجرد رمز بالعهد القديم بنبؤة تحققه في حياة العذراء مريم بميلادها للسيد المسيح.

وبخصوص فلك نوح
الأنبا باخوم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الكاثوليكية قال في تصريحات خاصة لـ « الدستور »، أنه بعد قيامة السيد المسيح قرأ التلاميذ على ضوء القيامة خلاص يسوع للجميع وان يسوع هو ابن الله بالحقيقة وهو الذي يتحقق في شخصه نبؤات العهد القديم عن المسيا المنتظر، فما كان للتلاميذ إلا توصيل وتعليم جماعتهم كيف أن يسوع هو المخلص الذي انتظره الشعب
واضاف باخوم فلكل نبوة من العهد القديم ٣ أبعاد تقرؤها الكنيسة: بعد حقيقي تم في وقته، بعد مسياني إشارة المسيا المنتظر، وبعد مسيحاني يتحقق في شخص المسيح ؛وهكذا أيضًا رأت الكنيسة أن هناك إشارات في العهد القديم عن مريم العذراء التي كانت شريكة في الخلاص بقبولها وحملها يسوع في بطنها تسعة أشهر، فنجد مريم هي فلك نوح: الذي به نجت عائلة نوح من الطوفان وسلم يعقوب: الذي يصل السماء بالأرض؛ وعصا هارون: التي كانت تساعد في خلاص الشعب اليهودي ليخرج من أرض مصر؛والعليقة: التي حملت الله لموسى؛ الغمامة: في إيام إيليا التي أنزلت المطر بعد جفاف دام ٣ سنوات ؛الصبية: التي أنجبت عمانوئيل بعد انقطاع ليخلص شعبه
و تابع قائلًا" هناك الكثير والكثير من الإشارات والتشبيهات للسيدة العذراء في العهد القديم، لا تكفي الحروف والكلمات لتوافيها حقها"

إن كان ما سبق يخص العذراء قبيل ولادتها.. فماذا عن ما بعد رحيلها؟؟
للمسيحيون نظرة خاصة الى السيدة العذراء بعد رحيلها، فجميع القديسين على الرغم من تقديك الكنيسة الاكرام والتبجيل لهم الا انها تؤمن برحيلهم وتحلل اجسادهم وهو ما لا تؤمن به في نظرتها للعذراء.

اين جسد العذراء؟ وما دلائل الكنيسة؟
قال القس انجيلوس جرجس كاهن كنيسة القديس جوارجيوس والأنبا أنطونيوس بمصر الجديدة، في تصريحات صحفية له، إن هناك 22 وثيقة تاريخية قبطية تشهد وتؤكد على صعود جسد السيدة العذراء مريم إلى السماء من بينها وثيقة كتبها بولس الرسول بالقبطي،و أيضًا المصدر التاريخي بكتاب السنسكار القبطي وهو كتاب يضم سير القديسين ويروي قصة صعود جسد العذراء مريم.
وأوضح "جرجس " أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تؤمن بصعود جسد السيدة العذراء مريم، وتروي كتب التقليد والآبائيات، أنه عندما تنيحت ورحلت العذراء مريم عن عالمنا، كان القديس توما الرسول، أحد رسل الكنيسة، يكرز بالإنجيل فى الهند، وشاهد بنفسه جسدها صاعدًا ولكن كان لا يعرف مكان صعوده وفقًا لكتب التاريخ الكنسي
وأشار إلى أن السيدة العذراء مريم صعدت في عامها الستون بمدينة أورشليم، وعندما رحلت قام تلاميذ ورسل المسيح بدفنها، وعندما رأى جسدها القديس توما صاعدًا بالهند بعد فترة قصيرة من الزمن عاد إلى أورشليم للسؤال عن جسدها، فلم يجدها مع باقية التلاميذ ووجدوا القبر فارغًا.
وأوضح أن التلاميذ ورسل السيد المسيح قاموا بالصوم لمدة 15 يومًا حتى يظهر مكان جسد السيدة العذراء مريم، حتى أظهر الله حقيقة صعود جسدها إلى السماء لهم
وأشار إلى أن السينكسار الأرثوذكسى، الذى يتضمن سير جميع القديسين، به عيد صعود السيدة العذراء، وكذلك فإن تقليد الآباء ذكر قصة صعودها للسماوات، ولهذا نؤمن ونعترف بأن جسد العذراء مكرم، ولم ير فساد التراب والأرض.
من جانبهه قال الباحث رامي سليمان في تصريحات له، إن الكتاب المقدس لم يذكر قصة صعود جسد العذراء لأن موتها، وصعود جسدها بعد ذلك، حدث بعد كتابة آخر سفر في العهد الجديد، والكتاب المقدس أيضا لم يذكر شيئا عن موت أو استشهاد أكثر الآباء الرسل القديسين، فلم يتكلم بشئ عن استشهاد تلاميذ ورسل المسيح فيما عدايعقوب بن زبدي أخو يوحنا، مع مراعاة ان حقيقة صعود جسد السيدة العذراء حقيقة معترف بها، منذ أقدم عصور الكنيسة وعند جميع الكنائس الرسولية، لأنها تقليد رسولي عن القديس يوحنا الرسول الذي وصاه المسيح بوالدته.

لما صعد الى السماء؟
الايبودياكون شوقي صموئيل، قال في تصريحات خاصة للدستور انه وبحسب الايمان المسيحي فالسيدة العذراء مريم، حوت في بطنها الله المتجسد وهو السيد المسيح وبناء عليه، فكان من الطبيعي ان يختلف جسدها عن بقية الاجساد والا يرى فساد او يتحلل كبقية الاجساد.