رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اغتصاب جنسى وضرب.. متى تنتهى آلام الخادمات فى مصر؟

جريدة الدستور

ثالث أيام شهر ذي الحجة من العام الماضي، استدعت «فاطمة أبوالمجد»، ربة منزل، بإحدى الخادمات تدعى «ميترت. ن»، لتعاونها في الأعمال المنزلية، فجاءت بالفعل لتخدمها فى المناسبات العامة والخاصة بالعائلة، خاصة أن المنزل يتألف من أربعة طوابق متداخلة، وكان ذلك قبل عيد الأضحى المبارك.
مرت أيام قليلة، إلى أن وجد «مصطفى» بائع في محمصة قريبة من المنزل الكائن بحي مصر الجديدة، «ميترت» ملقاة تنزف دمًا في أسفل العقار، وبعد أن أبلغ الإسعاف تبين أنها ألقت بنفسها من الطابق الرابع هربًا من قسوة «فاطمة»صاحبة المنزل الذي تعمل به.
تحرر محضر بالواقعة، وباشرت النيابة التحقيق، حيث كانت الخادمة الثلاثينية في حالة غياب تام عن الوعي، بعد أن أصيبت بجرح قطعي بفروة الرأس، وكدمات متفرقة بالجسم، وتورم أسفل العينين، وخلع أظافرها، وقص شعرها، وآثار عضة باليد اليمنى، تروي المجني عليها، أنها اختارت الموت باعتباره أهون من التعذيب الذي تعرضت له على مدار أيام.

تكمل أنها ذهبت للمنزل للقيام بالأعمال التي طلبتها منها السيدة، بينما سافرت «فاطمة» لشراء الأضحية من إحدى قرى الدلتا، وبعد أن قطعت نصف الطريق وجدت نصف ثمن الأضحية مفقودًا من حقيبتها، فعادت مسرعة واستجوبت «ميترت» بكل الطرق.

وحين نفت الأخيرة معرفتها بتلك الأموال، حبستها وانهالت عليها بالضرب هي وحارس العقار، وحين غفلت عنها هربت الفتاة من النافذة، تذكر أنها ليست المرة الأولى التي تتعدي عليها فيها، لكنها كانت تعود نظرًا للأجر السخي التي تتلقاه، أما هذه المرة فكانت الأقسى.

«ميترت»، ليست الخادمة الوحيدة التي تتعرض للضرب والإهانة، وربما القتل في المنازل التي تعمل بها، لاسيما أن مصر ليس لديها قانون يحكم تجارة الخادمات، أو هيئة تكون مسئولة عنهم وتوفر لهم الحماية والأمان.

ما حدث لـ«ميترت» فصل أليم من حياة الخادمات في مصر، وصار ظاهرة مليئة بصفحات السجلات الجنائية الدامية حتى انتبه له البرلمان، وقدم فايز بركات، عضو لجنة التعليم بالنواب، بطلب إحاطة موجهًا إلى رئيس الوزراء ، بشأن ارتفاع معدل الجرائم التي ترتبط بالخادمات، سواء التي ترتكبها الخادمات في حق أصحاب المنزل وأبنائهم، أو الجرائم التي يجرى فيها انتهاك حقوق الخادمات.

أوضح بركات لـ«الدستور» أنه رغم اعتناء الدولة بالعديد من المهن الحرة والعمالة المؤقتة بمنحها بعض الميزات التكافلية والائتمانية، إلا أن مهنة الخادمة مازالت بعيدة عن الأعين، خاصة أن المهنة بشكل عام تفتقر إلى التأمينات الاجتماعية وعقود عمل، وعدم خضوعها لمكاتب العمل .
وطالب بإخضاعها لوزارة القوى العاملة، وألا تعمل سيدة خارج مكاتب توظيف الخادمات لصيانة حقوقهن، ومنها لمعرفة قوام المهنة، وعدد العاملات فيها بشكل دقيق، حيث تتم كل الإجراءات التنظيمية لعملهن بوجود إطار تشريعي، وبذات الوقت توفير رقابة كاملة على مكاتب العمل، والتأكد من السمعة والسجل الجنائي للعاملات به.

ويعترف أصحاب مكاتب الخادمات بتلك الانتهاكات التي تحدث في حقها، في مكتب «الصفا» الكائن بشارع المطبعة شمال فيصل الجيزة، الخاص بتوظيف الخادمات، تواجدت «الدستور» لمعرفة شروط المهنة، وكيف يضمن المكتب للعاملة الحماية والحصول على الأجر المناسب.

هناك التقينا بـ«مصطفى السيد» أحد مدراء المكتب الذي ذكر أن حماية العميل والخادمة هي مسئولية تبدأ من اختيارهن للمتعاقدات معهن، فيختار المكتب عاملات حاصلات على مؤهلات عالية ومتوسطة؛ لتوفر مستوى عاليًا من التعامل مع الأطفال والمسنين في البيوت التي يرتدونها، وكذلك تقدم كل واحدة منهم صورة صحفية جنائية «فيش»؛ لضمان عدم ارتكابها أي جرائم مسجلة، وكذلك شهادة صحية للتأكد من خلوها من أي امراض وبائية.

في المقابل يذكر «مصطفى» أنه يحاول أن يراعي حقوق العاملة، فالخطوة الأولى في التفاوض للحصول لها على أعلى أجر، ومكان ملائم للمعيشة في حال اشتراطهم المبيت، والعلاج والرعاية الصحية.

لكنه يذكر أن الأمر لا يخلو من الحوادث الفردية من الجانبين، فهناك خادمات يمتهن السرقة سواء كان الأغراض أو حتى الطعام وهنا يقطع المكتب التعامل معهن، أو العكس فكثيرًا ما يتم التحرش بهن من أصحاب المنزل وذات الإجراء يأخذه المكتب بمجرد الشكوى.

«هاجر» قبلت التعدي الجنسي مقابل خمسين ألف جنيه 
فيروي أن آخر واقعة تعامل معاها، كانت لإحدى الفتيات المتعاقد معها، وتدعى «هاجر .م» من محافظة السويس اعتادت على العمل لدي أصحاب المنازل، منذ عدة أشهر هربت من الڤيلا التي كانت تعمل لديها في الثالثة فجرًا بعد أن حاول صاحب المنزل التعدي عليها جنسيًّا.

أكمل أن «هاجر» خرجت مرتدية نصف ملابسها وساعدها أحد السائقين في اصطحابها إلى المكتب، وفِي الصباح ساعدها «مصطفى» في تحرير محضر لدى شرطة التجمع الخامس، حيث كانت تعمل، لكن سرعان ما تنازلت بعد أن عُرض عليها مبلغ خمسون ألف جنيه كتعويض.

فيوضح مصطفى أن في معظم حالات التعدي على الخادمات، هُن ما يضيعن حقوقهن بأنفسهم، إما بالتنازل للتعويض أو التهديد، لذا لا تنتهي حوادث التعدي عليهن.