رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هنا الموت».. «الدستور» تكشف غياب وسائل آمان عمال الصرف الصحي

جريدة الدستور

لا أدوات أمان ولا حماية، عمال يذهبون بشكل يومي إلى عملهم بمحطات الصرف الصحي أو الرفع التابعة لشركات المياه، يحملون أرواحهم على كفوفهم؛ بسبب المخاطر التي يتعرضون لها، فأصبحت بعض شركات مياه الشرب والصرفي الصحي، لا توفر لهم الأدوات اللازمة لحمايتهم، بل تتركهم يواجهون خطر الموت؛ لكونهم لا يرتدون ملابس الغطس الخاصة بأعمال الصرف الصحي، أو غيرها من وسائل الحماية.

فى أكتوبر الماضي شيع عشرات من قري منية المرشد وعمرو وكوم دميس، التابعين لمركز مطوبس، بمحافظة كفر الشيخ، جثامين 4 عمال بينهم مواطن من ضحايا بيارة صرف صحى بإحدى محطات الصرف الحكومية، والتي كانوا يقومون بعمليات إصلاح بها.

لم تكن الحادثة الأولى، فعلى مدار عدة سنوات شهدت نفس المحطة سقوط 3 عمال آخرين، وفي محافظات آخرى تكرر الأمر كثيرًا ليدق بناقوس الخطر، في حين تقدم برلمانيون بطلبات إحاطة تطالب بمراجعة وسائل الآمان في تلك المحطات.

"الدستور" تفتح ملف بخصوص خطر بالوعات وبيارات الصرف الصحى داخل المحطات أو بالشوارع، وترصد مشاكل عمال الصرف الصحى الذين يعانون من عدم توفير وسائل أمان أو أي حماية تقيهم أخطار ما يقومون به من أعمال شاقة.

"مفيش بدل غطس، ولا في كمامات ولا أدوات تقينا خطر العمل، عدد العمالة قليل، والفنيون لا يتواجدون بشكل دائم لتصليح الأعطال وبالتالي نكون نحن مطالبين بالقيام بذلك"، كلمات لخص بها رفيق ماضي، أحد عمال محطات الصرف الصحى بكفر الشيخ، معاناتهم مع عملهم.

أضاف: "لسنا مسئولين عن تسليك تلك البيارات التي يصل عمق الواحدة منها 12مترًا على الأقل، بل يجب أن يتواجد داخل تلك المحطات غواصين متخصصين؛ كي يتمكنوا من النزول داخل البيارات الأكثر عمقًا، البيارات الكبيرة لازم اللي ينزلها غواصين متمكنين علشان ميغرقوش".

أوضح ماضي، أن أبرز المشاكل التي يعاني منها هو المرض بصفة مستمرة؛ بسبب النزول في بيارات المياه الأكثر تلوثًا، والتي من خلالها يُصاب الكثير من العاملين، بالرغم أن هذا ليس تخصصهم ولكن لا يوجد غواصين بالمحطات؛ ما يضطرهم للنزول لكى يعملون على تسليك تلك البيَارات.

تابع: أنا أصيبت بأمراض كثيرة بسبب نزول مستنقعات مياه الصرف الصحي، منها الفشل الكلوى والحساسية وغيرها من الأمراض، لكن لقمة العيش، وظروف المعيشية تضطرني للعمل في تلك المهنة، وبالرغم من إننا لسنا ملزومين بالنزول للبيَارات الكبيرة دي ونسلكها".

لم يختلف الأمر كثيرًا عند مجدي عبدالغنى، عامل بإحدى المحطات، الذي أوضح أن قيادات المحطة يلزمون العمال، بالنزول في أوقات متأخرة من الليل؛ كي يقومون بتسليك الشوارع والبيَارات دون إشراف من متخصصين.

قال: "أصعب الأوقات اللى بعاني منها هي النزول في أوقات متأخرة من الليل في الشتاء، عندما يحدث انفجار مواسير للصرف الصحي، وبنفتقد كل وسائل الآمان لكن إحنا مش معيينين إنما عمال بالسركي، يعني عمالة غير منتظمة، ودا بيخلينا نتحمل غصب عننا".

منذ أيام قليلة ماضية، شهدت شاهدتها قرية صغيرة فى مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، واقعة مأساوية إثر مصرع أب وابنيه الاثنين والذين جاءوا من محافظة المنوفية، بحثًا عن لقمة العيش، إلا أن الموت غرقًا في مياه الصرف الصحي، كان نصيبهم.

عبد الرحمن فهمي كامل، يبلغ من العمر 50 عامًا، وهو أب لولدين هما- محمود 27عام - ومجدى 25عامًا؛ كانوا يعملون فى تنفيذ مشروع صرف صحي تابع لشركة مقاولات خاصة، نزل الابن الأصغر لمعاينة ماسورة صرف صحي، وتأخر داخلها ليس لأنه يعمل على تصليحها، ولكنه كان يلفظ أنفاسه الأخيرة.

حينها شعر الأب بالخوف على ابنه بسبب تأخره؛ هرع إليه إلا أن شدة مياه الصرف ابتلعته هو الآخر،
لم ينتظر الابن الأكبر مشاهدة شقيقه ووالده داخل مياه الصرف، فسارع لإنقاذهم ولكنه أصبح الضحية الثالثة معهم، وجمعهم الموت في نفس المكان.

إبراهيم كمال، موظف في إحدى محطات الصرف الصحي بمحافظة البحيرة، يوضح أن كثيرًا ما يحدث أعطال في بالوعات وبيارات الصرف الصحى؛ لأنها خُططت بشكل غير مطابق للمواصفات، ما يحتاج للنزول داخل بالوعات مليئة بمخلفات، فضلًا عن الروائح الكريهة التي تصيب كثيرًا من العمال بالأمراض الصدرية.

طالب الموظف، بضرورة الاهتمام بعمال الصرف الصحي الذين يعملون في أوقات صعبة قائلًا: "المشكلة ليست في عملنا ساعات في فصل الشتاء ولكن في الصيف أيضًا، يكون هناك ارتفاع كبير في درجات الحرارة، ونضطر للعمل خاصة إذا تسبب انكسار ماسورة في شارع عمومي أو طريق رئيسي، الأمر الذي يتطلب منا سرعة العمل لفتح الشارع أو الطريق حتى لا يتسبب ذلك في أزمة للمواطنين".

المهندس جمال عقبي عضو مجلس النواب، قال إنه يجب على وزارة الإسكان والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، بوضع خطة استراتيجية لتحد من تلك المخاطر التي يواجها عمال الصرف الصحي، والذين يعانون من مشاكل بسبب تحملهم عبء كافي من العمل.

وتابع عقبي، أنه يجب على الجهتين توفير جميع المستلزمات داخل محطات مياه الشرب والصرف الصحي في جميع المحافظات، وتوفير وسائل الأمان للعمال الذين من المفترض ليس لهم شأن بتسليك بيارات الصرف الصحي، لأنها ليس من تخصصهم.

وأضاف عضو البرلماني، أن هناك فنيين متخصصين لنزول تلك البيارات والتي يصل عمقها لأكثر من 12 مترًا، بالإضافة إلا أنها تحتاج إلى دراسة جيدة في كيفية النزول وهذا من شأن الفنيين وليس العمال، مطالبًا بمراجعة وسائل الأمان داخل جميع المحطات.