رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من منسى إلى الملوانى والقاضى.. مصر ستنتصر


الثمن غالٍ ولكن الوطن أغلى.. الثمن يدفعه شباب مصر من أبناء القوات المسلحة والشرطة كل يوم ولكن لم يتذمر أحدهم ولم يتضرر ولم تنهل على القيادات فى قواتنا المسلحة أو الشرطة طلبات النقل من سيناء إلى مناطق أخرى، وما يحدث هو العكس.. إصرار من الضباط، صغار السن والرتبة، على الخدمة فى سيناء وأصبحت المأموريات إلى سيناء هدفًا يسعى إليه شباب فى العشرينيات من الضباط أو الأفراد يعرف كل منهم أن الطريق إلى سيناء صعب وأن الثمن ربما يكون حياته، ولكن أحدهم لا يزيد عمره على أربعة وعشرين عامًا قال لى إجابة جعلتنى أصمت وأطمئن..
كانت الإجابة «نعم الثمن صعب والطريق والمكوث فى جبال سيناء أصعب ولكن ما بالك يا عمى لو كان هذا الطريق هو طريق الجنة أو طريق الأمان والاستقرار للوطن..نعم أنا أذهب وأنا مشروع شهيد ويوم أعود إلى قريتى إما فى علم مصر وساكنًا فى عليِّين بالجنة أو رافعًا رأسى عاليًا لا أخفضها تحت تهديد ومعى أيضًا سيرفع أبناء أسرتى وقريتى ووطنى رءوسهم عالية، لأننى كنت واحدًا من طابور طويل من شهداء الوطن لم يتوقف عند الشهيد منسى ولن يتوقف عند الشهيد القاضى.. نذهب إلى سيناء كرامة أو شهادة.. كرامة لوطن أنجبنا وجاء دورنا لنحافظ عليه.. كرامة لأب أو أم يريدان أن يقضيا ما تبقى لهما من حياة فى أمان.. كرامة لطفل وطفلة يحلمان بمستقبل مزدهر مستقر.. كرامة لمصر.. نذهب لسيناء وكل الأماكن دفاعًا عنها وحفاظًا على أمنها ودعمًا لاستقرارها نذهب مصلين.. صائمين.. وجهتنا الجنة لا سيناء فقط، وما بالك بشباب يحمل سلاحًا من أجل الدفاع عن وطنه وأمن أهله، وأمامه إما النصر أو الشهادة، لن يهمه لو تكاتفت عليه كل جيوش العالم وأجهزة مخابراته وأموال حكام ودول، لن يهمه سوى هدف واحد جاء من أجله هو النصر والثأر لزملاء له أو الشهادة فى سبيل الله والوطن وليكمل المسيرة حينئذ آخرون.
قضيت يوم العيد فى قريتى، قابلت كثيرًا من أبناء العائلة والقرية وقرى مجاورة، أصر بعضهم على الذهاب إلى قرى أخرى ليشارك فى جنازات شهداء كمين «البطل 14».. بعضهم كان عائدًا إلى سيناء أو إلى وحدات أخرى، وقابلت شبابًا آخرين يعملون فى مهن متعددة.. كثير منهم قال لى إنه ومع شعوره بالفخر لكونه قريبًا لشهيد أو صديقًا لآخر لكنه أصبح يشعر بالخجل أمام أبطال قريته وهم ذاهبون يضحكون مستبشرين لا خوف فى أعينهم ولا قلوبهم.. وأتذكر فى العام الماضى وبعد عيد الفطر كنت أحضر أحد الأفراح قابلت والد أحد الشهداء وكان ابنه الضابط لم يمر على استشهاده مدة طويلة.. كان معه حفيده ابن الشهيد وكان الفرح لشقيق أحد زملاء الشهيد، وقال لى يومها عندما لحظ قلقى فى الكلام معه وتحسبى فى انتقاء الألفاظ.. قال ودموع تتلألأ فى عينيه: جئت لأنها وصية الشهيد الذى قال لى يومًا ما إذا استشهدت فلتكن مكانى دائمًا فى كل المناسبات سوف أرى بعينيك يا أبى وأحس بكل ما يجرى فى الوطن، ربما أدفع ثمنًا غاليًا يكون غالبًا حياتى وعندما يفرح هؤلاء نشاركهم فرحتهم ساعتها فقط سأحس بأن تضحيتى لم تكن بلا ثمن.. أتذكر والد الشهيد الخطيب وكان وحيده وهو ضابط أيضًا قال لى: لقد دفع ابنى ثمنًا لم يعطنى الله الفرصة كى أدفعه، وإذا كنت أراه الآن فى مقعده فى الجنة وقد حالت بين مقعده فى الجنة ومقعدى فى الدنيا ظروف وحياة، فإن ما أرجوه الآن أن أرى ثمن تضحيته قد تحققت وأن الارهاب قد زال.
قصص الشهداء بلا نهاية ودماؤهم تروى أرض الوطن وتزدهر وردًا يتفتح فى جناين مصر.. وردًا يروى بدم الشهداء لا بقصائد الشعراء وكتابات النخبة.. قصص الشهداء ستظل لنا نبراسًا نهتدى به ونلتمس بين سطورها نورًا لعله يهدينا.. الثمن الذى يدفعه الشهداء مقابل استقرار الوطن وأمنه يجب أن يكون دافعًا لنا، كل فى مجاله، كى يحقق شيئًا للوطن.. ففى الوقت الذى كان مئات الشباب ينطلقون فى سياراتهم مرتدين ملابس العيد من أحدث الماركات محملين بحلم بقضاء أيام سعيدة فى الساحل والجونة وشرم الشيخ كان هناك شاب آخر عمرو القاضى «أربعة وعشرين عامًا» لم يمض على تخرجه سوى عامين يقف مع جنوده يحمل سلاحًا وذخيرة فى آخر الليل لم ينم قبلها ولم يتثاءب ولم يستمع لموسيقى الراب وعمرو دياب، لم يفكر فى أمه وأهله فقط كان كل تفكيره بعد آخر إفطار فى رمضان ومع فجر العيد أن هناك عدوًا يتربص به وبالوطن.. لم يتخاذل ولم يضعف عندما اقترب منه الإرهابيون مدججين بسلاح الغدر والخيانة.. لم يحتم وراء جبل أو مدرعة خرج إليهم شجاعًا حاملًا سلاحًا طالبًا الشهادة أو النصر دافع باستماتة، ضحى بحياته ليحمى حياة المئات من المصلين فى مدينه العريش.. ذهب إلى ربه مرفوع الرأس منتظرًا أن تفتح له الجنة أبوابها، وكانت له فرحتان.. فرحة صومه فى رمضان حتى نهايته وفرحة شهادته فى سبيل وطنه.
منسى والقاضى والملوانى ليسوا سوى علامات مضيئة فى طابور طويل من الشهداء يطل علينا أحيانًا ليطمئن وأحيانًا ليعاتب ماذا فعلنا بعدهم لنحقق لهم ما دفعوا حياتهم مقابله.. هل حاكمنا الإرهابيين ولم يتأخر القضاة وكانت أحكامهم حاسمة وسريعة؟.. هل نفذنا أحكامًا بالإعدام على إرهابيين ينعمون بالراحة فى السجون؟.. هل غيّرنا الخطاب الدينى وأطلعنا على ما نغذى به طلابنا فى الجامعات والمعاهد الأزهرية وغيرها؟.. هل فكر وزيرا الشباب والثقافة فى خطة مواجهة سريعة ومباشرة لاقتلاع الأفكار الإخوانية والظلامية من عقول شبابنا؟.. هل فكر وزيرا التعليم والتعليم العالى ورؤساء الجامعات الحكومية والخاصة فى كيفية أن نعلى من قيمة الوطن والانتماء؟.. هل نعمل جيدًا لمنع تفريخ جيل جديد من الإرهابيين من شبابنا الذى وقع البعض منهم تحت تأثر دعايات ظلامية؟.. هل فكر النخبة ومناضلو «فيسبوك» بعض الوقت فى الصمت أو البحث بجدية عن السبب فى اندفاع الشباب نحو الإرهاب؟.. هل فكر أى منا فى الإبلاغ عن غريب ظهر فى حيه أو سكن بجواره أو لحظ عليه تغييرًا؟ هناك أسئلة كثيرة سيسألنا عنها منسى والملوانى والقاضى الذين ضحوا من أجل الوطن، فهل يتكاتف باقى أبناء الوطن لإكمال المسيرة؟ نثق فى شباب مصر وفى أبناء القوات المسلحة والشرطة وأن يصنعوا مستقبلًا مشرقًا.. مصر ستنتصر رغم طول طابور الشهداء.. مصر يبنيها أبناؤها ويدافع عنها جيشها وتحرسها شرطتها وعناية الله.