رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصوم عن الأكل.. والصوم عن الأخلاق المتدنية


سؤال منطقى.. كيف نحرص كل الحرص على صوم رمضان، وعلى أداء كل الفرائض الدينية، بشكل لا يخلو من الدعائية، والمظهرية، ونعيش فى مجتمع متخم، بمكبرات الصوت، بالحديث عن استقامة الأخلاق.. والدعوات الدينية إلى محاسن الأخلاق، والفتاوى المنهمرة علينا فضائيًا، وأرضيًا، عن أهمية وضرورة مكارم الأخلاق، وخطب الجمعة كل أسبوع، التى تنادى بحُسن الخُلق، ومع ذلك، فالانحدار الأخلاقى يحاصرنا من كل اتجاه؟.
اللغز الذى يحيرنى هو كيف مع انتشار واستمرار الوازع الدينى، وفى كل شبر فى مصر، ويخيف الناس من العقاب الإلهى المتربص، الشديد، لو تركوا الطريق المستقيم، نجد الطرق غير المستقيمة فى كل مجال؟.
كل سنة مع بداية رمضان، تتجدد الدعوة إلى تشريع أو قانون يجرم الإفطار جهرًا فى نهار رمضان. هل يتوافق هذا مع «لا إكراه فى الدين»، أم أنه إرهاب من الدرجة الأولى، باسم الصوم، والفرض الإلهى؟. هل نحن نتقدم فى الانفتاح، والتعدد الحضارى، أم نمشى إلى المزيد من التعصب، والتطرف، والتحكم فى الناس، والإرهاب، تحت اسم فرض «الصيام»؟.
وهذا العام حينما قررت وزارة الأوقاف، تنظيم فوضى مكبرات الصوت فى المساجد، والجوامع، فى شهر رمضان، وجدنا أصواتًا غاضبة، مستاءة، تعتبر هذا القرار قلة إيمان، وقلة إسلام، وقلة تدين. وكأن الإيمان، والإسلام، والتدين، لا يكتمل، ولا يؤدى رسالته، إلا بانتهاك حرمة خصوصية الناس فى بيوتهم.
الإيمان شىء، واستعراض الإيمان بالصخب، والترهيب، شىء آخر مناقض، معيب. كان لا بد لمجتمعاتنا، بكل طقوسها الدينية، وصوتها المرتفع بالميكروفونات، أن تصبح أفضل المجتمعات أخلاقيًا، هذا لم يحدث.. لماذا؟. لماذا لم يؤد الصوم المتراكم فى رمضان، عبر زمن طويل، إلى الصوم عن مفاسد الدنيا، ومتاعها الزائل، وغرورها الأحمق؟.
عندما تفضح وسائل الإعلام امرأة فاسدة أو رجلًا فاسدًا أسمع أصواتًا يؤدى أصحابها الطقوس الدينية، فى مواعيدها، وبحذافيرها، تقول: «ليس العيب أنه سرق أو اختلس، أو أخذ رشوة، لكن العيب أنه لم يكن حريصًا بالقدر الكافى حتى لا يُكشف أمره». نعم، وصلنا إلى هذا الحد من التأقلم مع الفساد وتبرير التلوث الأخلاقى. أطباء يعلقون آيات قرآنية على الحائط فى عياداتهم، ولا يبدأون مواعيد الكشف فى رمضان إلا بعد الإفطار والانتهاء من صلاة التراويح. لكن هذا لا يمنعهم من استنزاف فلوس المرضى والتربح على جثث أصحاب الداء. مستشفيات تضع على الحائط صورة الحشود فى الحج، وترمى المرضى فى الشارع، قبل دفع آلاف الجنيهات كتأمين وضمان لعدم موت المريض قبل أن يسدد الفواتير الخيالية، والتى إذا رآها الإنسان بعد أن يشفى سيمرض مرة أخرى أو سيقع دون قيامة.
ذكور فرحون بشبابهم الذكورى، بعد التهام طعام الإفطار وانتهاء الصوم، ينزلون إلى الشوارع، يتحرشون بالفتيات، والنساء، كنوع من التسالى حتى موعد السحور. محلات تغلق أبوابها، وقت صلاة الجمعة. وبعد الصلاة تواصل الغش فى البضاعة وفى الأسعار.
تاكسيات تكتب على الزجاج الخلفى للسيارة: «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله».. ومعاملة السائق خشنة، جشعة، وهى تستمع فى الراديو إلى آيات من الذكر الحكيم.
كيف أصبحت الشتائم والبذاءات والتهكم المهين والاتهامات الوضيعة والخيالات المريضة، هى لغة «التعبير عن الرأى المخالف»، فى مجتمع يتسابق للإعلان عن شهر رمضان، وبركة شهر رمضان، والتعبد فى شهر رمضان، والتهجد فى شهر رمضان؟.
لست قلقة على حالنا من الناحية الاقتصادية. فكل أزمة اقتصادية معروفة السبب والحلول. ولا يخلو أى مجتمع من المعاناة الاقتصادية، مهما عظم شأنه وازدهرت قدراته وموارده. بل إن بعض التعثر الاقتصادى ضرورى لاستنهاض الهمم، وتحفيز الإرادة الكامنة إلى المزيد من الانجازات.
لكننى قلقة، على حالتنا الأخلاقية، وتدنى السلوكيات الحضارية، التى وصلنا إليها، رغم أننا نصلى، ونصوم، ونحج، ونزكى، ونعتمر، ونقيم صلوات التراويح، ونمسك السبح، ونبسمل ونحوقل، ونرسل ذريتنا إلى مدارس وكتاتيب تحفيظ القرآن، ولا شىء يسعدنا قدر تغطية النساء بالأقمشة وذكورية القوانين الجائرة.
ما جدوى الاقتصاد المزدهر طالما الذى ينعم به إنسان فقد نقاء الأخلاق، ونزاهة الأخلاق، واتساق الأخلاق؟. إنسان «صائم» عن لذات الطعام والشَراب،والجنس، لكنه «يفرط» فى التهام نبل الخلق ورقى المشاعر، وأدب السلوك. إنسان «ممتنع» عن دخول أى شىء يدنس الفم، «مرحب»، بكل الأشياء التى تدنس النفس والعقل والقلب.
من بستان قصائدى
افترشت الأرض.. على ناصية الطريق
انتزعت سنوات عُمرى.. من داخل قلبى
بصوت متحشرج متقطع.. ونظرة عيون فقدت البريق
أخذت على المارة أنادى: منْ يشترى.. «حياة امرأة لم تتحجب
أيام وقصائد وآلام.. ذكريات وأغنيات
وحكمة غير مجدية.. خصم ليس له مثيل
صفقة ولا فى الأحلام».