رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: الحَضَانات الخاصَّة فى مصر

عبدالرحيم طايع
عبدالرحيم طايع

أكبر ما يشغل الإنسان الناضج أن يطمئن على صغاره الذين يمثلونه فى الأرض.. فبمجرد أن يبلغ الطفل عاميه الأولين؛ يبدأ الوالدان فى السؤال عن حضانة طيبة السمعة تحتضنه لساعات يستطيعان فيها إنجاز أعمالهما الرسمية أو المنزلية بهدوء، وفى نفس الوقت يفتحان باب التسلية لطفلهما مع نظرائه ويتيحان له فرصة الاحتكاك والتعارف والتعلم المبكِّر حتى إذا ما التحق بالمدارس بعد ذلك كان أمره يسيرًا.
قد تضطر الظروف جماعة من أولياء الأمور أن يلجأوا إلى الحضانات قبل سن العامين بكثير، وأظنه السن المناسبة، فيدفعان بالطفل إلى الحضانة رضيعًا فى شهوره الأولى أو عامه الأول، وقد لا يكون الأمر مستحسنًا إلا أنه اضطراريًا كما أشرت، لا سيما فى غياب أفراد أمناء من عائلتى الزوجين يقومان بمهمة رعاية الصغير.
من جهة ثانية، انتشرت الحضانات الخاصة التى فهمت حاجات الآباء والأمهات إليها واستغلت حاجات الخريجين إلى الوظائف والرواتب أيضًا، معتبرة فكرة الحضانة كفكرة أى مشروع مربح، وكان من نتيجة ذلك أن صنعت دعايتها الكثيفة لنفسها ووزعت إعلاناتها الجمة بالشوارع لتخبر عن استعدادها لقبول الراغبين فى العمل بمجالها، وعليه فقد استقطبت للعمل بها كثيرين ممن تنقصهم الأهلية لمثل هذه الأماكن الحساسة التى تعامل سنًا حرجة للغاية، تتطلب مؤهلات بعينها وخبرات كافية وعقليات نبيهة.. وبالأساس بعض الأماكن التى اختيرت لدور الحضانة لم تكن جيدة التهوية ولا بشروط تناسب الأطفال من حيث موقعها ومساحتها وجيرانها ووضعية الألعاب فيها وتنظيم الفصول والتكوين بصورة عامة.. لكن لا رقابة على الحضانات الخاصة إلا رقابة القانون العام الحاكم، وما أكثر ما يخالفه الناس ويتحايلون عليه ولا يبالون به!
هذه الحضانات الخاصة المنتشرة لا بد من خلق رقابة حكومية صارمة تتابعها فى الحقيقة من الألف للياء، ومهما كانت بأموال ليس للحكومة فيها شىء، إلا أنها تمس ثروة قومية غالية لا ريب حين تحوى داخلها أطفالًا هم فلذات أكباد المصريين ومستقبل مصر العزيزة.
البند الذى يتوجب على وزارة التضامن الاجتماعى استحداثه هو «غرفة الحضانات الخاصة».. وهى غرفة رقابية تضم داخلها خبراء فى التربية والتعليم والصحة والغذاء والرياضة والطب النفسى وعلوم الاجتماع.. مهمتها إشرافية استشارية، لها ميزانيتها التى تغطى احتياجاتها، وتملك صلاحية العزل لمن ليسوا جديرين بالعمل فى الحضانات، وهى من تتولى التنسيق مع الوزارات الأخرى بشكل مباشر، ولها جداولها المرورية المنظمة على المواقع المستهدفة، وتوجد بجميع الأقاليم فى كل مكتب تابع لقطاع التضامن.. وقد تكون منفصلة عن القطاع المذكور كهيئة حكومية مستقلة، يتم إنشاؤها بقرار من مجلس الوزراء.
أعلم أن الحكومة قاصرة اليد عن الوفاء بمثل ما أقترحه، ماديًا بالذات، لكن أعلم أن الدولة لن تتأخر عن نصرة قضايا الصغار، وستوليهم اهتمامًا كبيرًا، وتجعلهم أولوية، ويمكن للشعب أن يحمى أبناءه بيديه لو اكتتب لإنشاء ما أطالب بإنشائه بعد أن عرف مدى ضرورته وحجم فائدته، وحرص على وجوده، باعثًا للطمأنينة فى نفوس أفراده القلقين بشأن صغارهم طيلة الوقت.
حتى لا يصاب الناس بالفزع ينبغى أن أؤكد وجود حضانات خاصة ممتازة عندنا، أصحابها يملكون ضميرًا يقظًا، ولا يسمحون فيها بالتجريب والعبث، ولا يستهينون بأولاد الناس بل أولادهم كأولاد الناس يلتحقون بها ويقضون جزءًا من نهارهم فيها، ولا تأتى النقود فى مقدمة ما يفكرون فيه وإنما تبهجهم المكاسب مع إحساسهم بأداء رسالة قوية معتبرة وفقهم الله إليها راعين الأجيال التى ما زالت فى بدايات الاصطدام بالحياة المزدحمة الصاخبة.
كل ما فى الأمر أننى أرى الحكاية من الخطورة بمكان، وأرى أن الفوضى والعشوائية لحقتا بمعظم هذه الأماكن، للأسف، كما أصابتا معظم الأنشطة، لكن إهمال موضوع الصغار الأبرياء ترتفع درجة ندمه وآلامه عن إهمال الموضوعات الأخرى، لُعِن الإهمال فى جميع الأحوال، خصوصًا وسط هذا الكم الهائل العجيب من الأنباء الذى نسمعه عن اغتصاب الصغار وتعذيبهم وإهانتهم بالضرب والسباب وتركهم لمصيرهم بلا أدنى تفهم لبساطتهم التى قد تفضى إلى تعمدهم إيذاء أنفسهم وهم يظنون أنهم يلهون.. لنُفِق قبل وقوع الكارثة، وما أفدح الكوارث التى تتعلق بأبنائنا الصغار الذين طالما حلمنا بهم وتعبنا فيهم ولو لم يكن مر على ميلادهم سوى شهر واحد!