رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب يخوض الانتخابات الإسرائيلية!


بالتزامن مع احتفالات الإسرائيليين بعيد «المساخر»، شهدت دعاية حزب الليكود، فى الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها فى ٩ أبريل المقبل، حضورًا لافتًا للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بعد إعلانه اعتراف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، لدرجة أن لافتات الدعاية وضعت صورته بجانب صورة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى.
المعارضة الإسرائيلية اتهمت الرئيس الأمريكى بالتدخل فى الانتخابات لصالح نتنياهو وحزب الليكود، ووصفت هذا التدخل بأنه «كبير جدًا». وعلى سبيل التهكم قالت شيلى يحيموفيتش، زعيمة المعارضة الإسرائيلية، إنها ستكون سعيدة لو أن «ترامب» تدخل فى الانتخابات بشكل أقل. وخلال «منتدى السبت الثقافى» الذى انعقد بمدينة الخضيرة شمال فلسطين المحتلة أكدت «يحيموفيتش» أن توقيت الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، يأتى فى صالح نتنياهو. ومع ذلك، ولأنها تتزعم المعارضة ضد حزب «الليكود»، لا ضد الدولة، أو ما تراها كذلك، أعلنت أنها ترحب جدًا بهذا الاعتراف، الذى لن نضيف جديدًا لو قلنا إنه يخالف القانون الدولى وينتهك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات عديدة أصدرتها الجمعية العامة ومجلس الأمن.
نتنياهو، الذى يواجه اتهامات فى ثلاث قضايا فساد، وصف التعاون الأمنى والمخابراتى بينه وبين ترامب بأنه غير مسبوق، وأكد فى حسابه على «تويتر» أنه لم تكن هناك علاقات مثل هذه، أبدًا، بين رئيس وزراء إسرائيلى ورئيس أمريكى. والحقيقة هى أن نتنياهو لم يكن فى حاجة إلى إعلان ذلك أو تأكيده، قبل أن ينطلق، الأحد، وقبل نحو أسبوعين من الانتخابات، إلى العاصمة الأمريكية، واشنطن، للقاء الرئيس الأمريكى، وللمشاركة فى المؤتمر السنوى للجنة الشئون الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، أقوى منظمات اللوبى اليهودى الأمريكى. وطبيعى أن يكون لنتائج الزيارة، تأثير كبير على الانتخابات الإسرائيلية، والأمريكية لاحقًا.
المَساخِرُ، جمع مَسخَرة، وهى ما يجلب السُّخْرية. وبعيدًا عن اليوم أو العيد الذى يحمل هذا الاسم وأسبابه المزعومة، فإن وصف «مسخرة» هو الأنسب، لتزامن هذا التدخل السافر فى الانتخابات الإسرائيلية، مع انتهاء تحقيق روبرت مولر، المحقق الخاص فى دور روسيا فى انتخابات الرئاسة الأمريكية سنة ٢٠١٦. بينما لا يزال الرئيس الأمريكى والمقربون منه محاطين بمشكلات قانونية أخرى تتعلق بالتحقيقات الجارية فى قضايا تشمل شركاته ومعاملاته المالية وسلوكه الشخصى ومؤسسته الخيرية ولجنة تنصيبه. وهى التحقيقات التى يجريها ممثلو الادعاء على المستوى الاتحادى وعلى مستوى الولايات. ومع ذلك، من غير المرجح أن يتم توجيه اتهامات جنائية لترامب أثناء وجوده فى منصبه، حتى لو كانت هناك أدلة تثبت إدانته، مع أن الرئيس، نظريًا، غير محصن من الملاحقة القضائية.
على المستوى النظرى، أو بموجب الدستور الأمريكى، يمكن إقالة الرئيس أو نائب الرئيس أو «أى موظف مدنى فى الولايات المتحدة» عن طريق الكونجرس، من خلال عملية مساءلة بتهمة «الخيانة أو الرشوة أو غيرهما من الجرائم والمخالفات الكبرى». ويتولى مجلس النواب مهمة توجيه الاتهامات، ويصوت على ما إذا كان سيتم توجيه اتهامات محددة، مثل عرقلة سير العدالة، ثم يجرى مجلس الشيوخ محاكمة، يمثل فيها أعضاء من مجلس النواب الادعاء، ويتولى فيها أعضاء من مجلس الشيوخ مهمة المحلفين. أما على المستوى العملى، أو عن التطبيق، فإن إجراءات المساءلة تحتاج إلى التصويت بأغلبية بسيطة فى مجلس النواب، وهذا ممكن نظريًا فى ظل سيطرة الديمقراطيين على المجلس، لكن الإدانة أو الإقالة تحتاج إلى موافقة أغلبية الثلثين فى مجلس الشيوخ، الذى يسيطر عليه الجمهوريون ما يجعل الأمر أقرب إلى المستحيل.
هذه الاستحالة، لم تمنع نوابًا عن الحزب الديمقراطى من تقديم مقترحات بالبدء فى إجراءات عزل الرئيس، غير أن نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية، رفضت هذه المقترحات، فى حوار نشرته جريدة «واشنطن بوست»، وأكدت أن هذا المسار يقسم البلاد، وأن «ترامب» لا يستحق ذلك. وأنها لن تكون قلقة، إلا لو أعيد انتخابه سنة ٢٠٢٠. وعليه، ننتظر أن تعرب «بيلوسى» عن قلقها فى أبريل المقبل، أى مع إعلان نتائج انتخابات «الولايات المتحدة الإسرائيلية» التى يخوضها نتنياهو، بالنيابة أو بالوكالة، عن ترامب!.
الخلاصة هى أن الرئيس الأمريكى قدم لرئيس الوزراء الإسرائيلى، وحزب الليكود، هديتين كبيرتين، هما الاعتراف بالقدس عاصمة لما توصف بإسرائيل فى ٢٠١٧ ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المحتلة فى مايو الماضى. ثم جاء الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ليكون هدية ثالثة لنتنياهو وحزبه فى الانتخابات. وفى المقابل، يراهن «ترامب»، والحزب الجمهورى، على تلقى هدية تُخلصه من توابع تحقيق مولر المنتهى، وثانية تنهى التحقيقات الجارية، قبل أن تبدأ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويحين موعد الهدية الثالثة!.