رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد الصبر إلا بلوغ الأمانى



يُخطئ من يعتقد أن حصول مصر على ستة عشر صوتًا من بين ثمانية عشر، كان لهم حق اختيار مُنظم الدورة الجديدة لبطولة كأس الأمم الإفريقية، بعد تغيير بعض بنود لائحتها، توقيتًا، من الشتاء إلى الصيف، واشتراك ٢٤ منتخبًا فى منافسات مبارياتها، بعد أن كانت ١٦ فقط، وتفوقها على جوهانسبرج، التى حصلت على صوت واحد، وهى التى سبق ونظمت بطولة كأس العالم ٢٠١٠ أقول إنه يُخطئ من يعتقد أن ذلك نصرٌ رياضى حصلت عليه مصر وفقط.
بل إنه حدثٌ يتجاوز ذلك المربع الضيق، ليجىء تعبيرًا صريحًا على عودة بزوغ نجم مصر من جديد، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وبرهانًا أكيدًا على أن «المحروسة» أصبحت بلد الأمن والأمان، بعد أن تم سحب تنظيم البطولة من الكاميرون، وإخفاق جنوب إفريقيا فى الفوز بتنظيمها، لأسباب أمنية فى المقام الأول، وقد اعتذرت المغرب عن عدم الولوج إلى مضمار المنافسة، بسبب عنصر الوقت غير الكافى، ولأن عدد المنتخبات المشاركة ارتفع بمقدار النصف عما كانت عليه من قبل، ما قد يعنى أن بنيتها التحتية لا تستقيم وهذه المناسبة الرياضية الكبرى.
ومعنى ما حدث عندنا.. أن مصر بدأت تجنى ثمار خمس سنوات من الإصلاح السياسى، الذى تجسد فى رئاستها الاتحاد الإفريقى العام الحالى، واحتضانها مؤتمر «إفريقيا ٢٠١٨» قبل أشهر قليلة، واستعداداتها لتنظيم منتدى الشباب الإفريقى فى مارس المقبل، باعتبارها عاصمة للثقافة الإفريقية، وهى التى أصبحت الحضن الذى يسع كل الأشقاء فى القارة السمراء، وذلك ضمن سياسة خارجية، استطاعت أن تكسب احترام العالم، وتحظى بثقته، وكانت عنده، الصوت المعبر عن الآمال الإفريقية، فى غدٍ أفضل مما هى عليه الآن، ثم تقدير هذا العالم لما تُحدثه القاهرة من تنمية، أساسها العلم والعمل الدءوب، وما تدعو إليه من قيم المحبة والإخاء والتسامح، وما تبذله غاليًا فى مواجهة التطرف والإرهاب، الذى أصاب عددًا من دول المنطقة بالعطب، وتُعانى منه الآن بعض بلدان العالم المتشدق بالحرية والديمقراطية.. لقد غيّرت مصر من سلوكيات العالم تجاهها، وتجاه نطاقها الإقليمى، بفضل سياسة مصرية، تعرف أبعاد اللعبة العالمية، وتدرك مصالح بلادها وتعمل على تحقيقها.
إن مصر، التى بدأت إصلاحها الاقتصادى قبل خمسة أعوام من الآن، باتت تجنى ثمار عملها ودأبها، وصبر شعبها، فكانت محل اهتمام بيوت المال العالمية، التى أكدت، على أسس علمية مدروسة، أن مصر ستكون سابع اقتصاد فى العالم بحلول ٢٠٣٠، متفوقة على روسيا واليابان، وألمانيا التى وضعها تصنيف «ستاندرد تشارترد» فى المرتبة العاشرة عالميًا، فى تقريرها الذى نشرته مؤخرًا وكالة بلومبرج الأمريكية.. بل إن المتابع يلحظ ارتفاع معدل النمو هذا العام إلى ٥.٦٪، وانخفاض معدل التضخم إلى ١٢٪، عما كان عليه قبل شهر من الآن.. هذا بعض نتاج سياسات اقتصادية شجعت الاستثمار فى ربوع مصر، فزادت فرص العمل وقلت نسبة البطالة، بل استطاعت الحكومة أن تحد من معاناة المواطن مع أسعار احتياجاته المعيشية، بتصديها لجشع التجار واستغلالهم الدائم لجيوب المصريين، ودخلت الدولة منافسًا صنديدًا لمصلحة المواطن، حتى لا يكون نهبًا لمن انعدم فيهم الضمير، وغابت عنهم الأخلاق.
يا سادة.. لم يكن مجلس «كاف» ليوافق على إسناد تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية لمصر، لولا قناعاته بأنها باتت تمتلك بنية أساسية تؤهلها لذلك الحدث الدولى الضخم.. ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن مصر ألقت بنفسها فى آتون تحدٍ، تثق أنها ستخرج منه مرفوعة الرأس، وقد برهنت أن أرض الكنانة استعادت عرش مجدها التّليد.. كل ذلك بعض من إنجازات تحققت على أرض مصر، فى سنوات قليلة، مقارنة بما كانت تتطلبه، عن حق، من أعوام كثيرة.. صنعتها عقول مصرية عبقرية، وسواعد وطنية جبارة، بمساندة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.. هى الإرادة الصلبة التى تتمتع بها مصر وقيادتها، دفعتها إلى قبول التحدى، لتنظيم بطولة قارية، قبل موعد انطلاق فعالياتها بأشهر معدودة.. هذه هى مصر التى تراهن على مواطنها (البطل)، فى معارك البناء ومواجهة الإرهاب.. أراها تُراهن مرة أخرى على صورتها، وتبرهن على قوتها، بقبول تنظيم هذه البطولة، وهى تعلم أن هذا المواطن سيكون نعم العنوان الحضارى، لتاريخها وسمعتها.. فلعلنا نكون على قدر بلادنا، وبحجم نظرة العالم لها.
وبعد.. ﴿‏فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ﴾(الرعد ١٧).. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.