رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم تمنيته لبلادى



اعتاد الشيخان «الزوج والزوجة» أن يتريضا عصر كل يوم فى دائرة مسكنهما بولاية كاليفورنيا، حيث يسيران فى منطقة دائرية، الجزء الأكبر منها حدائق خضراء وأشجار فارهة، وعلى جانبى الطريق رصيف يرتفع عن الأرض بنحو عشرة سنتيمترات، كانت هذه الرحلة تستغرق نصف ساعة، وفى عصر أحد الأيام خرج الزوجان، كعادتهما، للتريض، ولكن قبل أن يبلغا بداية الطريق الأخضر انزلقت قدم السيدة فسقطت على جانب الطريق وحاولت القيام فلم تستطع، تقدمت سيدة لمعاونتها، لكن رجلًا وابنه فى سيارتهما رأيا المنظر فتوقفا ونزل الرجل، محاولًا رفع السيدة، ولكنها كانت تتألم، فقام بطلب سيارة الإسعاف وأعطى المسعف عنوان الحادثة، وبعد أربع دقائق كانت عربة الإسعاف وخلفها عربة المطافئ تقتربان من الموقع وصفاراتهما بالأنوار تهز الطريق، حتى إن جميع السيارات كانت تتوقف على جانبى الطريق حتى تمر سيارتا الإسعاف والمطافئ واللتان لا تتوقفان فى الإشارات طالما كانتا فى طريقهما للقيام بمهمة إسعاف.
انصرفت سيارة المطافئ عائدة إلى مقرها لسبب غير واضح، أما سيارة الإسعاف فنزلت منها سيدتان تقتربان من الخمسين فى العمر، ومعهما حاملة مجهزة طبيًا حتى لا تتعرض المصابة إلى حال أسوأ يزيد من الألم أو يضاعف الإصابة. كل هذا لم يستغرق أكثر من دقائق، حتى كانت المصابة فى السيارة وزوجها فى المقدمة، بجانب المسعفة التى كانت- فى نفس الوقت- هى السائق، وكانت المرة الأولى التى يرى فيها الزوجان سيارة إسعاف تسير بسرعة أقل من المعتاد ولا تستخدم صفارة الإنذار ولا تتعدى إشارة المرور حتى لا تتوقف السيارات إفساحًا لها، فكان مشهدًا غير مألوف، فهمت منه لاحقًا أن الحالة لم تكن تحتاج إلى سرعة إنقاذ، بل العكس كان هو الصحيح، فما حدث فى تقديرهما هو كسرٌ عظمىّ قد تزيده سوءًا السرعة أو المطبات- إن وجدت- وكل هذا تم دون سؤال عن أوراق، فالمتريضون عادة لا يحملون أوراقًا ولا حتى هواتف، ولكن من اسم المصابة وتاريخ ميلادها جمعت كل المعلومات التى يحتاجها الموقف. هذا كله جمعته السيدة المسعفة، بينما تسير سيارة الإسعاف التى تقودها زميلتها.
توجهت السيارة إلى أفضل مستشفى متخصص فى الكسور، يحتاج وصفه إلى صفحات وصفحات، وبنفس أُسلوب العناية تم نقل المصابة إلى حجرتها الخاصة التى كانت معدة بناءً على تعليمات المسعفة أثناء الرحلة. نزلت المصابة بذات الوضع الذى ثبتتها عليه المسعفتان، بحيث لا يزيد الكسر قيد أنملة.
أما دور المستشفى فكان تقديم الأدوية المخففة للألم والاتصال بالطبيب الجراح، وكان الوقت مساء آخر أيام العمل الأسبوعى حتى يظن المرء أن الجراح سيأتى بعد عطلته الأسبوعية، لكنه صرح بأنه سيأتى ظهر اليوم التالى، أما الطبيبة المناوبة فقد قدمت الأدوية التى تخفف الألم مع العناية بإمداد المصابة بكل الوسائل التى لا تسمح بزيادة الكسر سوءًا حتى اليوم التالى وإجراء الجراحة المطلوبة.
فى الموعد جاء الطبيب الجراح والتقى المصابة وشرح لها ما سيقوم به، وأن الجراحة ستستغرق ساعتين ونصف الساعة، وأنها ستبدأ فى الواحدة بعد الظهر، وتم كل شىء وفق ما شرح الجراح تمامًا للمصابة.
فى الموعد دخلت المصابة غرفة العمليات وتم عمل المطلوب، وعرفنا أنه لا يركب شرائح، ولكن يُجرى عملًا مختلفًا ليضع كل جزء فى مكانه، وأن الهدف هو إعادة كل شىء إلى موضعه، وأن الحاجة هى إلى علاج طبيعى يستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر يتم فى مركز التأهيل المتخصص فى هذه الأحداث.
بعد إتمام العملية، طلب المستشفى سيارة الإسعاف، وكان الرد أنها ستأتى بعد ساعتين وليس دقيقتين. وفى الموعد جاءت سيدتان إلى غرفة المصابة ومعهما سرير بعجل، حيث رفعتا المصابة عليه بكل هدوء ورفق، كما حملتا متعلقاتها وتوجهتا إلى سيارة الإسعاف.
أما سيارة الإسعاف فهى عبارة عن عيادة طبية أو قل صيدلية متحركة، لا يوجد على جوانبها أى مساحة فارغة، فهناك أدوية وضمادات وأكثر من سماعة طبية. المسعفتان حملتا المصابة ووضعتاها ومعها واحدة من المسعفتين والأخرى تقود السيارة. أما المسعفة فكانت تكتب التقرير والملاحظات حتى يكون المركز التأهيلى لديه كل البيانات التى يطلبها، فلا يضيع الوقت فى ملء كل هذه البيانات فى مقر المركز، وإلى هنا تم دور المسعفتين بتسليم المصابة للمركز التأهيلى دون ضياع أى مساحة زمنية.
هذا هو ملخص لقصة حادث يتكرر فى كل ركن من العالم وإن اختلف فى درجة الاهتمام بالفرد، بغض النظر عن جنس أو لون أو مركز اجتماعى، بل دون وجود أى أوراق ثبوتية للمصاب.
هنا سرح خيالى لحدث رأته عيناى فى نقل مصاب صدمته سيارة فى شارع شبرا منذ نحو عشرين عامًا تمنيت حينها- وما زلت أتمنى- ألا يتكرر.