النهرى: نجيب محفوظ تزوج سرًا لفترة طويلة
قال جمال النهرى، ابن شقيقة نجيب محفوظ، أن خاله تزوج سرًا لفترة طويلة وأخفى هذا الزواج عن والدته، خوفًا من غضبها على مغادرته «بيت العائلة»، لافتًا إلى أن شقيقته «أمينة»- والدة النهرى- هى الوحيدة التى عرفت بأمر هذا الزواج.
وأضاف «النهرى»، لـ«الدستور»، أن عائلة «صاحب الثلاثية» لم تفرح كثيرًا لفوزه بجائزة نوبل، لكون أفرادها بسطاء غير مهتمين بأمور الأدب والثقافة، مشيرًا إلى أن «محفوظ» كان مقلًا فى زياراته العائلية.
أمينة كانت أقرب أخواته إليه.. ورتيبة الأخف دمًا
نظرًا لظروف اجتماعية تعرضت لها عائلة «النهرى» عام ١٩٤٨، عاش مع خاله نجيب محفوظ فى نفس الشقة التى كان يسكن فيها رفقة والدته، بمنطقة العباسية الغربية، لذا يعرف الكثير من أسراره.
ويبدأ «النهرى» حديثه عن عائلة «نجيب»، بالإشارة إلى أن والد أديبنا كان يعمل تاجرًا، ويتمتع بـ«هيبة» كبيرة، حتى إنه كان يتناول إفطاره بمفرده، ثم تتناول العائلة إفطارها بعدما يخرج هو لتجارته فى «الوكالة».
ولا يستطيع «النهرى» حتى الآن نسيان والد «أديب نوبل»، لأنه كان يعطيه وبقية أطفال العائلة «عيدية» كبيرة، بما يوازى قيمة جنيه ذهب، لذا «كان كل أطفال العائلة يلتفون حوله للحصول على تلك العيدية الثمينة». وفيما يتعلق بوالدة «صاحب الثلاثية»، يقول «النهرى»: «رغم أنها لم تنل أى قسط من التعليم، كانت واسعة الأفق، تصطحب ابنها وهو فى سن الثامنة لزيارة المتحف المصرى، بجانب مار جرجس وسيدنا الحسين، شأنها شأن البسطاء أمثالها». ورغم أن الذهاب إلى المدرسة فى هذا الوقت كان شيئًا مقدسًا لا يمكن التهاون فيه، إلا أن والدة «نجيب» كانت توسع له على قدر راحته، فيطلب منها ألا يذهب للمدرسة للعب فى المنزل، فتوافق على الفور.
وبحسب «النهرى»، كان «نجيب» يقول لوالدته: «يا نانا.. أنا النهارده نجار»، فيحضر أدوات النجارة ويذهب لسطح المنزل ويقضى يومه متقمصًا دور النجار، وذلك رغبة منها فى مجاراة خياله الواسع.
ويستكمل حديثه عن والدة «نجيب»: «كانت تجلس كل صباح على مرتبة كبيرة فى صالة الشقة تجهز قهوتها على (السبرتاية)، ويخرج نجيب محفوظ من غرفته واضعًا الفوطة على كتفه، ويقول لها: صباح الخير يا نانا.. إزيك يا نانا، محملة بعاطفة جياشة غير عادية».
وإلى جانب والديه، كانت لـ«نجيب» شقيقة تدعى «رتيبة»، وهى وفق «النهرى» خفيفة الظل والروح، كانت تجهز له وجبة الغداء، وكان من عادته أن يتناولها بمفرده.
ويقول «النهرى» عن «رتيبة»: «كانت جامعة لكل أخبار منطقة رضوان شكرى بالعباسية الغربية، تعرف من أحب من ومن تزوج ومن خطب ومن توفى، لا يفوتها خبر أبدًا، وأثناء تناوله وجبة الغداء، تجلس أمامه وتحكى له كل هذه الأخبار، لذا كان يعرف كل ما يدور حوله».
ويكشف «النهرى» أن «محفوظ» تزوج سرًا لفترة طويلة: «أخفى أمر زواجه عن والدته، لأنها كانت ستغضب كثيرًا بسبب مغادرته بيت العائلة، وكان يذهب إلى زوجته كزيارات، ولم يعرف بأمر هذا الزواج من العائلة سوى شقيقته، والدتى أمينة».
ويضيف: «والدتى هى الوحيدة التى أخبرها خالى بأمر زواجه، وكان يناديها دائمًا بــ(أمينة هانم) كثيرًا ما أهداها أعماله الأدبية ورواياته».
وعن أشقاء «نجيب»، يقول: «أكبرهم إبراهيم الذى كان يعمل رئيسًا لديوان المحاسبة وتزوج من إحدى العائلات الكبيرة تدعى (شوشة باشا) وسكن فى نفس منزلهم، ثم نجيب نفسه الذى كان يصغر شقيقه الأكبر بـ١٥ عامًا كاملة، يليه محمد العميد فى هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة أيام الملك فؤاد الأول، والذى تزوج وغادر منزل العائلة وسكن فى حدائق القبة، أما أخواته من البنات فكانت زينب وأمينة ونعيمة ورتيبة».
ويتابع: «كان نجيب محفوظ يستخدم أسماء عائلته فى شخصيات روايته، فنجد فى أعماله زينب وأمينة ونعيمة، ولعل أشهر الأمثلة الدالة على ذلك أمينة فى رواية (بين القصرين)».
مشى فى جنازة حبيبته الأولى دون أن يدرى.. والعائلة لم تحتفل بـ«نوبل»
كشف جمال النهرى عن، أن شقيقه الأكبر «حازم» تدخل لاحتواء غضب عبدالحكيم عامر من رواية «ثرثرة فوق النيل»، بسبب تناولها الأوضاع «البوليسية» فى البلاد آنذاك.
وأوضح: «شقيقى حازم كان صديقًا مقربًا من عامر، وتدخل لمنعه من اعتقال نجيب محفوظ، فضلًا عن تدخل الرئيس جمال عبدالناصر نفسه وقوله: إحنا عندنا كام نجيب محفوظ؟». وأشار إلى أن «محفوظ» كان مقلًا فى زياراته الاجتماعية، ولا يأتى لزيارة العائلة إلا فى الأمور المهمة جدًا، كزواج أو حالة مرض شديدة لأحد أفراد العائلة، وهو نفس الأمر بالنسبة لزوجته التى كانت لا تأتى لزيارة أفراد العائلة كثيرًا، وزياراتها قليلة جدًا. وحسب «النهرى» فإن زوجة «نجيب» كانت حريصة على أن تكون الزيارات الاجتماعية لهم فى منزلهم قليلة، رغبة منها فى تهيئة الأمور أمام زوجها وإشغاله فقط بأعماله الأدبية.
ومع ذلك كانت «ملكية» شقيقة «النهرى» هى الوحيدة التى تزور خالها «نجيب» فى منزله بلا حرج، دونا عن بقية أفراد العائلة، وكانت علاقته بها خاصة ومختلفة، فهى التى كانت تجلب له فى فترة شبابه الفتيات وتعرضها عليه للزواج، لذا كانت صلته بها قوية، وفق «النهرى».
وأضاف: «عائلة نجيب محفوظ لم تحتف به بعد حصوله على جائزة نوبل، وكان الأمر بالنسبة لهم عاديًا، نظرًا لأنها كانت عائلة متوسطة الحال وغير منشغلة بأمور القراءة أو الكتابة».
وكشف عن أن نجيب محفوظ مشى فى جنازة حبيبته القديمة دون أن يدرى، وقال: «وجد أحد أصدقائه يسير فى جنازة ما فرافقه، وبعدما سأل عن صاحب الجنازة عرف أنها الفتاة التى كان يحبها فى فترة شبابه».
وأرسل «النهرى» إلى خاله نجيب محفوظ علبة شيكولاتة من السعودية خالية من السكر، بعدما علم أنه مصاب بمرض «السُكرى».
ويوضح: «أرسلت إليه عام ١٩٨٦ وقت أن كنت أعمل فى السعودية، علبة شيكولاتة مسموحا بتناولها لمرضى السكرى، وعبرت له فى رسالة عن بعض أفكارى التى تخص الصالح العام، فرد علىّ وقتها برسالة أخرى».
وجاء فى رد «نجيب» على هدية «النهرى»: «عزيزى جمال، تلقيت هديتك بسعادة ورضا فتقبل شكرى وتحيتى لك ولأسرتك الكريمة، ذات الأسماء المضيئة، ودائمًا يا عزيزى يفيض وجدانك بالأفكار الصالحة والمشروعات المبشرة بالخير، ولا عجب لذلك فتاريخك كله انتماء للخير وللمثل الأعلى والإيمان.
لكن ماذا أقول عن الوضع العام، نحن لا نكف عن التفكير والاقتراح والنقد، ويخيل إلىّ أن عالم التفكير منفصل انفصالًا تامًا عن العمل، ولا أظن أن مواطنًا عربيًا لا يدرك سوء ما آلت إليه حالنًا، ولا ما يعنيه تمزقنا، ولا ما يسوق إليه تجمدنا، بالإضافة إلى ما نذكره من عظات التاريخ ودروسه، ولكن هل غيّر ذلك من أحوالنا. عزيزى إنى سعيد بحديثك، سعيد بإصرارك على التفاؤل، والنظر إلى الدنيا برؤية بناءة مصممة على الخير، وأرجو أن تتقبل تحياتى ومودتى.. المخلص نجيب محفوظ».