رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غادة هانم.. أسرار من حياة وزيرة التضامن

جريدة الدستور

نشأتها فى بيت منضبط لأب وأم من دارسى القانون، صبغت حياتها بالنظام والدقة منذ الصغر، ودراستها للآداب والإنسانيات سمحت لها بالاطلاع على ثقافات الشعوب ‏المختلفة، وعملها فى البرامج الإنمائية بالأمم المتحدة وسَّع مداركها فى مجال مكافحة الفقر ورعاية محدودى الدخل والاهتمام بالبسطاء.

هى غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، التى يطلق عليها العاملون فى الوزارة لقب «الوزيرة التى لا تنام»، نظرًا لنشاطها المستمر وعملها الدءوب داخل الوزارة ‏وخارجها، من أجل دعم جهود التنمية والحد من الفقر فى مصر، منذ توليها منصبها عام ٢٠١٤.

وإلى جانب حياتها المهنية المميزة، التى جعلتها من أبرز وجوه الحكومة، وتستمر فى موقعها مع ٣ رؤساء وزراء، بداية من المهندس إبراهيم محلب، وصولًا إلى المهندس ‏شريف إسماعيل ثم الدكتور مصطفى مدبولى، يظهر وجه آخر إنسانى مرتبط بحياتها الشخصية والأسرية، تلقى «الدستور» الضوء عليه فيما يلى.‏


تعشق القراءة.. تحب الست والعندليب ومنير.. وتُشجع الزمالك

غادة والي من مواليد 1966.. حصلت على بكالوريوس علوم إنسانية من جامعة كولورادو فى الولايات المتحدة عام 1987، وماجستير من جامعة كولورادو فى العلوم الإنسانية عام 1990، ودبلومة التنمية الدولية عام 1993، كما حصلت على دبلوم فى إدارة المشروعات، وتولت أمين عام الصندوق الاجتماعي للتنمية بين 2011- 2014، ومستشار رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية للمشروعات متناهية الصغر، وساهمت فى صياغة أول إستراتيجية للتمويل متناهي الصغر، وشغلت رئاسة الاتحاد العربي للمشروعات الصغيرة بالانتخاب، كما تولت رئاسة مجموعة الدول المانحة للمشروعات الصغيرة، ومساعد رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وشغلت منصب أول مدير برنامج مصري لهيئة "care" الدولية، كما تولت مؤسس عضو مجلس إدارة إنجاز مصر.

والدها صاحب المؤلفات القانونية والأستاذ الجامعى الذى كان يعشق التدريس، ويعتبره مهمته المقدسة، أثر كثيرًا، بسعة اطلاعه وهواياته المتعددة، فى أبنائه الثلاثة خاصة «غادة»، التى كانت أكبر أخوتها.‏

القراءة والثقافة ليستا اختيارًا بل كانتا جزءًا من حياة أسرة الدكتور فتحى والى، وهكذا نشأت فى منزل يحترم الكتاب، ويضم مكتبة خاصة من كتب الأب الذى درس فى إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، ‏وكان يحب الاطلاع على ثقافات الشعوب وتاريخها وفنونها.‏

الأب عاشق القراءة كان أيضًا متابعًا للمسرح والأوبرا، ويحرص فى سفرياته مع أبنائه على زيارة المتاحف والمعالم الشهيرة لكل بلد، كما كان شديد الاهتمام باللغة العربية، وحريصًا على تعليم أبنائه ‏قواعدها ومخارج ألفاظها الصحيحة.‏

‏«كان يذاكر لى اللغة العربية بنفسه، ويزعجه جدًا أن يخطئ أى من أبنائه فى النحو، ولما كنت أغلط.. يعاقبنى بإعراب أجزاء من المقالات بجريدة الأهرام».. تقول الوزيرة.‏

وبتأثير من نشأتها، أحبت القراءة بشكل كبير، وتعلقت بالشعر ودواوينه، وأحبت أشعار إيليا أبوماضى بشكل خاص، كما قرأت أعمال شكسبير فى وقت مبكر من حياتها.‏

تقول: «كنت أحب الرسم.. لكننى أحب القراءة أكثر، فالكتب فى كل ركن بالمنزل ولازم كلنا نبدأ يومنا بقراءة الصحف ونتناقش فى مقالات كبار الكتاب مصطفى أمين وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين ‏وغيرهم».‏

كما أحبت أيضًا الاستماع للموسيقى، خاصة الأغانى القديمة لأم كلثوم وعبدالحليم ومحمد عبدالوهاب، بالإضافة إلى محمد منير وعلى الحجار، مع الحرص على حضور حفلات الأوبرا كلما أتيح لها ذلك.‏

بالنسبة إليها فإن «الموسيقى والفن والآداب أدوات مهمة جدًا للنهوض بالمجتمع لأكثر من سبب، خاصة أن لها تأثيرًا وجدانيًا على سلوك الناس، فمن يتذوق الفن يكون قادرًا على تذوق الأشياء الجميلة فى ‏كل المجالات من حوله».‏
لذا لم يكن غريبًا أن تحرص دائمًا على متابعة عروض الأوبرا والباليه العالمى وزيارة المسارح العالمية مع أسرتها كلما سنحت الفرصة.‏

الرياضة أيضًا لم تغب عن شخصيتها، خاصة أنها تعد إحدى مشجعات الزمالك، كما تحرص على متابعة مباريات المنتخب الوطنى وتتواجد كثيرًا فى الملاعب لدعمه وتشجيعه.‏

وكان جدها والد أمها، المهندس محمد هلال، وهو واحد من ٣ طلاب أرسلهم الملك إلى سويسرا لدراسة الهندسة الإنشائية، وهو من مصممى مبنى الحرمين المكى والنبوى، أكبر من أثر فى شخصيتها، ‏فقد كانت حفيدته الأولى والمقربة منه، وأخذت عنه حب العمل وجمال الخط. وقد أثرى الانضباط الأسرى، الذى شهدته فى طفولتها، تجربتها مع أبنائها الثلاثة الذين درسوا فى كبرى الجامعات، لكنه أيضًا ‏جعلها حريصة على إبعادهم عن الأضواء، وعدم الحديث عنهم أمام وسائل الإعلام.‏

وتحرص غادة والى، المتزوجة من رجل أعمال، على قضاء الإجازات والأعياد بالمنزل مع أسرتها، لمنحهم أكبر وقت ممكن فى ظل مسئولياتها الكبيرة، ومشاغلها المتعددة.‏

وكان الحرص على زيارة حماتها قبل أن يتوفاها الله، أحد طقوسها أيضًا فى كل المناسبات، خاصة عيد الأم الذى كانت تنتقل فيه بين منزل والدتها ومنزل والدة زوجها التى كانت تكن لها كل الحب ‏والاحترام، وتجمعها بها علاقة خاصة. ‏

‏١٧ سنة خبرة فى مواجهة الفقر.. و«الرقبة الطبية» تكشف شخصيتها الملتزمة

فى مسيرتها العملية، التحقت ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائى بالقاهرة، وظلت لمدة ١٧ عامًا تتنقل بين المناصب المختلفة فى عدة هيئات تعمل فى مجال التنمية والحد من الفقر وخلق الوظائف وتنمية ‏المشروعات الصغيرة والمتوسطة.‏


فى ٢٠٠١، مكنها عملها مديرة لبرنامج هيئة «كير» الدولية فى مصر، العاملة فى مجال مكافحة الفقر العالمى من التواصل عن قرب مع عدد من منظمات المجتمع المدنى والوزارات والهيئات ‏الحكومية من أجل تخفيف حدة الفقر فى المجتمع المصرى، كما شغلت قبل توليها منصبها الوزارى فى عام ٢٠١٤ عضوية اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومى للمرأة.‏

اتسم أداؤها الوزارى بالقدرة على الإنجاز والبحث عن حلول واقعية لعدد من المشكلات، التى يعانى منها المواطنون البسطاء، ويعد برنامج «تكافل وكرامة» أحد أهم إنجازاتها فى مجال دعم الأسر ‏الفقيرة، وحماية محدودى الدخل من تداعيات برنامج الإصلاح الاقتصادى. ‏

وتحت ضغط عملها الدؤوب وجهدها الذى لا ينتهى، عانت وزيرة التضامن عام ٢٠١٦ من آلام فى فقرات الرقبة، لكنها رفضت نصائح الأطباء بضرورة الحصول على راحة من العمل، وفضلت ‏الذهاب إلى الوزارة وإدارة عملها رغم ارتدائها جهاز تثبيت فقرات الرقبة.

ورغم الشخصية القوية التى تدير بها عملها وحرصها على حث العاملين معها على مزيد من الدقة والإتقان عبر قناع من ‏الصرامة، فإن طبيعتها الحقيقية تتكشف عند تعاملها مع الحالات الإنسانية وزيارتها لدور الأيتام ورعاية الأطفال وحساسيتها الشديدة فى التعامل معهم بكل رأفة وحنان.

وفى أحد المشاهد الكاشفة، أثناء ‏افتتاحها أحد فروع بنك ناصر الاجتماعى بالإسكندرية، تركت الوزيرة عدسات المصورين وتساؤلات الصحفيين وزحام الموظفين حولها، واتجهت بنفسها نحو رجل قعيد مسن لتسأله عن أسباب حضوره ‏وملامح الهم والكآبة البادية على وجهه.

وبابتسامة هادئة سألته: «زعلان ليه؟»، فأخبرها بأنه يحاول الحصول على قرض من البنك لإجراء عملية جراحية بقدمه المصابة بالإضافة إلى رغبته فى تدشين ‏مشروعه الخاص، لكنه يعانى من صعوبة الإجراءات.

وبتدخلها المباشر، طلبت الوزيرة من المسئولين عن البنك تذليل كل العقبات أمام الرجل البسيط من أجل الحصول على ما يريد، ما دام موافقًا للقانون ‏وتنطبق عليه الشروط. ‏

البساطة أيضًا تعد عنوانًا لشخصيتها بعيدًا عن الرسميات، وليس أدل على ذلك ما حدث فى أحد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعدما التقطتها عدسات الكاميرات، وهى تصور الجلسة التى ‏يحضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى، ما عرضها لبعض الانتقادات.‏

الغريب أنها عندما سئلت عن ذلك قالت بكل بساطة: «عملت لسنوات طويلة فى الأمم المتحدة، وتواجدت فى هذا المكان كثيرًا، وما فعلته ليس غريبًا على الإطلاق، فالوفود كلها تصور ما يحدث من ‏فعاليات، وهو ما كنت أفعله، لكننى لم أكن أصور سيلفى، كما قالوا، لأنى لا أعرف معنى ذلك من الأساس».‏

وأضافت: «كنت أسجل كلمة الرئيس، لأننى كنت فخورة وسعيدة جدًا بكلمته، وكان هناك تصفيق حاد فى القاعة، وبصرف النظر عن كونى وزيرة أنا أفعل الأشياء التى تسعدنى».‏