23 يوليو مرة أخرى والإجابة عن الأسئلة
نحتفل فى الأسبوع المقبل بالذكرى السادسة والستين لثورة يوليو، ويبدو أن إحياء الذكرى والاحتفال بها سيقع فى ظروف غير مسبوقة، حيث تتعرض ثورة يوليو لأعنف حملة نقد مرت عليها منذ إقصاء محمد مرسى عن الحكم، وذلك أولًا ناتج عن ابتعاد جيل يوليو- بحكم السن- عن التأثير سواء فى سياسة الدولة أو شعبيًا، وثانيًا لأن جيل يوليو نفسه كان قد انقسم على نفسه حينما سمح الرئيس السابق أنور السادات لأعداء ثورة يوليو بالانطلاق فى نقد الثورة ثم بالانقلاب على الثورة.
ربما كان أخطر ما قام به هو السماح للإخوان المسلمين بالعودة إلى النشاط وهو ما خلق مناخًا سياسيًا يوحى بأن الجماعة تعرضت لنوع من الاضطهاد المحتمل، فى حين أن الجماعة قد تشرنقت مستفيدة من الانقلاب على الثورة لتقوم بإشاعة مناخ مضاد للثورة مع الاختفاء قدر الإمكان، مستخدمة بعض الشعارات الدينية تارة والليبرالية تارة أخرى ووصلت إلى اغتيال السادات الذى ساعدهم، بل وباستخدام بعض الشعارات الناصرية نفسها بعد قلبها نتيجة الانقلاب الداخلى للناصريين، بل لقد نجحت أحيانًا فى اجتذاب بعض الناصريين والقيادات الناصرية الذين انجذبوا نحو المشروع الساداتى. أخيرًا فإن الانفجار السكانى أفسد المناخ، بحيث ابتلع أغلب عوائد يوليو وحملت يوليو آثار الانفجار السكانى.
ينسى كثيرون وهم يتحدثون عن «يوليو» ويقارنون الوضع قبل «يوليو» بالوضع بعدها، بأن يقارنوا بين وضع الطبقة الوسطى قبل «يوليو» بوضعهم بعد الثورة، وينسون أو على الأصح يتناسون أن ثورة يوليو قد قامت لتصحيح وضع الغالبية العظمى من الشعب المصرى فى ذلك الوقت، فالثورة لم تقم لتصحيح وضع الطبقة العليا ولا الشريحة العليا للطبقة التالية لها، وإنما قامت فعلًا لتصحيح أوضاع الطبقات الأقل التى كانت تمثل فى ذلك الوقت نحو ثمانين بالمائة من الشعب المصرى الذى كانت غالبيته من العمال والفلاحين، وكان ضمن ما كان يجب تصحيحه طريقة التعامل المعنوى حيث كان من السائد وصف أى منهم بأنه «فلاح وسخ» أو «عامل» بنفس الوصف، وهو ما قامت الثورة ضده، ولذلك فلقد تحولت «حركة الجيش المباركة»، كما سمتها قيادة الجيش أو مجلس قيادة الثورة، إلى «ثورة يوليو» بسبب واحد، حيث لم يكن من الممكن اعتبارها ثورة دونه، هذا السبب الواحد هو صدور قانون الإصلاح الزراعى فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢ أى بعد قيام الثورة بشهر ونصف الشهر فقط، وبذلك تحول نحو ثمانين بالمائة من الشعب المصرى من أُجَراء إلى مُلاك، وهكذا تغيرت صورة الشعب المصرى خلال شهر ونصف الشهر فقط، قبل إعلان الجمهورية، وقبل جلاء القوات البريطانية عن مصر، وقبل تأميم الشركات والبنوك الأجنبية، وقبل الدعوة إلى الوحدة العربية، أما من الذى سماها «ثورة» فهو المرحوم الدكتور طه حسين، حيث نظر إليها اجتماعيًا وليس نظرة خارجية عامة.
كان من سمات ثورة يوليو استمرار التواصل بين قيادة الثورة والقواعد الجماهيرية، وكان من مظاهرها العمل الدءوب من أجل تطوير تنظيم سياسى يحمل لواء الثورة لفترة أطول من أعمار قيادتها، وكانت هيئة التحرير ثم الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى إضافة إلى منظمة الشباب الاشتراكى، والتنظيم الطليعى، وجماعة المواطنين من أجل المعركة، وهى تنظيمات لم يتح لها زمن كافٍ لتحقق أهدافها، كما أن إنشاء تنظيم مع التمسك بالسلطة له آثاره. ولكن الجانب الرسمى كان مهمًا ومؤثرًا من خلال وزارة الإرشاد القومى، وبعد ذلك وزارات الثقافة والإعلام واهتمام القيادة بالحوار مع القواعد والبرامج التليفزيونية ودور هيئات المسرح والسينما لشرح وجهات نظر حول المسائل الجارية، ومشاركة الرئيس فى الحوارات المختلفة وتعبئة الشعب حول الأهداف القومية وشرحها. وتشرح الظروف ونعرف الإجابة عن الأسئلة حتى نعرف ما يدور.
لم تكن التجارب كلها ناجحة، ولكنها أيضًا لم تكن كلها فاشلة، وأعتقد أن صمود الشعب بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧ كان مثلًا رائعًا للعمل فى ظروف غاية فى الصعوبة والتعقيد، وشارك فيه أغلب من تولى السلطة فى ذلك الوقت، لعبت فيه لقاءات القيادة دورًا مهمًا ظهرت أهميته بشكل واضح أثناء التعبئة للاستعداد للمعركة، وإذا كانت القيادة قد تأثرت بغياب قيادة جمال عبدالناصر، فقد أكد هذا المثال أهمية الدور الذى تلعبه القيادة فى مراحل التغيير وفى مواجهة المواقف الصعبة، وربما نذكر الزيارات التى قام بها الرئيس للجبهة بعد الهزيمة وكيف تراجعت بعد وفاته.
هذا بعض أهم ما أتذكره فى «يوليو» لا لأمجد من قام بها وما قاموا به، ولكن لأذكر بأيام مجيدة عشناها لم نسمع فيها مصطلحات دولة رئيس الوزراء ومعالى الوزير والمحافظ وغيرها، ولنتعلم من فترة من أمجد ما عشناه.