رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لنضئ شمعة بدلًا من أن نلعن الظلام


رسم فنان لوحته وظن أنها الأجمل على الإطلاق.. أراد أن يتحدى بها الجميع فوضعها فى مكان عام وكتب فوقها العبارة التالية: «من رأى خللًا ولو بسيطًا فليضع إشارة حمراء فوقها» ثم عاد فى المساء ليجد لوحته مشوهة بإشارات حمراء تدل على خلل هنا وهناك. ومن كثرة الإشارات الحمراء وصل الأمر لدرجة أن اللوحة الأصلية طُمست تمامًا.
ذهب الفنان إلى معلمه وهو يائس وبائس، وقرر أن يترك الرسم لشدة سوئه.. ولأنه لم يعجب الجمهور، فطمأنه المعلم وشجعه وشد من أزره، ولكنه طلب منه فقط أن يغيّر العبارة المكتوبة.. وبالفعل رسم ذات اللوحة ووضعها بذات المكان، ولكنه وضع ألوانًا وريشة وكتب تحتها العبارة التالية: «من رأى خللًا فليمسك الريشة والقلم وليصلح». وكانت المفاجأة أن أحدًا لم يقترب من اللوحة حتى المساء.. وتركها أيامًا ولم يقترب منها أحد.. عاد الرسام لمعلمه متعجبًا مما حدث، فقال له المعلم: «هنا الجوهر.. كثيرون من الناس يرتدون النظارة السوداء، ومن ثم فهم الذين يرون الخلل فى كل شىء.. ولكن قليلين هم الإيجابيون المصلحون». هذا هو حال الناس فما أكثر الناقدين الذين يرون الأخطاء وبدلًا من أن يصلحوها ويعالجوها يحاولون تضخيمها بدلًا من أن يجتهدوا ليقدموا حلولًا. ما أكثر المؤتمرات التى تعقد للتنظير ورصد مساوئ الواقع وتشريحه دون أى محاولة لوضع حلول عملية للإصلاح، كم نحتاج للروح الإيجابية التى تدفعنا للبناء بدلًا من الهدم، والتعمير بدلًا من التدمير، والإصلاح بدلًا من النقد الجارح، هذا فضلًا عن أن هناك كثيرين من الناس بدلًا من أن يهتموا بإصلاح عيوبهم الشخصية ينظرون إلى عيوب الآخرين وينصحونهم وينتقدونهم، وكان الأولى بهؤلاء الناس أن يبدأوا بإصلاح أنفسهم أولًا، فقلب الإصلاح هو إصلاح القلب، وقبل أن تتبرم من الجليد المتراكم على عتبة بيت جارك عليك أن تزيل ما تراكم منه أمام عتبة بيتك أولًا. «وقبل أن تخرج القذى من عين أخيك عليك أن تُخرج الخشبة من عينك أولًا، فحينئذ تُبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك»، فدون إصلاح النفس لا يمكن إصلاح الغير. كم نحتاج مع أنفسنا ومع الآخرين أن نطبق الحكمة الشهيرة الأثيرة «بدلًا من أن تلعن الظلام أضئ شمعة!».