باقى زكى.. فى انتظار الاتصال
منذ خدمتى فى القوات المسلحة، خاصة بعد الحرب فى أكتوبر عام ١٩٧٣، تعودت على أن أتصل ببعض الزملاء الذين زاملونى فترة الإعداد وفترة خوض الحرب نفسها، وكانت فترة الإعداد الأولى، خاصة فى عامى ١٩٦٨ و١٩٦٩، ذات أهمية خاصة، حيث كنا نعلم أننا نتحدى القدرة البشرية والظروف الدولية المحيطة، ولكنى كنت أشعر وآخرون بأننا قادرون على مواجهة الصعوبات والتحديات، وكنا كثيرًا ما نجتمع فى الجبهة، ونحاول أن نجد حلولًا للتحديات الخارجية والداخلية التى تواجهنا لكى نحقق أهدافنا التى كانت تتضح من خلال المناقشة دون الحاجة إلى صياغة رسمية لها، فقد كانت واضحة دون تكلف.
أذكر من بين هؤلاء قادة وقيادات فى عام ١٩٦٩ مثل اللواء ممدوح جاد تهامى، واللواء سعد زغلول عبدالكريم، وهما قد توليا قيادة الفرقة على التوالى، كما أتذكر العقيد أركان حرب إلهامى الشيخ، وقد كان قائدًا لمدفعية الفرقة، ثم أتذكر المقدم باقى زكى يوسف، رئيس الشئون الفنية للفرقة، وهذا لا يمنع طبعًا من تذكر آخرين عملنا معًا بعد ذلك، ولكنهم لم يكونوا ضمن حلقة الاتصال القريبة، حيث نواظب على الاتصال بيننا بعد الحرب، أذكر منهم بصفة خاصة الفريق عبدالقادر حسن، والعميد بكير محمد بكير، والعقيد مصطفى العباسى، والرائد وهيب مجلع، ثم العقيد نبيل بشارة، وطبعًا الرتب المذكورة كانت الرتب فى ذلك الحين. أذكر ما سبق لأنه فى هذه الدوائر الضيقة كانت الاتصالات بيننا قد ضاقت. وكنا ننتظر المناسبات لنتصل، وغالبًا ما كنا نتصل فى المناسبات الدينية.
وكان هذا الطابع الغالب فى اتصالى باللواء باقى زكى يوسف، حيث إنه كان الباقى تقريبًا من المجموعة القديمة، حيث توفى اللواءات ممدوح جاد تهامى وسعد زغلول عبدالكريم وإلهامى الشيخ عام ١٩٧٣، وأشهد بأنهم أرهقوا أنفسهم فى الاستعداد للحرب، وتوفى اللواء طلعت سليمان جلبى منذ حوالى عام، واللواء نبيل عطاالله واصف مؤخرًا. كان كل منا ينتظر الاتصال فى مطلع أعيادنا، وكان إذا تأخر أحدنا فى الاتصال يقوم الآخر بالاتصال دون انتظاره. كنت أنتظر اتصال الزملاء لأنى أود أن أؤكد أن لقاءنا قائم على الود والزمالة، هذا ما حدث فى عيد الفطر الماضى فقد اتصل بعض الزملاء، وانتظرت أن يتصل اللواء باقى زكى يوسف حتى ثالث أيام العيد فاتصلت بمنزله فأجابوا بأنه ليس بالمنزل، واكتفيت مؤقتًا بالإجابة.
ولكن مر يومان آخران، ولم يتصل فاتصلت يوم السبت، وأعربت عن قلقى من عدم اتصاله، فأبلغونى بأنه فى المستشفى فى العناية المركزة، فنويت أن أزوره بمجرد خروجه من العناية المركزة، حيث يمكننى أن أراه ويرانى، لكن لم يكتمل اليوم إلا وقد أبلغونى بوفاته، وهكذا وجدتنى أنتظر اتصال اللواء باقى زكى يوسف، وقد كانت صدمة باعتبار أنه ضمن المجموعة التى تحملت العبء فى أصعب الظروف، وأنه كان الباقى من المجموعة التى تشكلت، لبحث كيفية التغلب على الساتر الترابى شرق القناة، وأنه رغم أنه كان رئيس مركبات الفرقة وأن مهمته الأساسية كانت تأمين صلاحية مركبات الفرقة، حتى تستطيع أن تنقل القوات والمعدات من أماكنها على الضفة الغربية لقناة السويس إلى حيث مهامها الجديدة شرق القناة- فإن حماسه ووطنيته وفهمه العميق لما يجب أن نلعبه من دور، جعلته لا يكتفى بالشئون الفنية الصرفة التى تتعلق بتخصصه، وينطلق بشكل أرحب إلى المهمة الرئيسية التى تتلخص فى تحرير أرضنا المحتلة، والعمل على تقدم القوات بمعدلات عالية وتمكينها من أداء مهامها على أكمل وجه.
رغم العلاقة القوية التى جمعتنى باللواء باقى، فإن علاقتى بمن عملوا معى وعملت معهم فى تلك الفترة لا يمكن أن تنقطع، واتصالى بهم سيبقى مفتوحًا، وسيظل تقديرى لهم مستمرًا ونموذجًا للعلاقات القائمة على زمالة القتال وتنفيذ المهام، وما زلت أذكر ليلة اجتمع فيها اللواء سعد زغلول عبدالكريم، والعقيد فى ذلك الوقت إلهامى الشيخ والمقدم باقى زكى يوسف، وكاتب هذا المقال فى جنوب البحيرات، وأننا اتفقنا على أن من يشارك منا فى اقتحام قناة السويس فليتذكر زملاءه، وظلت هذه الفكرة فى ذهنى لكن كما سبق أن ذكرت، فإن العقيد إلهامى الشيخ قد توفى قبل الحرب، واللواء سعد زغلول أصيب بجلطة فى القلب أثناءها، ولم يبق إلا اللواء باقى وكاتب المقال. وكان لى شرف أن ساعدته على تقديم فكرته باستخدام تجريف المياه التى عرضت على الرئيس جمال عبدالناصر الذى أمر بدراسة الفكرة، وهكذا تغلبنا على الساتر الترابى.. وها أنا ما زلت أذكر اتفاقًا جرى فى جنوب البحيرات من حوالى خمسين سنة، لكن اتصال العيد يبقى معلقًا. رحم الله اللواء باقى زكى يوسف.