رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحريم الموسيقى وتربية عقدة الذنب


تعد نظرة علماء الدين الإسلامى إلى الموسيقى، من تحريمها المطلق إلى إباحتها بضوابط، نموذجًا لذهنية الإسلاميين التحريمية ولسيطرة التوجس والخوف من كل ما هو إنسانى وإتباع التقليد دون إعمال العقل.. حتى يفرض الواقع نفسه، ويضطر المتأسلمون إلى استخدام الموسيقى فى مقدمات برامجهم التليفزيونية وتسجيلاتهم الصوتية أو كخلفية لشرحهم عذاب القبر وأهوال يوم القيامة.
قبل أربعين عامًا ومع بدء هجرة المصريين للخليج وبدء الزحف الوهابى، ارتفعت نغمة تحريم الموسيقى على لسان الجهاديين والسلفيين والإخوان استنادًا إلى إجماع فقهى بتحريم الموسيقى وآلاتها، وهذا التحريم كان مستقرًا وسائدًا فى التراث الفقهى إلى حد الاتفاق، خصوصًا فى دائرة المذاهب المتبعة.
وعند تصدى فقهاء الوهابية مثل الشيخ ابن باز للسؤال عن الموسيقى يكون التحريم المطلق ويستدلون بآية كريمة: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ»، ورغم أنه لم ترد كلمة الموسيقى أو الغناء فى الآية الكريمة إلا أن السلف من المفسرين والعلماء أجمعوا أن لَهْو الحديث: هو الغناء والآلات الموسيقية كالعود والكمان.
ماذا إذا قرأ هذه الآية باحث مسلم وفسر الآية ووجد معنى مختلفًا للهو الحديث.. الذى يمكن أن يكون أى حديث كاذب، منافق، الغيبة والنميمة ولا صلة له من قريب أو بعيد بالموسيقى أو الغناء.
إن ذهنية التحريم وسد الذرائع تقيد روح المسلم، وتجعل شخصيته منفصمة عن العالم الذى يعيش فيه، فيبدو المسلم مجرد متلقى، سواء للتحريمات السلفية أو لواقع ما يحيط به من وسائل اتصال وإعلام تعد الموسيقى والغناء ركيزتين أساسيتين فيه. فتجده متذبذبًا وحائرًا فلا هو مقتنع بمقولات الفقهاء لكن يجب عليه السمع والطاعة، ولا هو يستطيع أن ينتج أو يبدع فى الموسيقى أو الفنون المختلفة التى يرفع الفقهاء سيف تحريمها، رغم أن الواقع والعلم الحديث أثبت أهمية هذه الفنون خاصة الموسيقى التى يعدونها غذاء الروح، وأنها أداة من أدوات التربية النفسية والاجتماعية، ووسيلة لتعزيز أواصر التقارب بين الناس، وتحتل الموسيقى الترتيب الخامس فى سلم العلوم الرياضية، كما أنها لغة العالم الوحيدة التى تُفهم من خلال السمع، دون تلقين أو تعليم، وتسهم الموسيقى فى تحسين الفهم والذاكرة وترتقى بمشاعر الإنسان وتهذب عواطفه، ويرتبط الاهتمام بالموسيقى بالعباقرة، يقول العالم الفيزيائى أينشتاين: لو لَم أكن فيزيائيًا، مِنَ المُحتَمَل أن أصبِحَ مُوسيقيًا، غالبًا ما أفكّر بالمُوسيقى، أحلامُ اليَقَظةِ لَدِى مُوسيقى وأنظرُ إلى حَياتى بدلالَةِ المُوسيقى، أجمَلُ أوقاتى هِىَ تلكَ التى أقضيها بالعزفِ على الكَمَان.
لا يمكن لأى شخص من الأشخاص أن يعيش بلا الموسيقى، فقط يمكنه أن يظل مضطربًا وخائفا ويسترق السمع وتسيطر عليه عقدة الخوف من الذنب، فكل هذا يصب فى مصلحة الفقهاء الذين يستمدون سلطانهم من سلطة التحريم.