رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جائزة نوبل للآداب في مهب الريح بعد حجبها لأسباب فضائحية

جائزة نوبل للآداب
جائزة نوبل للآداب

أثار قرار الأكاديمية السويدية بحجب جائزة نوبل في الآداب لعام 2018 وتأجيل اختيار الفائز بحيث يعلن اسمه في العام المقبل حالة من الصدمة بين المثقفين على مستوى العالم، فيما يتردد السؤال الصادم وسط دوي سلسلة من الفضائح مؤخرا: هل باتت "أم الجوائز الأدبية" في مهب الريح؟

وإذ تتبارى الصحف ووسائل الإعلام في الحديث عن اتهامات بالفساد المالي والتحرش وتسريب أسماء الفائزين قبل الإعلان رسميا عن فوزها وصراعات على النفوذ بين أعضاء الأكاديمية السويدية، فإن أزمة الجائزة تبدو ذات "طابع بنيوي" أعمق من اتهامات يرددها البعض في قصص الإثارة الصحفية أو العناوين الفضائحية.

وخلافا لأغلب الأفرع الأخرى لجوائز نوبل تثير جائزة الأدب الكثير من الجدل والضجيج منذ أن منحت لأول مرة عام 1901 للشاعر الفرنسي رينيه سولي برودوم الذي كانت شهرته محدودة بالمقارنة مع الروائي الروسي العملاق تولستوي والذي ضلت الجائزة طريقها إليه حتى وفاته عام 1910.

فهذه الجائزة الأدبية العالمية يشوبها الغموض منذ بداياتها؛ وهو غموض يمتد حتى على مستوى وصية مانحها الفريد نوبل، والمفهوم الذي كان يقصده عندما تحدث عن منحها لأعمال بارزة في "الاتجاه المثالي".

ومن المعروف أن كل الوثائق الخاصة بالمداولات حول اختيار الفائزين بجوائز نوبل تبقى طي الكتمان ولا يسمح بنشرها إلا بعد مرور 50 عاما عليها، وحسب ستورة الين من الأكاديمية السويدية، فإن جائزة نوبل في الآداب تمنح للجدارة الأدبية دون انحياز لأي دولة أو قارة أو مجموعة لغوية أو ثقافة، ومن ضمن شروط منحها أن يكون الكاتب قد أنتج "الأدب الأكثر تميزا" وذا "اتجاه مثالي"، وهو شرط ظل موضع تفسيرات وتأويلات مختلفة منذ بدايتها.

وبين عامي 1901 و2017 بلغ عدد الفائزين 114 أديبا من بينهم المصري نجيب محفوظ والذي يعد حتى الآن أول عربي يفوز بأهم جائزة أدبية عالمية فازت بها أسماء مضيئة في عالم الإبداع مثل الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز وارنست هيمنجواي وتوني موريسون.

وإذا كانت جائزة نوبل للآدب قد حجبت من قبل سبع مرات، فإن ذلك كان لأسباب قاهرة وغيوم المشهد العالمي في سياق الحربين العالميتين الأولى والثانية.. أما الآن فإنها المرة الأولى التي تحجب لاتهامات بالفساد تنال من الثقة في مصداقية الجائزة ذاتها وسمعتها.

وهكذا جرت العادة أنه عندما يفوز أديب بجائزة نوبل للآداب لا بد وأن تشهد مبيعات كتبه قفزة إن لم تكن طفرة على مستوى العالم؛ حتى لو كان معروفا في بلاده، وتترجم أعماله لمزيد من اللغات، وهي ظاهرة تحدث مع جوائز ثقافية وأدبية اقل أهمية من جائزة نوبل مثل جائزة بوكر أو جائزة بوليتزر الأمريكية؛ حتى أنه عندما حجبت جائزة بوليتزر للرواية في عام 2012 كان الحجب بمثابة "صدمة" للناشرين فالرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات ومن ثم تترقبها دوما دوائر صناعة النشر.

ومع أن أي جائزة لا تخلو من أهمية ومعنى، ناهيك عن جائزة نوبل للآداب التي توصف بأهم جائزة أدبية في العالم، فإن هناك كتابات ترى في المقابل أنه لا يجوز أن تتحول الجوائز في حد ذاتها إلى هدف وخاصة في مجال الإبداع الأدبي الذي قد يفضي التكالب على جوائزه لتحويله إلي نوع من أنواع "البيزنس" وبما يؤدي لضرب جوهر ومعنى الإبداع في مقتل.

وفي العام الماضي أثار تتويج كازو ايشيجورو بجائزة نوبل في الآداب حالة عامة من الارتياح بين الأوساط الأدبية في العالم، فيما تبدو فضيلة "التواضع" ظاهرة في شخصية الأديب النوبلي الأخير الذي تجاوز الـ 62 عاما ودخل مضمار الإبداع الأدبي منذ نحو 36 عاما.

أما فوز الموسيقي الأمريكي بوب ديلان بالجائزة نفسها عام 2016 فقد اعتبره كثير من نقاد الأدب بمثابة نقلة نوعية خطيرة تتجاوز بكثير ما كان يقال في السابق حول منتدى جمع ما بين الطالح والصالح وبين عمالقة مثل طاغور وويليام بتلر ييتس وجابرييل ماركيز ونجيب محفوظ، وآخرين يمكن وصفهم بالمغمورين مثل الشاعر السويدي الراحل توماس ترانسترومر الذي فاز بهذه الجائزة عام 2011 ليثير فوزه الكثير من عواصف الغضب في الغرب الثقافي.

وفي السنوات الأخيرة تحفل الصحافة ووسائل الإعلام فى الغرب بآراء تؤكد على أن هناك أخطاء فظيعة وخللا خطيرا فى جائزة نوبل للأدب بصورة تبرر بقوة التساؤل عن مدى صحة قرارات الأكاديمية السويدية بشأن منح هذه الجائزة لأديب ما، بينما وضعت الأزمة الحالية الأعضاء الـ18 للأكاديمية تحت مجهر البحث والتشريح؛ خاصة بعد أن استقال ثلاثة أعضاء منهم وسط أجواء فضائح التحرش المتهم فيها مصور صحفي وناشر يدعى جان كلود ارنو وهو زوج عضوة الأكاديمية كاتارينا فروستينسون.

وتتحدث الصحافة الثقافية الغربية عن خلافات وراء الكواليس بين أعضاء الأكاديمية السويدية حول جائزة نوبل للآداب فيما أكدت تقارير أن هذه الخلافات في عام 2016 أدت لتأخير الإعلان عن اسم الفائز بالجائزة، فيما باتت "صلاحياتهم المطلقة في منح الجائزة الأدبية موضع تساؤلات كثيرة في خضم الأزمة الحالية".

وإذا كانت جائزة نوبل للأدب منذ بدايتها غامضة في المعايير وقابلة لتأويلات مثيرة للحيرة فإن ما حدث في عام 2016 عندما منحت لموسيقي أمريكي حولها إلى "أمثولة للغموض وشفرات المعاني وإشارات اللغة السرية التي لن تكشف إلا بعد نصف قرن من إعلان منح جائزة نوبل في الآداب للفنان الأمريكي بوب ديلان".

وعامئذ كانت أم الجوائز الأدبية العالمية تشهد "نقلة نوعية خطيرة" حدت بالبعض إلي القول بأن للأدباء أن يبحثوا عن جائزة لهم غير جائزة نوبل للآداب !.. وبعيدا عن أي إجحاف لقيمة بوب ديلان كمبدع كبير في دنيا النغم وعالم الأغنية فإن القضية لا تتعلق بموهبته في مجاله الغنائي والموسيقي وإنما تنصب على مدى أحقيته في نيل الجائزة الكبرى المخصصة للآداب فهو "موسيقي غنائي عظيم لكن هل يمكن القول إنه أديب عظيم؟".

وهكذا قيل إن الموسيقي بوب ديلان ليس بحاجة لجائزة نوبل في الأدب ولكن الأدب بحاجة لجائزة نوبل وها هو يجد نفسه في عام 2016 يتيما بعد أن ضلت الجائزة الكبرى طريقها وذهبت لعالم الموسيقى والنغم.