رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل ضربت إسرائيل سوريا بـ«قنبلة نووية» فى هجمات «ليل الإثنين»؟


- قوتها تعادل 1000 طن من الـ«تى إن تى».. وقادرة على تدمير مخابئ محصنة تحت الأرض

حالة كبيرة من الغموض لا تزال تكتنف الضربات التى استهدفت مواقع عسكرية سورية فى ريفى «حلب» و«حماة»، وتحديدًا مقر «اللواء ٤٧»، مساء الإثنين الماضى، والتى وصفت بـ«المختلفة» إلى حد بعيد عن الضربات السابقة، التى وقع البعض منها بطيران قوات التحالف الأمريكى، أو الإسرائيلى، وصولًا إلى العدوان الثلاثى قبل أسابيع.

وتأتى العملية العسكرية هذه المرة بتفاصيل مغايرة، وتحوى من الإشارات ما يبدو أنه يحمل مستوى متقدمًا من التهديد والفعل العسكرى، وصل لحد خروج تقارير تشير إلى استخدام «قنبلة نووية» فى الهجوم.

واشنطن تنفى تورطها.. تل أبيب تلمح لمسئوليتها.. تضارب فى طهران.. ودمشق تخفى الخسائر
أول ملامح غموض الضربة الأخيرة، كان عدم إفصاح الطرف المنفذ عن نفسه، على الأقل حتى كتابة تلك السطور.
الأردن التى وجه لها اتهام سورى رسمى متعجل، بأنها هى مصدر الهجوم الثنائى «الأمريكى - البريطانى»، وأنه خرج من على أراضيها، نفت رسميا أيضا وسريعا، بشكل قطعى أى علاقة لأراضيها بهذا الهجوم.
صاحب ذلك عدم اكتراث «أمريكى - بريطانى» بالتعليق على ما صدر، حتى بدا كلاهما على يقين تام، أن حقيقة الأمر يعلمها المعنيون الذين لن يعاودوا إطلاق الاتهام تجاههما، واكتفى التحالف الدولى بتعليق مقتضب جاء فيه: «لم نشن أى غارات فى المنطقتين اللتين تعرضتا للقصف».
الملمح الثانى البارز، أن النظام السورى لم يفصح عن الخسائر الناجمة عن هذا الهجوم، وتنفى المصادر الموالية للنظام، قطعيا، وجود أى خسائر بشرية، وتركز فى ذلك على الوجود الإيرانى بالأخص، ردا على عشرات المصادر المقابلة التى أوردت عددا للقتلى تراوح ما بين ١٨ و٣٨ شخصًا، وسط تأكيدات بتضمنهم خبراء عسكريين إيرانيين.

وجاءت هذه التأكيدات رغم صدور بيان من وكالة «تسنيم» الإيرانية، جاء فيه: «كل تلك التقارير عن هجوم على قاعدة عسكرية إيرانية فى سوريا، واستشهاد عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين لا أساس لها». لكن فى المقابل تبنت وأكدت وكالة «إيسنا» الإيرانية، مصرع ١٨ عسكريا إيرانيا فى القصف.
هذا التضارب استوجب تعليقا رفيع المستوى، جاء على لسان «علاء الدين بروجردى»، رئيس لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية فى مجلس الشورى الإسلامى الإيرانى، خلال لقائه الرئيس بشار الأسد بدمشق، فى اليوم التالى للقصف.

«بروجردى» لم ينف الخسائر أو يتطرق لها، واكتفى بالقول: «وجود المستشارين الإيرانيين فى سوريا بطلب من الحكومة السورية، سيستمر حتى التحرير الكامل لجميع المناطق السورية من لوث الإرهابيين».

على الجانب الآخر، الإسرائيلى، باعتباره فى صدارة المتهمين بتنفيذ تلك العملية، ظلت هناك مساحة صمت رسمية تمارسها تل أبيب عادة، لكن جاء لقاء لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» السابق، عاموس يدلين، الذى يمكن اعتباره حاملا للرسائل غير الرسمية، باعتباره يشغل اليوم منصب رئيس «معهد بحوث الأمن القومى الإسرائيلى»، فى حديث مطول لإذاعة الجيش الإسرائيلى، كى يلمح بلهجة أكثر اقترابا بأن إسرائيل هى التى تقف خلف هذا القصف.
وشرح المسئول الإسرائيلى باستفاضة: «المجموعات المسلحة ليس بمقدورها القيام بذلك»، منوها إلى أن حجم وقوة التفجير «الناجم عن قصف صاروخى» لا يمكن للمجموعات المسلحة المعارضة أن تكون وراءه، مؤكدا أن هذا القصف نفذه جيش منظم.
واعتبر أن الجهة المنفذة، يحتمل أن تكون الولايات المتحدة، ثم استدرك قائلا: «فى حال لم تكن أمريكا، فهناك احتمال آخر ووحيد»، فى إشارة واضحة إلى تل أبيب.

زلزال فى المنطقة المستهدفة.. وخبراء: ناتج عن قنبلة نووية ذكية تطورها أمريكا وإسرائيل
الجانب الروسى، الذى وصله بعد ساعات تقرير من «مركز رصد الزلازل الأورومتوسطى»، يفيد بتعرض تلك المنطقة محل القصف لهزة أرضية غامضة بقوة ٢.٦ درجة على مؤشر «ريختر»- تجاهل الحديث حول الغياب المتكرر لاعتراض الدفاعات الجوية، لمثل هذه الضربات النوعية المؤثرة التى تكررت للمرة الثالثة، فى غضون أسابيع.
لكن روسيا، ربما اختارت هى الأخرى الإشارة غير الرسمية، بشأن ما حير المراقبين العسكريين فى تحديد طبيعة السلاح المستخدم، وآلية حمله وتوجيهه، وربما كان لديها تفسير أفصح عن جزء يسير منه، بأن ما يمكنه إحداث هذا الأثر المركب من الاختراق والتدمير، فضلا عن تلك الهزة التى سبقت حالات الانفجار والاشتعال، لا يخرج عن كونه استخداما لـ«قنبلة نووية تكتيكية» من الجيل الجديد، والتى لا تتوافر إلا فى حوزة الجيش الأمريكى ونظيره الإسرائيلى.
وبالنظر إلى قدرة الطائرة المقاتلة الإسرائيلية «F 15» على حمل تلك النوعية، التى تمزج بين قوة السلاح النووى، والقدرة على التحكم فى الضربات فى ساحات حرب محدودة، ربما هذا سيدفع تجاه ترجيح استخدام للقنبلة (11 61 B)، التى تعد من أشهر طرازات القنابل التكتيكية التى يستخدمها الجيش الأمريكى، ولا يملك أحد بالطبع تأكيد صحة ما يتردد، عن أن هناك شراكة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حول «برنامج تطوير» لنوع خاص منها بالجيش الإسرائيلى.
لكن ما هو مؤكد منذ سنوات، أن الولايات المتحدة تنشر القنابل النووية التكتيكية فى عدة دول أوروبية، إضافة إلى تركيا، ضمن اتفاقية خاصة باستخدام تلك الدول للأسلحة النووية الأمريكية، فمن غير المنطقى أن يكون اتفاق شراكة من هذا النوع، مستبعدا لإسرائيل أو لا يشملها بصورة أو بأخرى. وتملك هذه النوعية من القنابل النووية، ميزة تدميرية تعادل ١٠٠٠ طن من مادة الـ«تى إن تى»، فضلا عن قدرتها على تدمير مخابئ محصنة تحت الأرض، يصعب على القنابل التقليدية الوصول إليها، واستخدمها الجيش الأمريكى على نطاق واسع فى العام ٢٠٠٢، أثناء قصفه لمنطقة جبال «تورا بورا» فى أفغانستان.
فهل نحن اليوم بصدد الاستخدام الإسرائيلى الأول، للجيل الجديد من القنابل النووية التكتيكية الذكية على الأراضى السورية، تحت ذريعة ملاحقة الإمكانيات العسكرية الإيرانية على ذات الساحة؟