الأمن القومى فى مؤتمر القمة
لم يختلف مؤتمر قمة الدمام كثيرًا عما توقعناه، ولكن النتيجة متطابقة، نظرًا لأن الدول العربية كانت قد اجتمعت قبل القمة على مستوى المندوبين ومستوى الوزراء، ولم نشعر لا باختلاف، ولا بأن هناك تغييرًا فى السياسات، يمكن أن يجعل قمة الدمام تضيف جديدًا إلى الواقع العربى، لكن مما يلفت النظر فى المؤتمر انخفاض التمثيل، وقصر فترة الاجتماع، وقد كنا لاحظنا قبل ذلك فى قمة عمان، وقبلها قمة موريتانيا، أن مؤتمرات القمة أصبحت تجرى خلال يوم واحد بدلًا من اثنين، وسماها البعض قمم اليوم الواحد، تشبهًا بجراحات اليوم الواحد فى الطب.
إذا كانت قمة الدمام، قد تمت فى يوم واحد، فالواقع يقول إنها كانت قمة النصف يوم، فالاجتماع لم يبدأ قبل الظهر، وانتهى فى المساء أى لم يكتمل نصف اليوم، وأخشى أن تكون هذه مقدمة لمؤتمرات قمة الساعة الواحدة. وأقول هنا إنه ربما يكون قصر مدة المؤتمر عاملًا إيجابيًا، حيث يخفض النفقات، ويوفر زمن القادة بحيث يتكفلون بأعباء مهامهم، لكن الواقع يقول إن حال الأمة خطير، وإن التعاون بين الدول كان ولا يزال ضرورة وليس مجرد مطلب، وهذا كان يتطلب مزيدًا من المناقشات بين القادة على مستوى الملوك والرؤساء وقادة الدول، وهو ما لم يحدث بالتأكيد خاصة مع ضيق الزمن.
باقٍ أن قمة الدمام كررت أسلوبًا تكرر فى السنوات الأخيرة، باتخاذ قرار بواسطة إحدى الدول العربية، ومواجهة باقى الدول بالقرار، بحيث يصبح الخيار أمامها بين أن توافق على ما قررته الدولة العضو ولو على مضض، أو أن تعارض قرارها، فيحدث اختلاف يمكن أن تكون له آثار ضارة غير مستحبة وربما غير مقبولة. وقد بدا هذا واضحًا فى تسمية القمة التاسعة والعشرين، بأنها قمة القدس، وطبعًا هناك تقدير للتسمية وللمشاعر التى دفعت إلى اختيارها، ولكن الأمر ينطبق على أى اقتراح يمتد على عمل مشترك. فقد كان من الأفضل أن تقترح دولة عربية تسمية القمة كما ترى، ثم يؤخذ الرأى بالتصويت على مشروع القرار، والمطلوب هو الاتفاق على أسلوب لعرض المقترحات وكيفية إقرارها.
أنتقل إلى الأمن القومى العربى، وأكاد أكرر أن الأمن القومى كان غائبًا، رغم تكرار ذكره فى البيان الختامى. أقول إن المقصود ليس هو لفظ أو عبارة الأمن القومى العربى، وإنما المقصود الأمن القومى على الطبيعة، فالأمن القومى حالة يمكن الشعور بها بالمقارنة بحالة غيابه، ولذا فإنه كان من الواجب أن تتناول القمة شئون الأمن القومى العربى، بحيث توضح التهديدات والتحديات التى يتعرض لها، وبالتالى أن تتخذ قرارات عملية تؤدى إلى دعم حال الأمن، ولا يكفى يذكر المؤتمر المبادئ التى يراها لحل المشكلة ومواجهة التهديد والاستجابة للتحديات.
وقد كانت القضية الفلسطينية، مثالًا صارخًا لكيفية تناول عنصر من عناصر الأمن. فلا يكفى أن يذكر البيان الختامى، أنه يؤكد أن القضية الفلسطينية هى القضية المركزية، وأن القدس الشرقية، هى عاصمة الدولة الفلسطينية. فقد كان الواجب أن يذكر المؤتمر ما ستفعله الأمة العربية لتحرير فلسطين، ولا يوضح لنا المؤتمر علاقة القضية المركزية بالأمن القومى، مثلًا علاقتها بمقتل المقاومين العُزل من الشعب الفلسطينى، وهل يعتبر المؤتمر إسرائيل مصدرًا لتهديد الأمن القومى العربى؟، وكيف نوفق بين المبادرة العربية التى ما زال المؤتمر يتمسك بها، والمذابح التى ترتكبها إسرائيل؟، كذلك فإن المؤتمر لا يوضح رأيه فى العدوان على سوريا، خاصة أن المؤتمر لم يدن أحدًا سوى النظام السورى، وكأنه قام بالتحقيق ووجد أن النظام السورى هو المسئول، وقد كان الأولى بالمؤتمر أولًا أن يدين العدوان، وأن يطالب بالتحقيق، وأن يرفض إدانة دولة عضو فى الجامعة. وقد بدا بيان القمة غير متوازن. ففى الوقت الذى أدان فيه العدوان على المملكة العربية السعودية عن حق، تجاهل ما تتعرض دول عربية أخرى، كما أنه لم يتعرض لما أصاب ويصيب الشعب اليمنى.
تحدث البيان عن تأكيد الحرص على بقاء علاقات طيبة قائمة على الاحترام المتبادل مع دول الجوار العربى، إلا أنه لم يفعل ولم يقرر أن يفعل شيئًا، للمحافظة على هذه العلاقات، وقد كان من الممكن تشكيل لجنة أو وفد لبحث العلاقات العربية مع دول الجوار، وهو ما لم يكن يكلف المؤتمر كثيرًا، لكنه لم يفعل شيئًا أيضًا للمحافظة على علاقات طيبة بين الدول الأعضاء.. هذه مجرد أمثلة، ولكن يمكن مناقشة كل عنصر من عناصر البيان الختامى.