رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف سهَّل المشرع المصرى «التوبة» من المخدرات؟


تعد مشكلة المخدرات من أعقد المشكلات التى تواجه الإنسانية فى الوقت الحاضر، ولا يكاد يفلت منها أى مجتمع، سواء كان متقدمًا أو ناميًا.
وتمس تلك الأزمة حياة المدمن الشخصية والاجتماعية من جميع جوانبها، سواء صورته فى نظر نفسه وتحديد اهتماماته وأهدافه، أو صلته مع أفراد عائلته، وبالنسبة للمجتمع، فإنها تمس أمنه، لتسببها فى زيادة نسبة جرائم العنف «السطو المسلح، والسرقة، والاغتصاب».
وتتنوع الأضرار الصحية الناتجة عن التعاطى، من بينها: «ضعف قوة الإبصار نتيجة التأثير المباشر على العصب البصرى وفقدان الرؤية، الإصابة ببعض الأمراض مثل الالتهاب الكبدى والإيدز، الاضطرابات فى الجهاز الدورى والتنفسى واضطرابات القلب، ضعف جهاز المناعة للمدمن أو المتعاطى، ما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، بجانب الموت المفاجئ أثناء تناول جرعات زائدة».
أما الأضرار النفسية فتتمثل فى: «ضعف الذاكرة والاضطراب فى التفكير، والانخفاض فى معدلات الذكاء، وتغيير فى نمط شخصية المتعاطى، حتى يصبح شخصية هستيرية يكره المجتمع وأسرته».
ويكون للطبيب النفسى الشرعى دور فى التعرض والبحث فى هذه المشاكل، لأن إدمان المخدرات عادة ما يرتبط بمشاكل جنائية وقضائية، ما يحتم على الطبيب النفسى الشرعى الإلمام بالنقاط القانونية لهذه الظاهرة، وربطها بالناحية الطبية.
ويتمثل دور الطب النفسى الشرعى، فى التعامل مع تعاطى المخدرات، فى عدة أمور، أهمها معرفة المواد المخدرة، والمشاكل القانونية المرتبطة بتعاطيه، ومراجعة التاريخ المرضى، ونسبة توطن وانتشار تعاطى المخدرات والكحول، ومعرفة الخواص الفارماكلوجية للمواد المخدرة وأسباب تعاطى المخدرات، والربط بين الجريمة والعنف وسوء استخدام المواد المخدرة.
ومن الموضوعات التى تقع فى نطاق الطب النفسى الشرعى، فيما يتعلق بتعاطى المخدرات: «معرفة بعض الأشياء المتعلقة بالمدمن وأطفاله، مثل العنف والإهمال الذى من الممكن أن يتعرض له هؤلاء الأطفال، وهل للمدمن حق فى حضانتهم أم لا؟».
ويكون الطبيب النفسى الشرعى معنيًا كذلك بتقديم تقرير عن تحليل المخدرات فى الدم والبول، وعلاقة نسبة المخدر وأهلية السائق فى الحصول على رخصة قيادة من عدمه، وتعاطى المخدرات وتأثيرها على الشخص فى مجال عمله، ومراجعة الأخطاء الطبية الناتجة عن الإفراط فى كتابة ووصف عقاقير مخدرة للعلاج، ومناظرة حالات الأطباء المدمنين، وكيفية تأثير تعاطى المخدرات على أدائهم المهنى.
وفى هذا الإطار، ينبغى الإشارة إلى سعى المشرع المصرى من خلال قانون مكافحة المخدرات رقم ١٢٢ لسنة ١٩٨٩، لسد كل المنافذ أمام الأنشطة غير المشروعة فى مجال عرض المخدرات، أو الطلب عليها، وتغليظ العقوبات الخاصة بها إلى أقصى حد ممكن فيما يتعلق بعقوبة الاتجار، مفرقًا بذلك بينها وبين عقوبة التعاطى.
ولم يقتصر على ذلك، بل شدد على ضرورة استحداث تنظيم علاجى محكم يشجع المتعاطين والمدمنين للتقدم للعلاج، بهدف صون المجتمع واستقراره، وحماية شبابه من الوقوع أو التعثر فى هذا الطريق المظلم.. طريق المخدرات.
وجرم القانون كل أشكال التعامل غير المشروع فى المخدرات، ومن ذلك: التصنيع، والترويج، والنقل، والتصدير، والجلب، والاستيراد، والحيازة، سواء الاتجار أو التعاطى أو الوساطة، أو حتى تهيئة مكان لتعاطيها، وصولًا إلى تجريم التواجد فى مكان التعاطى، ولو لم يشارك الشخص فى التعاطى.
ووضع مجموعة من العقوبات لتلك الجرائم، تصل إلى السجن من ٣ إلى ١٠ سنوات، وغرامة لا تقل عن ١٠ آلاف جنيه ولا تتجاوز ٥٠ ألف جنيه فى حالة التعاطى، أما العقوبات الخاصة بالاتجار، فتتضمن الإعدام والغرامة التى لا تقل عن ١٠٠ ألف ولا تتجاوز ٥٠٠ ألف جنيه.
كما خرج المشرع فى قانون مكافحة المخدرات على القواعد العامة المنصوص عليها فى القانون الجنائى بالنسبة لكل الجرائم، فلا يستطيع القاضى مثلًا أن ينزل عن العقوبة المنصوص عليها فى قانون المخدرات، إلا درجة واحدة فقط، بجانب إلغاء نظام الإفراج الشرطى فى جرائم المخدرات، بجانب عدم سقوط الجريمة بالتقادم.
واستحدث المشرع المصرى تنظيمًا علاجيًا يتضمن تشجيع كل من تقدم من المدمنين للعلاج، بإعلانه أنه لا مسئولية جنائية عليهم إذا ما تقدموا من تلقاء أنفسهم إلى المصحات، مع تأكيد سرية البيانات التى تصل إلى علم القائمين على العلاج.
وأجاز المشرع فى حالة من يتم ضبطه أثناء تعاطى المخدرات ويثبت إدمانه، للمحكمة، بدلًا من أن تقضى عليه بالعقوبة المقررة، أن تأمر بإيداعه إحدى المصحات للعلاج، فإذا تم شفاؤه يُفرج عنه بقرار من اللجنة المختصة، ويكون الحكم الصادر عليه كأن لم يكن.