رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفكيك المنظومة الفكرية للإرهاب


وجاءت الانتخابات بالحق، تلك التى كانوا فيها يمترون، ووقعت الواقعة يا سادة، وطالما أنها وقعت فليس لوقعتها كاذبة، ونجح المواطن «عبدالفتاح السيسى» للمرة الثانية وأصبح رئيسًا للجمهورية، هذا هو الرئيس السادس لمصر الذى به عبرنا إلى «الجمهورية الثانية»، وأظنك أيها السيد القارئ، ستظن أننى أخطأت فى العد، فوفقًا للعداد الرئاسى يعتبر الرئيس عبدالفتاح السيسى، الرئيس السابع لا السادس، ولكننى لم أقع فى أى خطأ تعدادى، فالأخ محمد مرسى لا يمكن إدراجه فى لائحة رؤساء مصر، بل كان مجرد «فاصل ونعود»، ولقد عدنا مع الرئيس عبدالفتاح السيسى ولله الحمد والمنة، عدنا لكى نعيد بناء وطن أنهكته الأطماع، وتكالب عليه الضباع، وامتص دماءه الفساد، وأضاع أمجاده الأوغاد، وانقض عليه أبالسة الإرهاب.
لم ينتخب الشعب عبدالفتاح السيسى رئيسًا للجمهورية بهذه الأغلبية، لأن برنامجه هو الأفضل، أو لأنه قدَّم فى فترة ولايته الأولى العمل الأكمل، ففى بلادنا لا نتوقف كثيرًا فى اللحظات الفارقة للأمة على البرامج، أو حتى على الإنجازات التى قام بها الرئيس، ولكننا نتوقف عند الشخصيات، ونذهب إليها، ونستشرف ملكاتها وإمكانياتها، ونبحث فيها عن كنوزها المخفية، فنستخرجها لكى يصبح صاحبها زعيمًا أسطوريًا، هكذا فعلنا عبر تاريخنا الحديث مع الوالى محمد على وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر، ولذلك فإن عبدالفتاح السيسى، لم يتقدم للشعب قبل فترة ولايته الأولى، وكذا لم يتقدم إليه قبل الانتخابات الحالية، مخاطبًا إياه كى ينتخبه لرئاسة الجمهورية، ولكن العكس هو الذى كان، فقد ذهب الشعب إلى عبدالفتاح السيسى، وكلّفه بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وهذا من الأمور النادرة فى تاريخ الشعوب، لم تحدث فى تاريخ مصر إلا مع قادة عسكريين ثلاثة هم: سيف الدين قطز الذى كان يواجه التتار، ومحمد على الذى كان قائدًا ألبانيًا واجه مع المصريين الحملة الفرنسية، ثم مؤخرًا عبدالفتاح السيسى الذى واجه مع الشعب المصرى، تتار الإخوان خوارج الأمة الذين كان الأمريكان يحركونهم لتقسيم مصر والقضاء عليها تمامًا.
ورغم الشعبية الجارفة لـ«عبدالفتاح السيسى»، إلا أنه واجه حربًا شرسة، فالإخوان اعتبروه عدوهم الأكبر، ألم يكن هو السيف الأكبر الذى أطاح بأحلامهم وأمانيهم، كما أن الأمريكان خصصوا أجهزة لشن حرب إعلامية ضده، وقد تحركت هذه الأجهزة من خلال جمعيات مدنية وقنوات فضائية وشخصيات سياسية تربت على موائد أمريكا ونما جسدها من الهامبرجر، ولكن «الشيف» الأمريكى لم ينجح بطبخته الفاسدة فى إفساد صلابة الجسد المصرى الصحيح، كما لم يستطع التأثير فى حدة «السيف» المصرى المسمى عبدالفتاح السيسى.
ثم كانت هذه هى الانتخابات، وتلك نتيجتها، وبها دخلنا إلى عصر الحداثة، ورغم الإلحاح الشديد على الرئيس السيسى أن يصنع حزبًا يكون بمثابة الحزب الحاكم إلا أنه رفض، وكان على حق عندما رفض، فذكريات الحزب الواحد والأحزاب الديكورية مؤلمة ونتيجتها كانت فسادًا وإفسادًا، ولك أن تعتبر أن الحزبية الحقيقية بدأت من عهد السيسى، ولكى تكون التجربة ناجحة، يجب أن نخلصها من سدنة الرئيس وكهنته الباحثين عن كل حاكم والممجدين لكل رئيس، أولئك يصنعون قانونًا خاصًا بهم يتحول تدريجيًا إلى قانون يحكم مفاهيم العمل السياسى، ومن هذه المفاهيم ما كانت عليه الأحزاب السياسية فى عهد مبارك، إذ كانت أحزابًا لا تسعى للحكم ولا تفكر فيه وليس مطروحًا على خريطتها تداول السلطة، ولكن أحزاب جمهورية السيسى، وإن كانت وليدة إلا أنها أخذت تشق طريقها دون عائق، ولكننا نريد منه فى فترة رئاسته الثانية، أن يقدم دعمًا للأحزاب السياسية الوطنية، ليس دعمًا ماليًا، إذ إن الأحزاب لا تريد إلا الدعم الحركى والإعلامى، وفى ذات الوقت يجب أن نفرق بين الحزب السياسى الوطنى والأحزاب الدينية، وهى أحزاب ينبغى أن تنتهى بلا عودة، وقد يكون حزب النور قد قدم عربونًا سياسيًا طيبًا فى فترة الولاية الأولى للرئيس، ولكن يجب أن يكون مفهومًا أن حزب النور الذراع السياسية للتجمعات السلفية، يعتبر أكبر مخزن يقوم بتوريد الأفراد لجماعات التطرف والإرهاب الإخوانية، وإذا كانت حكومة المملكة العربية السعودية، تسير فى خطوات ثابتة نحو القضاء على الفكر السلفى الوهابى المتطرف فى مملكتها، فالأولى ونحن أصحاب الولاية الفكرية والدينية على العالم العربى كله، أن نظل نتحسس الطريق، ونمسك العصا من المنتصف، ونحن نواجه التطرف ومراكزه وتجمعاته السلفية.
وقد يتحدث المتخصصون فى الصناعة والسياحة والاقتصاد فيما يفهمون، ولكننى وفى حدود تخصصى، أتمنى أن نبدأ بشكل حقيقى فى تفكيك المنظومة الفكرية للإرهاب، ولن يتم ذلك إلا بتضافر عدة مؤسسات ووزارات، صحيح أن الرئيس كان يدرك أن مواجهة هذا الإرهاب، لا يمكن أن تتم أمنيًا فقط، فكان أن أصدر قرارًا جمهوريًا بإنشاء مجلس قومى لمواجهة الإرهاب، وقد ضم فى هذا المجلس مجموعة من كبار علماء مصر ومبدعيها، وقد أعطى الرئيس لهذا المجلس سلطات واسعة، وجعل وزراء التعليم والإعلام والثقافة والشباب أعضاءً فيه، بحكم وظائفهم وذلك لتنفيذ قرارات المجلس، وفى ذات الوقت طلب الرئيس من الأزهر الشريف تبنى مشروع كبير للإصلاح الدينى، وفى خطبة تكليف الأزهر بالإصلاح الدينى، طلب الرئيس منه أن يقدم للأمة مشروعًا دينيًا حضاريًا، يتواءم مع العصر ويدفع الأمة للأمام، على أن يفصل بين الدعوى والسياسى، وقال الرئيس فى خطبته إنه لا يعقل أن نظل محكومين دينيًا من القبور، لأن الاجتهادات توقفت وأصبحنا ننقل ما قاله الفقهاء القدامى الذين ماتوا وشبعوا موتًا، وكانوا قد اجتهدوا لزمنهم لا لزمننا وجيلهم لا لأجيالنا، ولذلك فإن تفعيل هذا المجلس مع وضع منظومة مشتركة بخصوصه مع وزارات الأوقاف والثقافة والشباب والتعليم، ومنظومة إعلامية تتكامل مع هذا المجلس، بالإضافة إلى الاستعانة بالفنون والآداب تحت رعاية المؤسسات الثقافية والفنية، هذا هو المراد الذى أبتغيه من الرئيس السيسى، وأثق فى أنه سيقوم به إن شاء الله لأننى أعلم أنه يؤمن به.