معضلة العلاقات العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية
لا شك أن من يراقب العلاقات العربية الأمريكية فى الفترة الحالية لابد أن يصاب بالدهشة والارتباك، حيث لا يستطيع أن يفسر تصرفات الدول العربية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن العلاقات مع الأخيرة لابد أن تتعلق فى نفس الوقت بإسرائيل، لاسيما أنه ليست هناك دولة عربية سبق أن أعلنت أنها لم تعد تعتبر أن القضية الفلسطينية هى القضية المركزية.
إذا أضفنا إلى ما سبق ما عرف عن علاقة الولايات المتحدة بالتنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم داعش فى العراق وسوريا وتنظيم النصرة فى سوريا وجماعة الإخوان الإرهابية فى مصر، وإذا تذكرنا تصرفات الولايات المتحدة حيال مصر بعد٣٠ يونيو ٢٠١٢ واحتجازها معدات عسكرية تخص مصر لمدة سنتين، وخفض المعونة المتفق عليها لمصر والتى ارتبطت بتوقيع مصر على معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلى، فإن ذلك يظهر أن الولايات المتحدة كانت، وما زالت، تخل بالتزاماتها حيال مصر بينما تستمر العلاقات من جهة مصر كما لو كانت لم تفعل شيئا، وعلينا أن نضع فى الاعتبار ما قام به الرئيس الأمريكى الحالى من اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والإعلان عن أن سفارة الولايات المتحدة لدى إسرائيل ستنتقل إلى القدس فى شهر مايو القادم، وأنه من المتوقع أن يحضر الرئيس الأمريكى الاحتفال بانتقال السفارة من تل أبيب إلى القدس، وذلك رغم التحذيرات التى صدرت من الدول العربية ومن قرار مجلس الأمن الذى استخدمت الولايات المتحدة حق الاعتراض ضده.
الأكثر مما سبق تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين حول مصر بذرائع تتعلق بحقوق الإنسان، وما زالت إسرائيل تسىء معاملة الشعب الفلسطينى، بل إن تعبير «تسىء المعاملة» يعتبر وصفا مهذبا أو مخففا ولا تتوقف خطورته على ما يجرى للشعب الفلسطينى من جرائه فقط، فنجاح العدو الصهيونى فى التنكيل بالشعب الفلسطينى (وهو الوصف الصحيح لما تقوم به) واستمرار احتلاله الأرض الفلسطينية لابد أن يغريه بتكرار ما يفعله الآن مع الفلسطينيين مع شعوب أخرى، وطبعا فإن الشعوب العربية هى أول الشعوب المرشحة لكى تنكل بها إسرائيل، وإذا حدث هذا فسيندم أبناء هذه الشعوب على سكوتهم عن الجرائم الصهيونية وعلى تصوراتهم أن هذا خاص بالشعب الفلسطينى ولا ينطبق عليهم. أخيرا فإن إسرائيل باستمرار احتلالها هضبة الجولان ترسخ قاعدة لن تكون الأخيرة ولابد أن تشير إلى احتمال تكرارها، خاصة ضد مصر والأردن وسوريا ولبنان. فى المقابل نجد أن الدول العربية ما زالت تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صديقا وربما حليفا، ورغم ما صدر عن الرئيس الأمريكى بما يعتبر سبا وقذفا فى حق المسئولين ببعض الدول العربية، فإن أموال العرب تنتقل بمئات مليارات الدولارات إلى الولايات المتحدة، واستمرار اعتماد دول عربية على استيراد الأسلحة والمعدات من الولايات المتحدة يعنى أن هذه الدول يمكن أن تفاجأ بأن ما قامت باستيراده من الولايات المتحدة لتدافع به عن نفسها لم يعد صالحا للدفاع نتيجة لاعتمادها على السلاح الأمريكى فى حين أن الولايات المتحدة غير راضية عن ذلك.
طبعا نعلم أن الولايات المتحدة دولة عظمى وأنها تشكل نسبة عالية من الاقتصاد العالمى، وأنها تملك وسائل كثيرة للضغط، وأننا لا نستطيع أن ندعو، مثلا، إلى مقاطعة الولايات المتحدة، ولكننا يجب أن نجد الوسائل والأساليب التى تمكننا من إشعار الولايات المتحدة بأنه رغم الفارق فإنها فى حاجة إلى تعاوننا ربما ليس أقل من حاجتنا إليها، وأمامنا أمثلة واقعية أولها أن مصر ظلت بدون علاقات مع الولايات المتحدة فى الفترة ما بين الحرب عام ١٩٦٧ والحرب عام ١٩٧٣، وأن إيران ظلت تقريبا دون علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لفترة ليست بالقصيرة، لكننا يجب أن نجد ونشكل أساليب مختلفة، منها مثلا قصر الاتصالات والعلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة على نفس مستوى الاتصال، فالوزير الأمريكى يقابله وزير عربى، وقائد المنطقة الأمريكى يقابله قائد المنطقة العربى، بينما على الدول العربية أن تزيد من شرائها للسلع والأسلحة والمعدات غير المصنوعة فى الولايات المتحدة بقدر الإمكان، والعمل على زيادة إنتاجنا العربى من احتياجاتنا، خاصة العسكرية، وأن نزيد من قدراتنا على التعاون مع دول أخرى، وفى تصورى أن جامعة الدول العربية يجب أن تسهم بدرجة كبيرة فى هذا المجال، وأظن أنه يمكن لفت نظر الدول التى لا تعطى اهتماما لهذه الخطوات بالوسائل الدبلوماسية.