مخاطر سياسة أمريكا على أمن مصر
ما زالت الولايات المتحدة تدفع المنطقة إلى ما تحت الهيمنة الإسرائيلية، ولكن يبقى السؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة هى التى تقوم بالدفع، حيث إن بعض التصريحات الأمريكية تعطى انطباعا بأن الولايات المتحدة هى التابعة للكيان الصهيونى على عكس حقيقة القدرات، فالمؤكد أن قدرات الولايات المتحدة أكبر من قدرات الكيان الصهيونى.
ربما كان أشهر مثال إصرار الرئيس أيزنهاور عام ١٩٥٧ على انسحاب الكيان الصهيونى من قطاع غزة بعد أن ضغط عليه أيضا لينسحب من سيناء، وربما يكون التفسير الأقرب إلى العقل أن الولايات المتحدة تملك من القدرات ما يمكنها من الضغط على الكيان الصهيونى، لكن هذه القدرات يمكن تفعيلها بحيث تدفع فى اتجاه تحقيق السلام العادل والشامل، وهى يمكن أيضا أن تدفع فى اتجاه تمكين الكيان الصهيونى من مواصلة الاعتداء على نحو يحول دون تحقيق العدل والاستقرار، وبالتالى فإننا نرى أن قدرات الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت توظف لاستمرار العدوان، بل تدفع بالمنطقة والعالم نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار.
يدفعنى إلى القول بما سبق ما جاء على لسان اللفتنانت جنرال ريتشارد كلارك فى موقع «ذا شالوم سنتر. أورج» حيث قال: «إن قوات الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة الآن للموت من أجل الدولة اليهودية». ورغم فجاجة تصريح القائد الأمريكى، فالواقع يقول إن القوات الأمريكية سبقت الجنرال ريتشارد كلارك حيث سبق أن ماتت قوات أمريكية من أجل الكيان الصهيونى، ففى الحرب عام ١٩٦٧ مات ٣٤ جنديا أمريكيا من طاقم السفينة ليبرتى بنيران إسرائيلية. كما علق السيناتور الأمريكى أرنست هولدنجز بلسانه على حديث الجنرال المذكور بأن ذكرنا بأن ٤٢٤٤ جنديا أمريكيا قتلوا فعلا فى العراق من أجل تحقيق سياسة الرئيس الأمريكى بوش لتأمين إسرائيل، حيث يقول السيناتور إن العراق لم يمثل فى وقت ما تهديدا لأمن الولايات المتحدة الأمريكية، ثم يتساءل السيناتور الأمريكى: «لماذا نغزو ونحتل دولة ذات سيادة؟»، طبعا نتذكر أن الولايات المتحدة فى ذلك الوقت اختلقت قصة أسلحة الدمار الشامل، وكانت تعلم كذب معلوماتها، بل لقد عرض وزير خارجيتها ورئيس لجنة الأركان المشتركة السابق جون باول بالحديث عن أسلحة هى تعلم أنها غير موجودة، وها قد مضت خمسة عشر عاما منذ غزو العراق ولم تكتشف الولايات المتحدة أنبوبة اختبار بها عينة من أسلحة الدمار الشامل.
يذكرنا ما سبق بما تدعيه الولايات المتحدة الأمريكية من وقت لآخر بأن النظام السورى والرئيس بشار الأسد والجيش العربى السورى يستخدمون الأسلحة الكيميائية لكى تكون ذريعة لتغطية عدوان أمريكى على سوريا ومحاولة الحصول على ترخيص من مجلس الأمن لإنشاء منطقة حظر للطيران فى سوريا يؤدى إلى توفير مبرر لاستخدام الطيران الأمريكى للعدوان على سوريا، وهناك سابقة أعمال استخدمت فيها نفس العلة سواء فى العراق أو فى ليبيا، لكن وجود القوات الروسية فى سوريا حال دون تحقيق المؤامرة الأمريكية، ولكن يمكن التأكيد أن الولايات المتحدة ستحاول أن تحقق هدفها بالتفافات حول الواقع، ولقد سبق للولايات المتحدة أن تجاهلت مجلس الأمن وبدأت غزوها للعراق واستمرت فيه زاعمة أنها متأكدة من صحة معلوماتها، وهى التى ثبت خطؤها، لكن بعد أن أصاب الشعب العراقى ما أصابه. وقد ذهبت الولايات المتحدة إلى الكذب مرة أخرى فى ليبيا لتتخلص من القذافى.
أما الكذب الأمريكى فهو مستمر وهو أساس الإجراءات الأمريكية، لكننا يجب أن نضع فى الاعتبار أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يختلف عمن سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة، وربما عمن سيأتون بعده، فى أنه يسىء تقدير المخاطر التى تنجم عن سياساته التى ينبهه إليها مساعدوه الذين كانوا قبلوا بسياسته السابق إعلانها، وبالتالى فإن من المحتمل أن يدفع ترامب إلى كذبة كتلك التى ذكرها حول القدس من أجل التخلص من حكم بشار الأسد والجيش العربى السورى، وإذا كانت القوات الروسية تمثل رادعا فى مواجهة ترامب فإن ترامب قد يدفع العالم نحو مواجهة عسكرية مع روسيا فى سوريا وهى مواجهة تحمل فى طياتها الدمار واحتمال استخدام الأسلحة النووية والجيل الجديد من الأسلحة التى أعلن عنها الرئيس الروسى بوتين.
يدفعنى إلى ما سبق أن أذكر بأن مصر ظلت تعتبر أن بقاء ووحدة سوريا ضرورة للأمن القومى المصرى والعربى، فى حين أننى أرى أنه لا يمكن أن نؤثر فى السياسة الأمريكية على نحو يؤدى إلى الحفاظ على المصالح العليا لمصر المرتبطة بسوريا وفلسطين، وعلينا أن نقرر كيفية تجنب الآثار السلبية لسياسة الرئيس الأمريكى.