رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود حسين.. فأر الإخوان المسعور


من منكم يعرف شخصًا يُدعى محمود حسين؟!. سيلتفت بعضكم يمينًا ويسارًا وسيسأل مستفهمًا: من هو ذاك؟!، سأقول لكم: إنه إحدى قيادات جماعة الإخوان وأكثرهم تأثيرًا، ولكن كيف يكون شخص بهذا التأثير، والرأى العام لا يعرفه بل لم يسمع عنه إلا نادرًا!. أقول لكم: إن هذا هو أحد أسرار قوته، ففى التنظيمات السرية تكون لقيادات النظام السرى دورها ووظيفتها، ويكون للبعض الآخر وظيفة التعاطى مع الرأى العام وخديعته بالخطاب اللين لتقديم صورة زائفة عن الجماعة.
كان الرأى العام عبر سنوات طويلة يعرف من الإخوان عبدالمنعم أبوالفتوح، وعصام العريان، ويوسف القرضاوى، ومهدى عاكف بتصريحاته الغاضبة وصوته المبحوح المتبرم، وخيرت الشاطر بأمواله ووجهه المكفهر، حسن مالك بتجارته الواسعة وعلاقاته المتعددة بمجتمع رجال الأعمال، ثم سمع الرأى العام بعد ذلك ورأى محمد البلتاجى بابتسامته البلهاء وتهديداته الحمقاء، وصفوت حجازى، ومن بعد هؤلاء عرف الرأى العام شخصيات كرتونية مثل حازم صلاح أبوإسماعيل، وصبحى صالح وغيرهما من أنصاف الرجال، وظلت بعض الشخصيات معروفة اسمًا دون أن يعرف أحد تاريخها وفكرها مثل محمد بديع، المرشد الأخير للجماعة، ومحمود عزت، الهارب المختفى، إلى أن استيقظنا ذات يوم لنعرف أن هناك رجلًا اسمه محمد كمال هو قمة التطرف والإرهاب، ووصل إلينا أن هذا الرجل هو الذى كان يدير التنظيم السرى المسلح للجماعة، وأنه بهذه الإدارة أصبح صاحب سلطة ومكانة فى تلك الجماعة الفقيرة إنسانيًا، وكان سقوطه صريعًا وهو يواجه الشرطة المصرية نهاية متوقعة، والجزاء، كما يقولون، من جنس العمل.
ومع ذلك تبقى شخصيات لها تأثير كبير فى الجماعة الضالة، إلا أن الرأى العام لا يعرفها، والذى أقصده هنا هو محمود حسين، أحد الثلاثة الكبار الذين يديرون التنظيم السرى للجماعة، وكان قد فر هاربًا إلى قطر ثم إلى جنوب إفريقيا التى استقر مقامه فيها فترة، ثم ذات يوم هبط إلى تركيا ليكون أحد رعاياها، وفيها تقابل مع أردوغان الذى أسبغ عليه حمايته، ومن الغريب أن الفريق الآخر من الجماعة، وأقصد فريق محمد كمال اتهمه فى ذمته المالية، وكتبوا عنه أنه تقاضى من قطر عدة ملايين من الدولارات لينفق منها على الجماعة فزعم أن هذه الملايين إنما أعطيت له هدية، ولذلك أنفقها على نفسه وأقام بها عقارًا شامخًا فى تركيا جعله مقرًا له!.
يعيش محمود حسين فى تركيا تاركًا شباب جماعته يقاتلون، من أجل أن يسترد سيادته وإخوانه الحكم الذى نزعه الشعب منهم!، وهؤلاء الشباب الذين تم مسخ عقولهم لا يفكرون ولا يتعجبون حتى من اختفاء القادة ودفعهم هم للقتال، وقد كان محمود حسين هو أحد الصحبة التى هربت قبل الثلاثين من يونيو، هرب معه محمود عزت الذى أصبح أشهر قادة الإرهاب فى العالم، ومحمود حسين الذى لم يعرفه أحد من قبل، فلم يحدث أن كتب كتابًا أو ألقى خطبة أو قام بعمل سياسى وسط الجماهير، لم يكن غريبًا أن يصبح ذلك المجهول هو أمين تنظيم الجماعة، فإذا كانت الجماعة سرية فمن الطبيعى أن يقودها مجهول لمصير مجهول، ومن تصاريف جماعة الإخوان أن محمود حسين هذا هو أحد الأبناء الكبار بالتبنى لسيده وتاج رأسه المرشد الراحل مصطفى مشهور، الإرهابى الأكبر فى العصر الحديث، وقد كان مشهور يطلق على محمود حسين لقب «صقر الجماعة» أما أنا فأطلقت عليه لقب الفأر المذعور!، فالفئران هى التى تهرب، وقد هرب مذعورًا من مصر إبان ثورة يونيو.
ولد محمود حسين لأم فلسطينية فى فلسطين وعاد به أبوه المصرى بعد عام ١٩٦٧ ليعيش فى رفح المصرية، ومنها انطلق هو وأسرته إلى أسيوط ليلتحق بكلية الهندسة، لم تكن لحسين علاقة فى السبعينيات بالعمل الطلابى أو السياسى، كما لم يعرفه أحد مهتمًا بالعمل الإسلامى، فقد كان يعيش «جنب الحيط» كما وصاه أبوه، فكان أن ابتعد عن كل أشكال النشاط الإنسانى مخافة أن يتأخر فى دراسته، وعن طريق أحد أصدقائه التقى بمصطفى مشهور الذى كان يجوب محافظات مصر ليشكل من خلال جولته تنظيمًا إخوانيًا خاصًا به هو وحده دون غيره، أو قل كان يقيم لنفسه دولة داخل الدولة، وفريقًا داخل الفريق وتنظيمًا داخل التنظيم، وكان رجاله آنذاك هم محمود عزت ومحمد بديع ورشاد البيومى وجمهرة من السريين.
وضع «مشهور» محمود حسين تحت الاختبار الإخوانى فترة طويلة، ووجده مطيعًا طيعًا لينًا، فضمه إلى رجاله وأوكل أمره إلى محمود عزت الذى أصبح لفترات طويلة مسئوله المباشر ونقيبه وولى أمره فى الجماعة، ومن خلال تبعيته لعزت تلقى أفكار سيد قطب، ثم قرأ «كراسة التوسمات» لشكرى مصطفى، صانع تنظيمات التكفير فى السبعينيات، وشرب كل ما فيها من ماء آسن، وبعد أن مر بكل الاختبارات التنظيمية جاء عام ١٩٧٨ ليشهد دخول محمود حسين إلى كهف جماعة الإخوان السرى، ثم ليقبع من بعد فى أحضان أستاذه مصطفى مشهور.
وبعد أن دخل الوافد الجديد محمود حسين إلى كهف الجماعة وتقلب فى نعيمها الافتراضى سافر إلى أمريكا من أجل الحصول على الدكتوراه فى أحد التخصصات الهندسية، ومن خلال منظمة الإخوان الوليدة هناك بدأ فى التعرف على العمل الإخوانى وأفراده وجنسياتهم، ثم عاد ذلك الشاب الواعد إخوانيًا إلى مصر بعد وفاة عمر التلمسانى، والملاحظ أن كل رجال مشهور عادوا من الخارج بعد وفاة التلمسانى مباشرة ـ فأوفده مشهور إلى أسيوط ليتم انتخابه مباشرة كعضو بالمكتب الإدارى بها، وبعد فترة قصيرة ظهر محمود حسين بدور أكبر حين تولى بعد ذلك بسنوات رئاسة المكتب الإدارى لأسيوط، وأصبح بعد نجاحه فيها أحد أهم رجال المخابرات الإخوانية، أو قل هو رئيس المخابرات الحقيقى فى جماعة الإخوان.
أما المهام التى أسندت لمحمود حسين، الأمين العام للجماعة، فكلها مهام استخباراتية، كان أولاها إنشاء قسم يختص بتحليل المعلومات، ثم تدريب بعض الكوادر على الانضمام لأحزاب وكيانات سياسية مختلفة التوجهات للتجسس عليها ونقل كل ما يتعلق بتحركاتها وتحالفاتها للجماعة، ثم وضع مخططًا تفصيليًا لأخونة كثير من مؤسسات الدولة خاصة مؤسسات الشرطة والرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات، والتليفزيون المصرى، وكان هذا المخطط قد بدأ منذ سنوات ولكن فى عهد محمود حسين تطور الأمر وتنوعت المؤسسات المخترقة، واستخدم فى ذلك مقولة كان قد اشتهر بها هى: «من لا تستطع أن تشتريه بالدين تستطع أن تشتريه بالمال».