«أجانب» العملية الشاملة
تابعت مصر، ومن ورائها أمتها العربية والمنطقة، بل العالم، بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة حول «العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨»، وكان من الطبيعى أنه بقدر ما أجابت البيانات عن أسئلة دارت وتدور فى ذهن المتلقى للمعلومات، بقدر ما أثارت أسئلة لدى الجميع سواء أكان مؤيدًا أو معارضًا، مشجعًا أو حاقدًا، وفى تصورى أن الأسئلة ستستمر ولن تتوقف، فالأمر يتعلق بالأمن، وبالتالى يتعلق بنوع الحياة، والمخاطر التى يمكن أن يقابلها، والعملية الشاملة تتميز بالشمول، أى أنها تمس أغلب، إن لم يكن كل، جوانب الحياة، وتتعلق بكل الأجيال وتتعلق بالعلاقات مع الغير، وهكذا لا بد أن نعود إليها مرة أخرى، بل مرات أخرى.
لا شك أن المستمع لبيانات القيادة العامة للقوات المسلحة، والمتابع للمؤتمر الصحفى الذى عقد، اهتم بما جاء فى البيانات عن المقبوض عليهم، وعن أن من بينهم أفرادًا من جنسيات أجنبية، وقد تساءل أحد الصحفيين عن هذه الجنسيات إلا أنه لم يحظ برد شافٍ، وكان هذا يعنى أن القوات المسلحة والدولة لا تريد أن تفصح عن الجنسيات الأجنبية التى قبض على أفراد ينتمون إليها، وأن لها أسبابها فى ذلك، ولكنى أتصور أنه لو أن الأمر مفتوح لكان السؤال لا بد أن يسعى إلى تصنيف جنسيات الأجانب المشتركين فى أعمال الإرهاب فى مصر، فبعضهم سيظهر أنه جاء دون أن يكون هناك دور للدولة التى ينتمى إليها، ويمكن أن ينكشف الدور عند التحقيق معه، حيث يمكن معرفة طريق وصوله إلى أراضينا، والسلاح الذى يحمله ودوره فى العمليات الإرهابية، كما لا بد من سؤاله عمن سهل له الوصول إلينا ودوافعه، وأتصور أن علاقاتنا ببعض الدول يمكن أن تتغير نتيجة لانكشاف دور الدولة التى ينتمى إليها أو التى ساعدته أو موّلته أو سلّحته أو دربته. وهنا يهمنى أن نتعرف على دور الدول التى نسميها «دول الجوار الجغرافى»، وهى جوار الدول العربية، حيث إن مصر محاطة بدول عربية باستثناء العدو المحتل فى فلسطين، وهو دولة دخيلة ولا نعتبرها من دول الجوار.
ولكن هذا يجب ألا يمنعنا من التأكد أولًا من احتمال أن يكون هناك أفراد مدفوعون من دول عربية، وهنا لا أقصد المدفوعين من قطر فهم متوقعون، ولكن البحث عما إذا كان هناك غيرهم من دول عربية أخرى، ويبقى بعد ذلك البحث عن الدول الإفريقية، فالدول الإسلامية والدول العظمى.
يحضرنى فى الحديث ما جاء فى بعض وسائل الإعلام عن العلاقة مع تركيا من دول الجوار الجغرافى، خاصة بعد أن أثارت تصريحات مسئوليها جدلًا حول معاهدة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، وقد ظهرت قيمتها فى الأزمة، وطالب البعض بمقاطعة المنتجات التركية سواء من مصنوعات أو منتجات ثقافية، خاصة المسلسلات التليفزيونية، كما أثار البعض موضوع جزيرة سواكن السودانية واعتبر اتفاق السودان مع تركيا على أن تقوم الأخيرة بتجديد جزيرة سواكن تحرشًا بمصر، وهنا فإنى أتصور أننا يجب أن نكون أكثر ثقة فى أنفسنا وإدراكًا لمزايا موقعنا وأثره، حيث أتصور أن جزيرة سواكن السودانية لا تتسع كثيرًا لقوات عسكرية، وأنها فى حال عسكرتها، فإن مصر بحكم موقعها الجغرافى، وحتمية مرور أى مطالب لـ«سواكن» من تركيا عبر قناة السويس من حقها اعتراض أى شىء تركى يتجه إلى «سواكن». هكذا فإننا يجب ألا نسارع باتخاذ إجراءات ضد تركيا تتجاوز حجم الأزمة، وهو مبدأ ضرورى فى العلاقات الدولية، حيث يجب أن نسعى إلى أن تكون العلاقة طيبة ومتعاونة، مع الاستعداد لمواجهة أى عمل عدائى، وهو ما لا يمكن استبعاده، لكن ليس هو القاعدة، وهو ما كان فى العلاقة مع تركيا لحين بدء الأزمة السورية الأخيرة ٢٠١١، لكنها أسفرت عن عدائها، وكان لا بد من مواجهة العداء من تركيا، ولكن دون تجاوز ما تقوم به.
وحين نطبق المبدأ على إيران، نرى أن إيران دولة جوار جغرافى، بينها وبين دول عربية مثل مملكة البحرين ودولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر بعض الخلافات والمشاكل، ويكون الحل إما عن طريق الحوار، أو عن طريق الحرب، وأظن أننا لسنا راغبين فى حرب مع إيران، خاصة أن إيران لا تعتدى على أى بلد عربى، وعلينا أن نستعد لمعاونة أى بلد عربى يتعرض لعدوان من إيران أو من غيرها. وأظن أن العملية الشاملة لا بد أن تكون قد توصلت لنفس النتيجة.