رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: من سوق الفراخ.. خطوة لسوق الحديد

محمد العسيري
محمد العسيري

لا حديث فى الشارع المصرى البسيط الآن يعلو على صوت الفراخ.. آه والله.. صوت الفراخ المجمدة التى صارت أشهر من فرخة طارق نور الشهيرة بتاع الإعلان الشهير إياه.
ثلاثة أيام ويزيد.. والناس تسأل: هيه الفراخ دى بجد.. يعنى فيه فرخة سليمة بـ١٢ جنيه.. يعنى الصلاحية اللى مكتوبة عليها تمام.. وعلى الخط دخل متآمرون ووطنيون وأصحاب مصالح.
اتحاد منتجى الدواجن.. هدد.. وتوعد.. وأزبد كعادته عن صناعة بالمليارات وعمالة بالملايين سيتم خراب بيوتهم.. دون أن يجرؤ أحد من هؤلاء على القول بأنهم «ولعوا السوق».. وأرهقوا كاهل الغلابة.. وساهموا فى ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك أيضًا.. والمستوردون أيضًا ارتعشت فرائصهم وسربوا شائعاتهم.
وقال رجال مخلصون أيضًا عن سر انتشار هذه العربات التى تبيع الفراخ.. وعن المستورد.. وهل هى الحكومة.. أم جهة سيادية.. أم مَن؟.. ثلاثة أيام والناس هايصة ولايصة فى «مرق» الفراخ المجمدة اللى جت من البرازيل وتباع على الأرصفة.. ثم خرج مسئولو وزارة التموين أخيرًا ليكشفوا عن الأمر.. خيرًا فعلوا وإن كانوا قد جاءوا متأخرين كالعادة.. ولم ينته الأمر.. ولن ينتهى قطعًا.
لكن هناك جانبًا حسنًا جعل البعض يتساءل: إذا كانت الدول تستطيع التدخل بهذه الطريقة وفى توقيت جيد لضبط السوق وتوفير سلعة استراتيجية مهمة.. فلماذا لا تفعل نفس الأمر فى سلع أخرى.. أثرت فى حياة المصريين بشكل قاتل؟!
أحدهم قال لى بصدق: هل تعرف أن كل من كان يعمل بمليون جنيه فى سوق العقار.. خرج من السوق؟.. هل تعرف أن سعر متر الشقة فى الصحراء زاد على الخمسة آلاف جنيه.. ووصل فى بعض الأماكن إلى عشرة آلاف؟.. فلماذا لا تتدخل الدولة بنفس المنطق وتوفر الحديد.. حديد التسليح يعنى؟.. لماذا تترك السوق لتلاتة أربعة من «الصناع» يتحكمون فى سعره الذى قفز إلى أرقام غير مسبوقة وأُوقف العمل فى كل شبر فى مصر.. بل زاد أحدهم وسأل: لماذا لا توفر الدولة الحديد لنفسها فى العاصمة الإدارية بسعر أرخص عن طريق الاستيراد.. أو عن طريق خفض رسوم الإغراق ولو لفترة زمنية محددة على الحديد القادم من أوكرانيا مثلًا؟!
فجأة قفز إلى ذهنى حوار دار بينى وبين رجل الأعمال الشهير جمال الجارحى منذ عامين فى مكتبه.. وقتها أخبرنى الرجل بأنه على وشك إغلاق مصانعه لأنه لا يستطيع أن يفى بأجور العاملين وعددهم بالآلاف.. وأن الدولة- الحكومة يعنى- تتعنت معهم لأنها لا تريد أن توفر لهم الكهرباء والغاز بأسعار معقولة.. وشرح لى كيف أنهم جلسوا مع وزير مهم ثلاث مرات دون جدوى.. وأنه لا حل أمامهم سوى الإفلاس وتشريد العمال.
كتبت يومها مقالًا طويلًا أساند الرجل ومن هم مثله.. ويبدو أن المياه قد تحركت فى المجارى.. ويبدو أن الحكومة وفرت لهؤلاء ما يريدون.. فعادوا للعمل مجددًا وعادت إعلاناتهم تملأ شاشات الفضائيات بكثافة تصل إلى حد الاستفزاز.. وامتلأ الشارع بالإشاعات مع كل جنيه زيادة فى سعر طن الحديد.. وقيل إن الإنتاج كله تم سحبه للعاصمة الإدارية.. فتوقف القطاع الأهلى عن العمل تمامًا فى كل ربوع مصر.. وجنى هؤلاء المليارات وعوضوا خساراتهم السابقة قطعًا، لكنهم لم يتوقفوا عن زيادة الأسعار.. مما جعل الناس تسأل بعد قضية الفراخ.. لماذا «تدلع» الحكومة هؤلاء على حساب العاملين فى ١٨٠ مهنة ترتبط بسوق العقارات فى مصر؟.. لماذا تسمح لهم بذلك ليصبح حلم امتلاك شقة من المستحيلات؟.. ومن سيقف بجوار وزارة الإسكان حتى تضيق تلك الفجوة بين ما هو متاح وما يحتاجه الناس من مساكن؟.
باختصار ما يقال عن سوق الفراخ.. يقال عن سوق الحديد.. ويقال أيضًا عن سوق الدواء التى تعانى من نقص شديد فى أصناف قاتلة للمرض.. عدم وجودها يهدد الملايين بالموت غير الرحيم.. فلماذا تترك الدولة- الحكومة يعنى- السوق لحفنة من البشر.. وتذهب فقط لسوق الفراخ؟.
عشرات من الأسئلة لا أملك إجابة عنها.. وتحتاج إلى مكاشفة من الحكومة.. وبسرعة حتى لا تترك الشارع نهبًا للمتآمرين والجهلة.
المعلومات لم تعد خافية لدى الجهات المسئولة الآن.. فالفوضى التى سادت لسنوات لغياب المعلومات أعتقد أنها انتهت الآن.. فقط تحتاج إلى شجاعة المواجهة.. والكشف.. فغذاء الناس ودواؤهم وأرزاقهم أمن قومى لو كنتم تعلمون.