رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صحوة ألمانية ضد التنظيم الدولى للإخوان


فى الوقت الذى تظهر فيه أصوات بين الحين والآخر، تُروج وبمعنى أدق تعيد تدوير الوجه الإخوانى القبيح، أو فى أقل الأحوال تدعو لمنطق تصالح مجتمعى معهم، باعتبارهم مكونًا لا يمكن التخلص منه- يبدو ذلك وكأنه فخ اعتيادى جاهز لالتقاط أقدام الغافلين طوال الوقت.

فمن ظلَلنا طويلًا نُلقى عليهم باللائمة لإفساحهم المجال أمام النشاط الإخوانى الدولى، كى يعمل على أراضيهم، ويحقق تمددات دولية ظلت تؤثر وتصنع قوة التنظيم على أراضينا- بدأوا مؤخرًا بعد أن جرت مياه كثيرة فى نهر الأحداث الدولية، يغيرون من مواقفهم، قد يكون ذلك ليس بالصورة الكاملة التى تقضى على المشروع الإخوانى، لكنه فى كل الأحوال، بدأ يشكل ثقبًا فى جدار الحماية، وإفساح المجال الذى ظل طوال عقود حاضرًا على أراضى تلك الدول.

«مشروع كلاريون» الأمريكى المتخصص فى شئون مكافحة التطرف، أشار مؤخرًا إلى أن «وكالة الاستخبارات الألمانية» بدأت تعترف بأن تنظيم «الإخوان المسلمين» منظمة مخادعة ومتطرفة، وأوضح التقرير الصادر فى الولايات المتحدة أن «مكتب حماية الدستور» فى بافاريا أكبر ولاية ألمانية، أصدر للمرة الأولى تقييمًا لتنظيم الإخوان المسلمين فى ألمانيا على هذا المستوى، مستندًا فى ذلك إلى تقارير استخباراتية محلية طلبها عام ٢٠١٧م، ليعكف بعدها على وضع رؤيته التى خلصت إلى مجموعة من النتائج، ربما تظهر لأول مرة فى وثائق ألمانية رسمية على هذا المستوى.

ما جاء كمقدمة للتقرير الألمانى، يوضح أن «مكتب حماية الدستور» على المستوى الفيدرالى كما على المستوى المحلى، كان قد خلص سابقا، طوال عقود، إلى أن الإخوان المسلمين أشخاص معتدلون ينبذون العنف.. لكن هذا المكتب الذى يشكل جزءًا من وكالة الأمن الداخلى الألمانى، اعتمد الآن إصدار تقرير جديد يشير فيه إلى أن الجماعة الإسلامية، التى هى واجهة الإخوان المسلمين فى ألمانيا، تقدم نفسها كونها منظمة معتدلة تشجع على الحوار، لكنها فى حقيقة الأمر تخفى أهدافها الحقيقية فى ألمانيا والغرب.
فما خلص إليه ويعد استنتاجًا، ورد بالتقرير الألمانى، أن هذه الأهداف ليست مختلفة عن تلك الأهداف الرامية لنشر الكراهية والعداء مع الآخر، وهى ذاتها التى دعا إليها مؤسس التنظيم حسن البنا. مع الإشارة إلى أن جذور تنظيم الإخوان المسلمين فى ألمانيا تعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، عند إنشاء مجموعتين إخوانيتين، واحدة فى مدينة «ميونخ» والأخرى فى «ويستفاليا» فى شمال غرب ألمانيا. كما يفصل التقرير بعد ذلك، أن تنظيم الإخوان بات يملك اليوم فروعًا فى معظم المدن الألمانية الكبيرة، بالإضافة إلى عدد من المجموعات التى تشكل واجهة له. ويذكر فيه نصًا: «بالرغم من أن الجماعة الإسلامية تحافظ على مسافة من الفضاء السياسى فى ألمانيا، لكنها تنخرط فى التواصل مع أحزاب سياسية مختلفة، ومع عدد من صناع القرار، لتوسيع مساحات نفوذها فى البلاد».
التقرير الألمانى استند إلى الرصد الاستخباراتى المحلى، الذى حدد مؤخرًا ما ينشط فيه عناصر تنظيم الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث تظهر تعليقات مختلفة للكثير من عناصره التعاطف مع منظمات إرهابية، معظمها يعمل ببلدان الشرق الأوسط، لكن منها من قام بتنفيذ عمليات إرهابية داخل بلدان الفضاء الأوروبى ويقصد بذلك ـ تنظيم داعش ـ بالإشارة إلى العمليات التى نفذتها «الذئاب المنفردة» وتبناها تنظيم «داعش» لاحقًا.
كما يرصد التقرير نشاط أعضاء الإخوان المسلمين بين معسكرات ومجتمعات اللاجئين، وكيفية وحجم ما يمدون به شبكة التواصل بينهم، من خلال تقديم مجموعة من الخدمات الهامة والعاجلة للوافدين الجدد تتعلق بالإقامة وتوفير أماكن للعمل.
فى جزء لاحق بالتقرير الألمانى المهم، حرص على تسجيل مجموعة من الشهادات والتعليقات. بدأها بما سجلته «البروفيسور سوزان شروتر» مؤسسة ومديرة «مركز فرانكفورت للأبحاث حول الإسلام العالمى»، من أن «الإخوان المسلمين أسياد التمويه على مستوى نشاطاتهم التنظيمية، وأهدافهم السياسية. ويصبحون أكثر شفافية حول أهدافهم مع تحسن وضعهم السياسى، لكنهم يصورون أنفسهم معتدلين متسامحين فقط حين يكونون أقلية، كما هو وضعهم فى المجتمع الألمانى». وأضافت: «فى الخارج، تبدو منظماتهم المختلفة كأنها غير متصلة ببعضها، حيث تصور نفسها كمجموعات شعبية اعتيادية معنية بالرفاه الاقتصادى للسكان المحليين، من أجل اختراق المجتمعات والتأثير عليها». كما لفتت «شروتر» النظر فى نهاية تعليقها؛ إلى أن الجهود الإخوانية فى التقرب من الأحزاب السياسية، والوجوه البارزة فى ألمانيا، استطاعت أن تحقق بعض الدرجات من النجاح.
شهادة أخرى وردت فى التقرير الألمانى، حيث توجه فيه ببعض من الأسئلة لأحد التنفيذيين يستوضح منه الإجراءات القانونية التى تقوم بها السلطات الألمانية، تجاه تلك الظاهرة التى ظلت تتمدد خلال سنوات مضت دون أن يتصدى لها المعنيون بالأمر. وهنا كانت إجابات «غنثر بكشتاين» الذى شغل منصب «رئيس وزراء بافاريا الأسبق»، الذى ذكر أنه فى العام ٢٠٠٥م، منعت حكومة بافاريا نشاطات واحد من أكبر المراكز الإسلامية فى الولاية، ويدعى «البيت الثقافى التعددى» بسبب علاقته بالإخوان. عندما جاء فى تقرير الشرطة فى ذلك الحين، أن المركز فى مراقبة نشاطه على مدار عام كامل كان ينشر التطرف والكراهية.
واعترف رئيس الوزراء الأسبق بالتهديد الذى يفرضه تنظيم الإخوان على المجتمع الألمانى، وأنه استند إلى ذلك فى إغلاق مدرسة إسلامية فى مدينة «ميونخ» بسبب إدارتها الإخوانية فى العام ٢٠٠٨م.
هل ننتظر تغييرًا جذريًا فى السماح الألمانى تجاه تنظيم الإخوان المسلمين؛ استنادًا إلى ما ورد بهذا التقرير؟ فربما لم يصدر تقرير بهذا القدر من الأهمية من قبل، وقد تظل حجرًا أوليًا فى بحيرة راكدة، تمددت وتلونت وحققت اختراقات شديدة الخطورة والفاعلية، لكنها حتمًا ستبدأ رويدًا فى تحقيق ما يمكن استثماره والبناء عليه.