القانون يثأر من مخالفيه
يعتبر الأسبوع الرابع من شهر يناير أسبوعًا مهمًا فى عام ٢٠١٨، حيث كان حافلًا بالكثير من الوقائع، وربما كان من أهم ما اشتمل عليه الاحتفال بعيد الشرطة وعيد «ثورة ٢٥ يناير»، وما اشتمل عليه من خطب الرئيس وتكريم لأسر الشهداء من أبناء الشرطة، والإعلان عن ترشح رئيس الجمهورية لفترة رئاسية ثانية، وإعلان الفريق سامى عنان ترشحه، ثم الإعلان عن عدم قانونية ترشحه، ثم انسحاب المحامى خالد على من الترشح للرئاسة، ثم الحديث عن ترشيح مرشح من حزب الوفد، بعد أن تقدم البعض لتوقيع الكشف الطبى تمهيدًا للترشح للرئاسة، قبل أن يتراجع الحزب عن القرار، والله وحده يعلم ما ستسفر عنه الأمور.
رغم أنى سبق أن عبرت عن رأيى بأنه من اللازم أن يستمر الرئيس السيسى لفترة ثانية، حتى يكمل ما بدأه من مشروعات، وحتى يمكن أن نحكم على التجربة، وأننى بلا شك ما زلت مصرًا على رأيى، فإن فى رأيى أن بعض ما يجرى يشير إلى بعض ما يجب الاهتمام به، وإن كان ممكنًا تعديل بعض ما تم، أو على الأقل الاستفادة من الدرس للمستقبل، وربما أستطيع أن أقول إن الإصلاح الاقتصادى يتطلب اهتمامًا آخر بالحياة السياسية، أدّعى أننى سبق أن كتبت فى ذلك ودعوت إليه.
رغم أن الدستور حدد كيفية انتخاب رئيس الجمهورية وتوقيته، فإن الأمر يبدو كما لو كان كل السياسيين فى مصر فوجئوا بالانتخابات الرئاسية، فمن الواضح أن أحدًا لم يضع برنامجًا يقدمه لكى ينتخب، وهو أمر يحمّل القيادة السياسية عبئًا يزيد من مسئولياتها إلى تنبيه العناصر السياسية من أحزاب وغيرها، خاصة مراكز الدراسات السياسية، بما يجب أن تقوم به من تقديم الدراسات والتوصيات لبعث الحياة والعملية السياسية فى مصر، حيث ليس من المعقول ألا نجد أكثر من حزب سياسى واحد مستعد لانتخابات رئاسية فى موعدها، ويزيد من ثقل وأهمية المهمة أن مصر بها أكثر من مائة حزب سياسى، ولكنها أحزاب عديمة القيمة، وأظن أن القانون يستطيع أن يجد حلًا للمشكلة.
أزعجنى أن أجد من يتصور أن ما تحدث عنه الرئيس من ثأر مصر من الذين يضرون بأمنها، يعنى إطلاق أيدى الأجهزة الأمنية بما يتجاوز ما نصت عليه القوانين، فى حين أنى تصورت، وأؤمن، بأن مقصد الرئيس هو التطبيق الصارم للقانون بما لا يسمح لأحد بالاستهانة بالقانون وبأمن مصر، فأمن مصر لا يحمل معنى الانتقام، ولكن يعنى تطبيق القانون بقوة وبلا استثناء، وأن الدولة لا تنتقم، بل إن القانون يكفيها الحاجة إلى الانتقام بتوقيع العقوبة الزاجرة والرادعة.
أوضح تصرف بعض كبار المسئولين، أنهم قد جانبهم الصواب سواء فى الترشح أو فيما جاء بخطاباتهم، خاصة فيما يتعلق بالقوات المسلحة، وأن البعض - على الرغم من أنه تقلد منصبًا رفيعًا بالدولة- نسى أن الدولة حينما تستدعيه بعد التقاعد للعمل العام فهو شرف لكل من تستدعيه، وهو ما كان يجب أن يراعى ويتناسب مع هذا الوضع، وكنت آمل أن يجدوا من ينبههم إلى الخطأ قبل أن يقعوا فيه، وهذا حرصًا على مَن يتولون المناصب الرئيسية والعمل العام فى الدولة، قبل أن يكون حرصًا عليهم، خاصة أنه ليست هناك ضمانات بأن تسند مثل هذه المناصب إلا لمن يستطيع أن يقدر قيمة الوظيفة والمسئولية.
كنت أود أن ينبههم أحد قبل أن تقع الفأس فى الرأس كما يقولون، فإذا أصروا فإنه يمكن معاملتهم بأشد من ذلك، وليتذكر البعض أن مصر لديها خبرة فى محاسبة كبار مسئوليها، لدرجة أنها حاكمت رئيسين فى وقت واحد، وحاكمت نائب رئيس جمهورية، لكن هذا لا يمنع من إمكان تذكير كبار المسئولين بمتطلبات القانون ربما عن طريق استشاريين قانونيين.
يبقى أن البعض قد انتقد عمل القوات المسلحة فى المشروعات التنموية، وأظن أن الأمر مقنن بما لا يجعله باطلًا، ولكن أتذكر أن الدول تلجأ إلى قواتها المسلحة فى ظروفها الطارئة، وأن مصر تعيش ظرفًا طارئًا شديدًا، بعد ما أصابها فى يناير ٢٠١١، ولا حل إلا بتحقيق أكبر معدل من الإنجاز والفاعلية، وهو ما يكاد لا يتحقق إلا فى القوات المسلحة، بما يجعل أكثر المطالبين بالتفرغ للعمل العسكرى البحت يرى ضرورة الاعتماد على القوات المسلحة فى الوقت الحالى حتى نضع الأسس لحياة تنموية سليمة.