رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تهنئة من مسلم لأقباط مصر


هذا المشهد العبقرى الذى ختمنا به العام يجب أن نعيده ونظل نتذكره دائمًا، فعم صلاح الموجى ذلك المواطن المسلم البسيط، يهجم بفروسية على الإرهابى الذى هاجم كنيسة حلوان، لم يفكر عم صلاح فى حياته ولو للحظة، بل فكر فقط فى السيطرة على الإرهابى وشل حركته، هذا المشهد هو التهنئة الحقيقية من مسلم لكل أقباط مصر بعيد الميلاد المجيد، ومع ذلك فإننى لست من المؤيدين لفتوى دار الإفتاء التى تسمح بتهنئة المسلمين للأقباط بأعياد الميلاد، لا تتعجب!

أنا معترض فقط على أن يلجأ مسلم إلى المفتى كى يسأله عن أمر إنسانى ومشاعرى ووطنى، وكأنما الدين قد تحول على يد كهنة المعبد إلى سياج كبير أو سجن ضيق، حيث نضطر بسببه إلى اللجوء للمفتى لسؤاله عن كل كبيرة وصغيرة فى حياتنا!.

ومع ذلك فإن المسألة أصبح لها بُعد آخر، ذلك أن تراكم الفتاوى المسيئة عبر عقود أدى إلى خلل فى العقلية المسلمة، خاصة بعد أن تسلطت الأفكار السلفية على عقول العوام، فمن ابن حنبل لابن تيمية لابن خزاعة لابن السميدع حتى وصلنا لابن الوهابية وابن البنا وابن لادن وابن قطب، وعبر هؤلاء كلهم تناثرت وتكاثرت الفتاوى التى تحرم تهنئة المسيحيين بكل أعيادهم، وتحريم الترحم عليهم، وتحريم إلقاء السلام عليهم، ثم انتقلت هذه الفتاوى لمرحلة أخرى على يد الحوينى بن حجازى، وياسر بن برهامى، ومحمد بن حسان، وحسين بن يعقوب، هذه المرحلة هى مرحلة تكفير- وليس تحريم تكفير- كل من يقوم بالتهنئة، أى أنه بمجرد أن قام بالتهنئة وهو خالى البال إذا به ينتقل «أوتوماتيكيًا» إلى خانة الكفر، وطبعًا لأنه كافر فلن تنفعه صلاته ولا صيامه ولا حجه ولا حتى شهادة أن لا إله إلا الله، التى يتلفظ بها بلسانه وقلبه كل يوم عشرات المرات، لأن عبادة الكافر غير مقبولة.
وأذكر أننى قرأت فتوى من عبدالرحمن البر، مفتى الإخوان القابع الآن فى السجون جراء قيادته الإرهابية لإرهاب الإخوان، وتحريضه ضد الوطن الذى تمثل فى فتاوى تحريضية تبث الفتنة والكراهية فى مصر، وكانت هذه الفتوى فى زمن الإخوان، ذلك الزمن الذى عاشوا فيه فى مرحلة الاستعلاء على كل الوطن، كانوا فى قمة الغرور والغطرسة، وكانت فتوى عبدالرحمن البر تُحرِّم على المسلم تهنئة المسيحى بعيد القيامة المجيد، فكتبت وقتها خطابًا وجهته له وأرسلته له عبر البريد الإلكترونى ثم نشرته فى إحدى الصحف، وكان مما قلته فى هذا الخطاب (الأخ عبدالرحمن البر مفتى جماعة الإخوان وصاحب العديد من الفتاوى الغريبة، والطامع فى مقعد شيخ الأزهر، أصدر فتوى بتحريم تهنئة الأقباط بـ(عيد القيامة المجيد) ولأننى لم أفهم سبب التحريم، إذ الحلال بيّن والحرام بيّن، فقد راجعتُ ما تعلمته فى كتب الفقه عن الإباحة والحرام، فوجدت أن أول شىء يدرسونه لصغار طلاب العلم هو (الأصل فى الأشياء الإباحة، ولا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح فى القرآن الكريم أو الحديث الشريف، لا يحتمل تأويلًا).. أخذت أقلب أوراق الكتب وأضرب أخماسًا فى أسداس، فأعيانى البحث، بحثت فى القرآن الكريم عن نص بتحريم هذه التهنئة فلم أعثر، تفرست السيرة النبوية فلم أجد، أبحرت فى الحديث الشريف فلم أرس على بر، ويح رأيك يا أخ عبدالرحمن البر».
وأكملت قائلًا لعبدالرحمن البر: «وقف عبدالرحمن البر يقول بالتحريم قياسًا، وليت قياسه صحيحًا، بل إنه فاسد فهو يحرم التهنئة لأن المُهنئ يتشبه بالمسيحيين فى عبادتهم ونحن لا نؤمن بهذه العبادة، عظيم يا مولانا، ما علاقة التشبه بالتهنئة!، أين وجه الشبه بينهما؟، الله أكبر على العلم والفقه والدراية!. الذى يتشبه يا رجل هو الذى يمارس ذات العبادة، ويقلدها شبرًا بشبر، الذى يهنئ هو ذلك الرجل المسلم الطيب الذى يطرق باب جاره المسيحى الطيب، ويقول له: كل عام وأنتم بخير وسعادة بمناسبة عيدكم، تمامًا كما يفعل المسيحى الطيب، الذى يطرق بابك يا أخ عبدالرحمن فى عيد الفطر أو عيد الأضحى، ويقول لك كل عام وأنت بخير يا عم الشيخ، فهل هو بذلك قد تشبه بك، وصلى معك العيد، ثم ذبح (الخروف)؟!، وحتى إذا جاء لك الأخ المسيحى ووقف ينتظرك فى المسجد حتى تنتهى من صلاتك، فيسارع إلى تهنئتك فهل هو بذلك يكون قد تشبه بك؟!».
انتهى خطابى لمفتى الإخوان ولكل «مفتٍى» يهرطق بالكراهية والبغض ويبثها هى والفتنة فى أرجاء الوطن، ثم أخذت أبحث عن أسباب أخرى للتحريم فوجدت هيئة الأخ خيرت الشاطر التى هيأوها وأطلقوا عليها «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» وشكلوها من كل متطرف وإرهابى فى زمن حكم الإخوان وجدتها تصدر فتوى بالتحريم القاطع، لماذا يا هيئة؟، قالت: «الأصل فى الأعيـاد الدينية أنهـا من خصوصيات كل ملَّةٍ ونحلةٍ وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيدًا) متفق عليه، ولذلك فلا يحل لنا مشاركتهم ولا تهنئتهم فى هذه المناسبات الدينية»، يا سلام على الفتاوى يا بحر العلم، وترعة المفهومية، التهنئة حرام، لماذا؟، قياسًا على «أن لكل قوم عيدًا»!، هل هذا نص يُحرم يا هيئة؟ أين النص؟!.
تقول الهيئة لى ولك: انتظر، انتظـَـرْنا، خذ هذه، هات: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية حرام قطعًا ويقينًا، لماذا؟ لأن فيها إقرارًا بشعائرهم التى لا نؤمن بها، يا سلاااام! أنتِ يا هيئة تـُحَرِّمين بالقياس إذن، والقياس من منبته فاسد، إذ لا يوجد عندك نص، ولكن ظن، وقع فى ظنك المسكين أننى عندما أبادر أخى المواطن المسيحى بالتهنئة أكون قد آمنت بعبادته، هذا شىء عظيم، وبذلك يكون كل المسيحيين الذين هنأونا بأعيادنا قد أسلموا، ويصبح كل من هنأ المسيحيين قد خرج من ملة الإسلام ودخل إلى المسيحية قفزًا ونطًا، وبالتالى يلزم علينا أن نتقدم بطلب للأزهر الشريف بإلغاء كل ما يتعلق بتعريف الإيمان، فليس الإيمان هو ما وقر فى القلب، وليس للنية أى اعتبار أو قيمة، إذ إن الخطاب الدينى تكفل بالأمر، هذا الخطاب هو «الحرام والحرام».
ولذلك فإن الذى يحدث اليوم من عمليات إرهابية ضد إخواننا الأقباط، هو نتاج لذلك الفكر المريض الذى بدأه حسن البنا، ثم تلاه سيد قطب، إلى أن وصلنا لمصطفى مشهور، مرشد الإخوان الأسبق، وهو يفتى بتحريم التحاق المسيحيين بالجيش لأنهم فى نظره «خونة» وليس لهم إلا سداد الجزية فقط!، ثم دخلنا لفتاوى مفتى الإخوان الشيخ عبدالله الخطيب الذى أفتى بتحريم بناء الكنائس، وتحريم إلقاء السلام على المسيحيين، وهلم جرا، وألف آهٍ من هلم جرا.