رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عقلانية» ابن رشد فى مواجهة «نقلانية» ابن تيمية


للمرة الثانية أتوقف عن إكمال سلسلة «عماد الدين الإخوانى» حتى أكتب لكم عن تيار وليد يجب أن يلقى دعمًا كبيرًا من الدولة هو تيار «الرشدية» أو العقلانية، وهو مستمد من مدرسة الفيلسوف ابن رشد الأندلسى الذى تعرض لاضطهاد وتم حرق كتبه، فلم يترك تأثيرا ما فى العقلية العربية فى الوقت الذى ترك فيه أكبر الأثر على العقلية الغربية، وظل تأثيره فى أوروبا ممتدا لأربعة قرون.
يبدأ تيار الرشدية أو العقلانية فى مواجهة تيار ابن تيمية الذى تسيد على أمتنا عبر قرون طويلة ثم أصبح هو الحاكم على تيارات المتأسلمين سواء أولئك الذين يحملون القلم أو أولئك الذين يحملون السلاح، واختيار ابن رشد كأحد منطلقات تيار العقلانية لا يعنى أن هذا التيار سيكون تابعا لأفكار ابن رشد، ولكن يعنى أن ابن رشد هو نقطة الانطلاق ولكنه ليس نقطة الانتهاء، فلنا أن نجدد فى أفكار ابن رشد ونضيف إليها ونقبل منه ونرفض ما نشاء وفقا لإمكانياتنا العقلية والعلمية، ومن حسن الحظ أن الفيلسوف الكبير الدكتور مراد وهبة صاحب منتدى ابن رشد هو قائد هذه المدرسة فى العصر الحديث، ويُحسب لوزير الثقافة أنه تبنى مؤخرا هذا التيار وجعل لهذا المنتدى وقائده «ابن وهبة» صالونا شهريا فى المجلس الأعلى للثقافة، وقد انعقد هذا الصالون بالفعل لأول مرة يوم الأحد الماضى، وأجاب فيه دكتور مراد وهبة عن السؤال الأهم وهو: لماذا ابن رشد؟، ولماذا لا تكون الأشعرية أو المعتزلة؟، ولم يتطرق مراد وهبة للصوفية ومدارسها المختلفة كمدرسة محيى الدين بن عربى، وإن كنت أعتقد أن الصوفية ستكون ركيزة هامة من ركائز مدرسته الرشدية، وقد أشار مراد وهبة فى محاضرته إلى ضرورة تهذيب «العلمانية» لتتفق مع مجتمعاتنا وثقافاتنا وتوجهاتنا الروحية والعقائدية، لذلك فإننى وأنا أتفق مع الدكتور مراد وهبة، أرى أن يكون المصطلح الذى يقود هذا التيار هو مصطلح «العقلانية» بدلا من العلمانية، فالعقلانية هى الأولى والأصح فى رأيى من العلمانية، كما أن العقلانية هى دعوة الأديان للإنسان، فليس دينا ما يطلب من الإنسان أن يغلق عقله، وليست عقيدة صحيحة ما تطلب من الإنسان أن يتبع ما وجد عليه آباءه وأجداده ثم يترك عقله جانبا، بل إن الأديان فى حقيقتها هى دعوة للتفكير وإعمال العقل، لذلك فإن الله سبحانه يقول فى القرآن الكريم «أفلا يتدبرون القرآن» ويقول أيضا «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون»، وقد وردت كلمة «يعقلون» فى القرآن الكريم اثنتين وعشرين مرة، وكلها كانت ذما لأولئك الذين لا يستخدمون عقولهم أو مدحا للذين يستخدمونها، أو جاءت فى سياق الدعوة لاستخدامها، لذلك فإن الأنسب أن يكون هذا التيار التنويرى هو تيار العقلانية لا العلمانية، ليكون رائدا ومجددا فى مواجهة تيار «النقلانية» الذى يعتمد على النقل فقط من كتب التراث دون أن يستخدم عقله فى التمييز، ودون أن يبذل جهدا عقليا فى فهم النصوص، وهذا التيار يعتمد فى المقام الأول على ابن حنبل وفقهه، ثم ابن تيمية ودمويته وتشدده، ثم ابن عبدالوهاب فى ضحالته وقلة زاده من الفهم والعلم.
ولكى نعرف مدى خطورة أفكار النقلانية يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا، ثم بعد ذلك يجب أن نمتلك الشجاعة لنراجع ونرفض، بل نحاكم وننتقد تلك الأفكار الدموية التى تعتبر سلاح الإرهابيين الأول، ولنا فى ابن تيمية المثال الأكثر وضوحا والأكثر تأثيرا فى التيارات المتأسلمة، وقد سبق لى أن كتبت عن ابن تيمية، وتحدثت فى بعض البرامج عن دمويته التى أظهرها فى فتاواه، فالكل عند ابن تيمية مقتول مقتول مقتول حتى ولو كان مسلما صالحا، لابد أنه سيقع ذات يوم فى خطأ ما وعند هذا الخطأ سيمتد إليه سيف ابن تيمية من خلال أحد «المهاويس» الذين تأثروا به، ولكى نعرف أين يصل سيف ابن تيمية لنا أن نستعرض بعض فتاواه، فمثلا قال ابن تيمية فى كتابه «جامع المسائل» الجزء الرابع «تارك الصلاة شر من السارق والزانى، إذ تارك الصلاة سواء كان رجلا أو امرأة يجب قتله والسارق لا يجب قتله، ولا يجب قتل الزانية التى لم تحصن باتفاق العلماء، وإن كانت بكرا بالغة عند أبويها وهى لا تصلى كانت شرا من أن تكون قد زنت عندهم أو سرقت، وإذا كان الناس كلهم ينكرون أن يتزوج الرجل بسارقة أو زانية أو شاربة خمر ونحو ذلك فيجب أن يكون إنكارهم لتزوج من لا تصلى أعظم وأعظم. فإن التى لا تصلى شر من الزانية والسارقة وشاربة الخمر».
عند ابن تيمية تارك الصلاة يجب أن يُقتل لأنه أكثر شرا من الزانى والزانية والسارق، هل هذا فقط؟، انتظر معى. فى كتابه «الفتاوى الكبرى» يقول ابن تيمية: «مسألة: فى أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار، لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة أستاذ، أو غير ذلك. فهل يجوز لهم ذلك؟ أم لا؟.. الجواب: لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال. لا لحصد ولا لحرث ولا لصناعة ولا لجنابة. ولا نجاسة ولا صيد ولا لهو ولا لعب ولا لخدمة أستاذ، ولا غير ذلك؛ بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلى الظهر والعصر بالنهار، ويصلى الفجر قبل طلوع الشمس، ولا يترك ذلك لصناعة من الصناعات، ولا للهو ولا لغير ذلك من الأشغال، وليس للمالك أن يمنع مملوكه، ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة فى وقتها. ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلى فى الوقت ألزم بذلك، وإن قال: لا أصلى إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك، فإنه يقتل».
هنا عند ابن تيمية من أخَّر الصلاة لوقت آخر ثم أداها بعد ذلك فإنه يستتاب فإن تاب كان بها وإن أصر على تأخير الصلاة وجب قتله، أنت عند ابن تيمية مقتول سواء لم تصل، أو صليت بعد وقت الصلاة!.
وفى كتابه «الفتاوى» أيضا يقول: «الرجل البالغ إذا امتنع عن صلاة واحدة من الصلوات الخمس أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن بين المسلمين».
أما أنت يا من تصلى الصلوات كلها إلا صلاة واحدة فمقتول مقتول مقتول، ثم لا تُدفن فى مقابر المسلمين!، أين يتم دفنه إذن؟، أظن ساعتها سيتم عمل مقابر لغير المصلين!.
ولكن ماذا لو كنت تصلى الصلوات كلها وفى وقتها، هل يمكن أن تنجو من ابن تيمية الذى يقولون عنه إنه الإمام العلامة الفهامة الحافظ الفقيه المحدث نادرة عصره؟، لا أظن ذلك فابن تيمية يقول لنا فى كتابه الفتاوى الجزء الحادى عشر عن رجل يصلى فى بيته كل الصلوات ولكنه لا يذهب إلى المسجد لصلاة الجماعة: «هذه الطريقة طريقة بدعية مخالفة للكتاب والسنة ولما أجمع عليه المسلمون. والله تعالى إنما يُعبد بما شرع، لا يُعبد بالبدع، قال الله تعالى: «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ». فإن التعبد بترك الجمعة والجماعة بحيث يرى أن تركهما أفضل من شهودهما مطلقا كفر يجب أن يستتاب صاحبه منه فإن تاب وإلا قتل»، فاحذر أيها المسلم فأنت مقتول لو لم تشهد صلاة الجماعة فى المساجد، أو كنت تعتقد بأن صلاتك فى بيتك أفضل من صلاة الجماعة فى المسجد!.
ولعلمكم جميعا، هذه هى عين أفكار قادة الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس، والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وغيرهم وغيرهم، لذلك جاء وقت العقلانية.