رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتاة إسبانية غيرت مسار حياة الطاهر مكى

 الطاهرمكي
الطاهرمكي

لا يختلف اثنان خاصة ممن درسوا٬ فيها علي أنها من أصعب الكليات النظرية وأرصنها٬ وأرصنها هنا قد تفسر عند الكثيرين بأنها كلية" ثقيلة الظل" بموادها التعليمية٬ وصعوبة استذكارها٬ إلا أن الأمر لا يخلو من وجود قامات شامخة في سجل أستاذتها٬ بل أن بعضا منهم كان لهم من الأثر لتغيير مسار حياة بعض طلابها، هذا ما يؤكده القاص "شريف صالح" فيما كتبه من ذكرياته مع كلية "دار العلوم" وتحديدا أمام الأدب المقارن .

يقول صالح : أساتذة دار العلوم (الأصلية) كانوا أقرب للآلهة أو السدنة٬ ولكل واحد منهم طقوسه٬ أظن كان المرحوم "علي الجندي" من أكبرهم سنا ولسوء حظنا كان هو الذى يستقبلنا في سنة أولى في مادة الأدب الجاهلي وياويلك يا سواد ليلك لو كتبت ولا شكلت معلقة أمرؤ القيس غلط٬ واللي كان بيجيب مقبول في مادته يبقى بطل ومش مسموح لك تكتب معنى كلمة في بيت من دماغك.

الطاهر مكي اللي ودعنا في نفس شهر ميلاده عن 93 سنة كان غالبا بيستلمنا في الفرقة التالتة والرابعة بمادة الأدب المقارن أو الأندلسي ومادة الأدب الحديث٬ فاكر أول ما سألناه عن الكتب اللي هايقررها علينا قال استنوا أسأل دار المعارف (ناشر كتبه) عن أرخصها٬ كان شايل همنا لنشتري كتب غالية وهو عارف إن معظمنا صعايدة وفلاحين على باب الله٬ وكانت كتب بجد مش ملازم ملطوشة٬ وكنا بنفخر بالاحتفاظ بها ولسه عندي بعضها لليوم٬ وهو الوحيد من أساتذتي اللي اشتريت معظم كتبه. صحيح ما عملتش صداقة مع أي حد منهم معظمهم كانوا كبار السن جدا٬ لدرجة كنت بتندر على بعضهم أنهم متاحف متنقلة ٬بس معظمهم كانوا عظماء وعلماء بجد٬ وللأسف ما اقتربتش من الطاهر مكي رغم أنه درس لي سنتين وسنة في تمهيدي ماجستير وكان له فضل مزدوج وعظيم علي. وتقريبا هو اللي خلاني أبقى كاتب قصة كويس.

يتابع صالح ويقول : الفضل الأول إني لحد أولى جامعة كنت بجرب أكتب نصوص وخواطر أقرب للشعر٬ الدراعمة كلهم شعراء٬ وبعدين قريت عن مسابقة للقصة القصيرة بتنظمها رعاية الشباب فشاركت وكان بيحكمها د.عبد المطلب زيد فخلاني في المركز العاشر وبالتالي مش هاكون من اللي هاياخدوا الجايزة.
مش عارف إيه اللي حصل وقتها بالضبط واستدعى مصطفى عطية مسئول رعاية الشباب يطلب تحكيم المسابقة من تاني وكان المحكم المرة دي أساتذتنا الطاهر مكي فخلاني في المركز الأول. طبعا أنا ذهلت وطرت من الفرح وقلت لمصطفى عطية إزاي؟ من العاشر للأول؟ قالي أنا سألت الطاهر مكي نفس السؤال بالضبط٬ فرد عليه إن الواد عنده حاجة يا إما مجنون يا موهوب حتى لو كتابته تبان مش مضبوطة قوي بس فيها شيء٬ وده الفرق بين دكتور بيحكم بمعايير محددة ورائي بيكتشف كتابة.

وأضاف صالح :"التقدير ده وأول جايزة لي خلاني أصمم أبقى كاتب قصة وبس وطبعا الواحد وقتها ماعندوش رهان ولا إجابة عن سؤال هو موهوب ولا موهوم إلا بالمشاركة في المسابقات دي٬ وفعلا تانية وتالتة ورابعة كلية حافظت ع المركز الأول وحتى على مستوى جامعات مصر.

الفضل التاني إن كتابه عن القصة القصيرة كان أول كتاب نقدي مهم عن الفن ده٬ وهو الأساس اللي بدأت منه وبعدها رجعت ليحيي حقي وحتى العقاد ورشاد رشدي لحد صلاح رزق .

أظن كتابه ده إن لم تخني الذاكرة كان عليه الإهداء ده نصا: إلى نانا هي تعرف لماذا ؟ الإهداء ده بقى قضية وجودية بالنسبة لي لدرجة كنت بقعد أخمن مع زمايلي مين نانا دي؟ وإيه اللي هي عارفاه ؟ أيامها كان مكي يقترب من السبعين وكلنا عارفين أنه اترهبن واعتكف للعلم٬لا أولاد ولا زوجة٬ وكان في كلام إنه في بداية حياته أحب فتاة إسبانية وماتت على ما يبدو فقرر أنه ما يتجوزش٬ مش متأكد من القصة دي طبعا٬ بس ظل الإهداء فاتنا وساحرا وملهما لي وكمان جريء من أستاذ كبير في كلية محافظة .

عمري ما شكرت الطاهر مكي ولا فكرت أزوره في شقته في الدقي٬ ولا قلت له إنه كان له الفضل الأعظم علي إني بقيت كاتب قصة٬ ممكن ندالة مني٬ بس كان من أساتذة قلائل على بالي دايما٬ وكنت بفكر في التمن الفادح في إنك تبقى عالم محترم٬ بس في النهاية عايش في سجن الكتب٬ بتدخل على التسعين ولو اتزحلقت في الحمام مش هاتلاقي حد ياخد بإيدك.