رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رموز التطرف.. برهامى وأصحابه


ياسر برهامى لم يكن عالمًا، ولن يكون، ولم يكن حكيما، ولن يكون، فالعلم مرتبط بإعمال العقل، والذى يحجب عقله عن التفكير لا مجال عنده للعلم، والحكمة لا تدخل إلا للقلوب الطيبة، أما القلوب المريضة فلا مكان للحكمة فيها، ورغم أن ياسر برهامى تقلد منصبًا هلاميًا اسمه «نائب رئيس الهيئة السلفية بالإسكندرية» فإنه لا يفرق كثيرًا عن الحوينى ومحمد حسين يعقوب وتلك الطغمة التى اقتحمت حياتنا وأفسدت عقول أولادنا، ولكل واحد منهم فتاوى يشيب من هولها الولدان، وكأنها قنابل تنفجر وتتفرق شظاياها فتصيب من تصيب.

وآخر بدعة للأخ برهامى هى ما أفتى به من حرمة عيد الأم، وليس لنا بعد هذه الفتوى إلا أن نطلب منه وممن على شاكلته من الفارغين أن يحدد لنا خمسة أشياء يحل لنا أن نفعلها حتى يُريح ونستريح، وطبعا غير الزواج من أربعة، وملك اليمين، وحشو الكروش والبطون بالطعام، وركوب السيارات الأمريكية الفارهة!، ورحم الله المتنبى الذى قال عن مثل برهامى وأصحابه: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأممُ.. ولكن ما هى قصة السلفيين معنا؟.

فى منتصف السبعينيات بدأت الإرساليات التبشيرية بالسلفية الوهابية تأخذ مكانتها فى مصر بعيدا عن الأزهر ومدرسته التى كان يقودها آنذاك الشيخ الصوفى عبدالحليم محمود رائد مدرسة الإمام محمد عبده، وفى ظل تأجج الصراع السياسى بين الإخوان والناصريين أخذت السلفية الوهابية تفرض نفوذها على كثير من البسطاء، فهى فى ظاهرها بعيدة عن السياسة، كما أنها تهتم بالتدين المظهرى، والشاب المصرى البسيط الذى لم يجد آنذاك دولة تدفعه للنجاح والتميز، ولم توفر له فرصة العمل المناسبة، آن له أن يتميز عن غيره بمظهر ينسبه للعلم والعلماء، بلحية كثة، وجلباب قصير، ورداء باكستانى، ومسواك يزين جيبه، ورفض لكل العادات التى عشنا بها وعليها بادعاء أن هذه العادات بدعة وأنها لبدعيتها فى النار، وفى ذات الوقت بدأ نفوذ مدرسة الإمام محمد عبده فى الأزهر ينحسر، وبسطت الوهابية سيطرتها على عقول علماء الأزهر الجدد، أولئك الذين سافروا للسعودية وعملوا فى جامعاتها، فكان أن ارتفع شأن دعاة السلفية الذين نجحوا فى التغلغل للبسطاء عن طريق دروس أهوال يوم القيامة والجنة والنار، وقد استراح النظام الحاكم وقتئذ لهذه المدرسة لأنها كانت تُحرم الخروج على الحاكم أو خلعه، وأن بيعة الحاكم لا يمكن نقضها مهما كان الحاكم ظالمًا.

وقد كانت خطورة هؤلاء تكمن فى قدرتهم على اجتذاب جماهير البسطاء وتلقينهم أفكارًا وهابية لا تتناسب مع المصريين وطبيعتهم، وهى فى الأصل ذروة سنام التطرف، فأخذ الواحد منهم يفتى الناس بكل ما يعسر عليهم ويمنعهم من الأخذ بالرخص، بل يحرّم عليهم هذه الرخص، وقال بعضهم إننا بأخذنا الرخص كأننا نستهين بالرسول عليه الصلاة والسلام!، وأحاط هؤلاء أنفسهم بسياج يحميهم من النقد والمراجعة فنشروا بين الناس أقوالا قديمة تحذر بأن لحم العلماء مسموم، وبالتالى لا يجوز معارضتهم، وأصبح نفوذ ابن عثيمين وابن باز كبيرًا فى مصر، وارتفع شأن عالم الحديث إمام أهل النقل وخصيم أهل العقل ناصر الدين الألبانى، ثم ارتفع شأن الشيخ السلفى أسامة عبدالعظيم الذى خرج من تحت يديه رموز للسلفية الوهابية وكان على رأسهم الحوينى ويعقوب وحسان وغيرهم، وبهؤلاء توقفت آلة الاجتهاد وكأن الزمن لم يتحرك من عصر الصحابة والتابعين إلى الآن، وكان أول الأشياء التى وقفت عندها آلة الزمن السلفية، حيث لم تتقدم خطوة للأمام، هو الاجتهادات للعصر الذى نعيشه، فحين اختلف بعض علماء المسلمين الكبار فى شأن ولاية المرأة وولاية الأقباط اتجه رموز التسلف للرأى المرجوح وتركوا الرأى الراجح.

نفس الأمر بالنسبة للموسيقى التى حرَّمها الرأى السلفى الوهابى بل أصبحت مسألة التحريم هذه مزاجا عاما لجمهور السلفيين شبابهم وشيوخهم، وتقلصت مساحة الفنون عند المتسلفين فأصبح الرسم محرما إذا كان لشىء فيه روح، أما عن الصور الفوتوغرافية فقد قالوا عنها إنها مباحة للضرورة فقط وبشرط أن يكون موضوعها لا يشتمل على محرم كالسفور، وعن التماثيل شددوا على تحريمها بشكل مطلق‏.

وعلى نفس منوال التحريم حرموا تعاملات البنوك، وانطلق رموز السلفية الوهابية إلى المساهمة فى إنشاء بنوك إسلامية تسير على نفس نهج البنوك ذات الفائدة مع تغيير اسم الفائدة إلى عائد وكأن المشكلة كانت فى الاسم!!، وكذلك التأمين على الحياة أصبح حراما واستبدلوا به نظاما تمت تسميته «التكافل الاجتماعى»، والذى يعقد مقارنة بين الاثنين يجد أنهما هما هما، والفارق فقط هو التسمية.

أما زكاة الفطر التى أجاز الإمام أبوحنيفة أن تكون مقدارًا من المال وتعود المصريون على إخراجها نقدًا إذا ببوصلة السلفيين تشترط أن تكون غلالًا ـ أرزا أو عدسا مثلًا ـ وأصبح المزاج العام لكل جمهور السلفيين يميل إلى «تغليل وتعديس» هذه الزكاة.

هذه هى الملامح العامة لفقه السلفيين ودينهم، يدخل فيها مسائل عديدة فى فقه الزواج والطلاق وعدم إباحة الطلاق البدعى، وعدم الاجتهاد لمسائل الزوج المستحدثة، وتضييق مساحة الإجازة وتوسيع دائرة التحريم والكراهة، إلا أنهم كانوا فى زمن مبارك أحباب النظام، يأتمرون بأمر الأجهزة الأمنية ويمتدحون الرئيس، فيقول الشيخ حسان فى إحدى خطبه إن مبارك كعمر بن عبدالعزيز، ويحرم الحوينى المظاهرات ويعتبرها بدعة، ويشدد فوزى السعيد النكير على من يعارض مبارك أو يخرج فى مظاهرة ضده، ولم يكن فى أدبيات السلفيين وقتئذ أن يصلوا إلى الحكم بل إنهم كانوا ينتقدون الإخوان لخوضهم انتخابات البرلمان، وحرّم علماء السلفيين الأحزاب وقالوا إنها تؤدى إلى التفرقة والتشرذم فى حين أن الله يقول «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».

وحين قامت ثورة يناير أخذت الأمور تتغير، فارتفع نفوذ الشيخ حسان بشكل غير مسبوق، وعرف الناس شخصا يثير المشاكل اسمه ياسر برهامى، وتحالف السلفيون مع الإخوان، وبدأت فكرة الوصول للحكم تخرج من المنطقة الخفية عند السلفيين إلى المنطقة الظاهرة، فكان حزب النور، وكان البرلمان وكانت المواقع المتعددة فى السلطة التنفيذية، وحين انتهى نظام الإخوان أخذ السلفيون يتجملون تحت شعار «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل» وعلى نفس خطى الإخوان سار حزب النور، فخرج منهم شبيه عصام العريان الذى يحسن الحديث مع الرأى العام، وخرج منهم من يبدو فى صورة المجتهد كما كان أبوالفتوح يظهر أمامنا، ولكنهم فى النهاية شىء واحد لا فرق بينهم، وواجب الوقت بالنسبة لمصر حالياً هو مقاومة ذلك الاتجاه الدخيل علينا حتى لا نستيقظ ذات يوم على واقعة كواقعة وصول الإخوان للحكم.