رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأنني نقشبندي الهوى


فى مثل هذه الأيام منذ 40 سنة رحل عن عالمنا الشيخ سيد محمد النقشبندى، صاحب الصوت والأداء الصوفى والروحى العبقرى، والذى كرمه الرئيس أنور السادات عام ١٩٧٩م بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى، كما كرمه الرئيس مبارك بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى بعد وفاته أيضاً.



ولأننى من عشاق صوته، وأقتنى الكثير من أعماله وأرى فى صدق الأداء واعتدال الرسالة فى خياراته الابتهالية روعة النفس المؤمنة المثالية، وكنت ومازلت أنتظر حلول شهر رمضان لسماع ابتهالاته الرائعة عقب انطلاق مدفع الإفطار بشغف، فقد أسعدنى ما نقله فرحاً وسعيداً الصديق الفيسبوكى الشاب العشرينى «أبانوب خلف» على صفحته وهو نص مقال للشيخ النقشبندى، ليكون مختلف عن أقرانه عبر بث رسالة إيجابية بدلا من الذين اكتفوا بنشر فتاوى أصحاب دعاوى الفتنة والإثارة المبددة لحالة السلام المجتمعية.

كتب «أبانوب».. لن يصدق أحد أن «استنانى على السلم فى الضلمة يا حبيبى!!. «هو عنوان مقال للشيخ سيد النقشبندى، نشر فى مجلة (الإذاعة) بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1968، أعيد نشره لتقديم لمحة صغيرة عن هذا الرجل الجميل السمح، صاحب الصوت السماوى، وسنتعرف أكثر على روحه الساخرة اللطيفة من خلال المقال الذى كتبه بنفسه، وكما نُشر تحت العنوان أعلاة وهذا نص المقال بالحرف «اختار منه بعض الفقرات عزيزى قارئ «الدستور»

يكتب النقشبندى...

اليومين دول واحد أخ صحفى قالب الدنيا بيدور علىَّ فى كل حتة علشان عايز يشوفنى يعمل معايا حديث بمناسبة رمضان.. اتصل بىَّ فى بيتى فى طنطا بس أنا ماكنتش موجود، والظاهر إنه يعرف أخونا مدير سينما (أمير) فى طنطا فوصاه يخلينى أتصل بيه، وفى الحقيقة أنا ماكنتش باتهرب منه، لكن أنا اليومين دول مشغول للغاية، وإن كان ده لا يمنع برضه إنى بأخاف من الصحفيين وبأخشى أسئلتهم الخبيثة الماكرة المفاجئة اللى لا تتيح للواحد فرصة التفكير الهادئ والتروى قبل الرد عليها، وبالشكل ده بيوقعوا الواحد أحيانا فى الحرج.. مثلا قال لى: «بتروح السينما ولا لأ يا شيخ سيد؟!.

«قلت له: «والله يا أخى إن الدين لا يعترض على أى فن نظيف يشير إلى الفضيلة، وأنا أذهب إلى السينما كلما سمعت عن فيلم جيد، وقد شاهدت كل أفلام محمد عبد الوهاب بلا استثناء أكثر من مرة وأحفظ أدواره كلها»..

فصديقنا الصحفى اتسعت عيناه من الدهشة وهو بيسألنى: «بتحفظ أدواره اللى بيمثلها فى السينما يا شيخ سيد؟»! قلت له: «لأ يا أخى.. أدواره هنا بمعنى أغانيه أو ألحانه، وأتغنى بها فى كثير من الأحيان وأعشق كذلك غناء أم كلثوم، فهو لا يثير فى النفس إلا كل أحاسيس شريفة عفيفة، حتى فى أغانيها العاطفية، فهى لا تغنى «استنانى على السلم فى الضلمة يا حبيبى»، ولا تقول «أنا لابسة ومتزوقة على الآخر ونار الشوق مولعة فى جِتِة البعيدة»!!.. فصوت أم كلثوم وحسن اختيارها للمعانى والألفاظ التى تغنيها يجبر المستمع على احترام الصوت وصاحبته».. لكن أخونا الصحفى رجع يسألنى تانى: «وآخر فيلم دخلته يا شيخ سيد إيه ؟! قلت له: «والله يا أخى فيلم (الزوجة التانية) بتاع سعاد حسنى».. ، عاد الصحفى ليتجه بأسئلته وجهة أخرى، فسألنى: «عندك بنات كبار يا شيخ سيد؟!.» قلت له وقد ظننته سؤالا ويمر: «أى نعم، تلاتة.. اتنين متجوزين، والتالتة صبية تلميذة فى الرابعة عشرة».. سأل: «بيلبسوا إيه؟!» قلت فى دهشة: «يعنى بيلبسوا ملابس طبعاً»..قال: «أقصد أى نوع من الملابس؟».

قلت وقد أدركت ما يرمى إليه بسؤاله: «يرتدين العادى جداً الشائع من الملابس الحديثة، يعنى على الركبة فى حدود المعقول، لكن تلك الموضة التى تسمونها «المينى جيب» فهذه تقليعة لا مكان لها عندنا».. قال: «بيروحوا للكوافير يا شيخ سيد؟!».. قلت: «أى نعم.. فى المناسبات فقط» «ما رأيك فى الحب ؟!»..قلت له: «الحب من العفاف لا أراه حراماً.. أقر الحب العفيف إذا كانت النوايا سليمة وليس بقصد التسلية..» عاد يسألنى: «أفهم من كده إنك أنت شخصياً تزوجت عن حب؟!».. قلت فى سرى جزاك الله، فقد أتعبتنى من اللهث وراء أسئلتك المتلاحقة المحرجة.. ولكنى سلمت أمرى إلى الله وقلت له: «ليس كذلك بمفهوم هذه الأيام.. ولكنها كانت قريبتى»..الذى أدار الحوار المدهش ده هو الصحفى «حسين قدرى» ، والعنوان طبعا كان اختيارًا خبيثًا للصحفى.

قدموا للناس الشيخ والكاهن المستنير كنماذج لدعم الوعى الدينى والروحى، لمقاومة رسائل الإقصاء الاجتماعى والثقافى لبشر منا على أساس الهوية الدينية أو الجنسية.. وتعالوا نردد ابتهالات النقشبندى لنحلق بأرواح تخففت من أثقال الكراهية والقبح السلوكى.

مَّلاى إنّى ببابكَ قَد بَسطتُ يَدى

مَن لى ألوذُ به إلاك يا سَندى؟

أقُومُ بالليّل والأسحارُ سَاهيةٌ

ادّعُو وهَمسُ دعائى، بالدُموُع نَدى