رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يصبح مسرحنا فى الأقاليم قاطرة للتنمية؟

الإنسان المصرى جدير بالبناء، مثلما تحتاج قرانا ومدننا البنية الأساسية، وهو ما أدركته الدولة حين ضمنت فى برامجها «برنامج بناء الإنسان المصرى»، والحقيقة أن بناء الإنسان أصعب. 

والثقافة والفنون هما الأجدر على الاضطلاع بتلك المهمة والقيام بالدور اللازم والضرورى لبناء وعى الإنسان المصرى والتأثير الإيجابى على مفاهيمه وأفكاره وسلوكه على نحو يجعله فعالًا فى مجتمعه وقادرًا على المشاركة فى تنميته، وهو أمر فى غاية الصعوبة، ولن يتم إلا بتضافر العديد من الجهود من الدولة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص. 

وقد تفاقمت مؤخرًا أزمة المسرح فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهى أزمة تعود جذورها لعشرات السنين، وربما لن يكون من العدل تحميل ما وصل إليه المسرح فى أقاليم مصر وفى مسارح الهيئة العامة لقصور الثقافة من وضع سيئ للمسئولين الحاليين فقط، ولكنها مسئولية نتقاسمها جميعًا لسكوتنا المتراكم مع المسئولين عن مسرح قصور الثقافة على مدار عشرين عامًا وأكثر، منذ عام ٢٠٠٠ تقريبًا، ربما قبل ذلك أيضًا. 

والحقيقة أن السبب فى تفاقم تلك الأزمة يعود إلى الإصرار على النظر إلى المنتج الثقافى بوصفه منتجًا تجاريًا، وهو أمر مخالف للحقيقة، فالمنتج الثقافى بطبيعته لا يمكن أن نطبق عليه ما يطبق على المنتج التجارى مثل نظام الفاتورة الإلكترونية أو نظام المورد، وهناك ضرورة لعمل دراسة قانونية شاملة لتعديل القوانين التى لا تتناسب مع طبيعة المنتج المسرحى، وأن يدعمها نواب فى مجلس الشعب وأصحاب الشأن من المسرحيين، فدون تغيير القوانين واللوائح البالية سيظل الوضع كما هو عليه. هناك أيضًا ضرورة لأن ندرك أن الأثر الاجتماعى للمسرح هو أكبر من الأثر الفنى، وأخص المسرح لأنه أكثر الفنون قدرة على إحداث الأثر الاجتماعى والتغيير الإيجابى، وعلينا أن نُعيد النظر فى تأطير دور المسرح فى عملية التنمية الشاملة الجارية حاليًا فى الدولة المصرية، ونُعيد النظر فى مخصصاته، دون أن ننظر لعائده المالى، إن الأثر الثقافى والاجتماعى للمسرح إذا تُرجم اقتصاديًا لساوى الكثير، والمسرح فى القرى والنجوع والمناطق المهمشة هو سلاح ضد الإرهاب يوفر كثيرًا من المخصصات التى يتم إنفاقها فى مواجهته ويقضى عليه ويحد من الخسائر التى تنجم عنه، لذا نطالب دومًا بأن ترفع الدولة مخصصات الثقافة فى أقاليم مصر وتتيح أماكنها للشباب ليقوموا بمسئوليتهم الوطنية من ناحية، وحماية لهم من أخطار التطرف والإرهاب والمخدرات والانسياق وراء الأفكار السوداء المعتمة التى تصل ببعضهم للانتحار من ناحية أخرى. 

إن الثقافة فى مصر، ومن ضمنها المسرح، تعانى من غياب عدالة توزيع الدعم الحكومى وتطبيق آليات الحوكمة، وغياب رؤية شاملة واستراتيجيات معلنة متعلقة بها، وهو ما ينعكس على المسرح بالضرورة.