رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مأساة طبيب الخليفة


بالفعل، ينطبق المثل العامى «اللى بعيد عن العين بعيد عن القلب» على حال الكاتب والناقد والمؤلف المسرحى والمترجم الرائع «نسيم مجلى» الطير المهاجر إلى بلاد العم سام، فقد أبدى البعض دهشته حتى فى أوساط العمل الثقافى عندما أعلن وزير الثقافة عن فوزه بجائزة الدولة للتفوق فى الآداب وهى بالطبع جائزة رفيعة فى قدرها والرجل يستحقها، بل أجزم أنها تأخرت، وقد يكون ابتعاده عن أرض الوطن سبباً فى بعده عن عيون ومتابعة إبداعاته عبر مشوار طويل امتد عبر نصف قرن من العمل الجاد والمثمر.. فكاتبنا من مواليد المنيا عام 1934، وتخرج فى قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة عام 1960، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا فى النقد والأدب المسرحى من أكاديمية الفنون عام 1970.


عن «مجلى» يقول سامح سامي.. لقد عمل مدرسا للغة الإنجليزية بوزارة التعليم المصرية لمدة تقترب من العشرين عاما، ثم انتدب للتدريس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة من عام 1985 حتى عام 2000 ليتفرغ بعد ذلك كلية للبحث والكتابة، حسب صديقه المقرب الكاتب والناشط السياسى مجدى خليل، والذى كتب عنه مقالة وافية بمناسبة صدور كتاب مجلى عن «بطرس بطرس غالى.. وحلم المدينة الفاضلة»، الصادر عن دار الشروق: «ورغم هذه الحياة الحافلة بالعمل المضنى فى التدريس بل بعض الدروس الخصوصية لكى يستطيع الإنفاق على أسرته، إلا ان عطاءه الفكرى كان، ولا يزال غزيرا متميزا، رغم أعباء العمل والأسرة». ويحسب لمجلى، كاتب الزمن الستينى، إصداره عدة دراسات وكتب تثير الجدل، خاصة دراساته العديدة عن لويس عوض، وإعادة نشر كتابه «مقدمة فى فقه اللغة العربية»، هذا الكتاب الذى قوبل بالرفض والمصادرة إلا دار سينا للنشر كعادتها سابقا، نشرت الكتاب الذى كان قد أثار معارك ضد لويس عوض الذى فكك فيه نشأة اللغة العربية. كما أن للرجل جهوده المعتبرة فى مجال تحقيق التراث، خاصة كتابه الشهير «لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة لابن مماتى»، وهو من الأدب الساخر.

وأذكر أن الكاتب الكبير إبراهيم أصلان كان مهتمًا بعرض هذا الكتاب على صفحات جريدة الحياة اللندنية، وقت رئاسته القسم الأدبى بها. «مأساة طبيب الخليفة» عنوان العمل الأخير للأديب «مجلى» ويقول عنها «هذه المسرحية ليس فيها إلا القليل من الخيال، فهى مأخوذة من سجلات التاريخ التى نقلها الرواة ودونها الفصحاء من كتاب الحوليات والموسوعات وهى مبنية أساساً على رسالة كتبها حنين بن اسحق بخط يده بعنوان (المحنة الكبرى) ونقلها بن أبى أصيبعة فى كتاب (عيون الأنباء فى طبقات الأطباء)».

بطلها طبيب عبقرى ومترجم فذ ساهم بأكبر الجهود فى نقل العلوم والفلسفة الإغريقية، وكان له أكبر الأثر فى بعث الحضارة العربية. بطلنا عاش فى العصر العباسى، وعاصر مجد بغداد، وحظى بأعلى مراتب التقدير والإعجاب، لكنه لم يسلم من التنكيل والتعذيب من حكام تحكمهم الأهواء، ومناخ يغلب عليه الاستبداد، وتلونه مشاهد العنف والدماء.

إنها حقاً مأساة وأى مأساة، فتعالوا نستعدها لنرى كم تقدمنا فى مدارج التحضر والعمران أو كم حصدنا من كوارث الجهل والإدمان، تعالوا نستعدها من جديد لعلنا نستفيد والعبرة لمن يعتبر، وحتى تتأكدوا من صدق الرواية جئتكم بواحد من شهود الأحداث التى عاشها حنين، وكان قدره أن يحمل هذه المسئولية النبيلة، مسئولية نقل أخبار هذا العصر الفريد إلى من جاء بعده من أجيال. ذلك الرجل هو يوسف بن إبراهيم، صديق حنين ورفيقه فى أيام الصبا والشباب، وأحد شهود مجده ونكباته. يصنفه كتاب ذلك الزمان بأنه نديم الأمراء، وجليس الشعراء والأدباء، وصديق الأطباء والعلماء، حافظ أسرارهم، وراوى أخبارهم. فاسمحوا لى أن أخرجه من لفائف التاريخ المحفوظ ليحكى لكم بشكل جديد قصة الملك الرعديد والطبيب الصادق الأمين على نحو جديد.

وحتى تكتمل جوانب الرواية يقول «مجلى» «لقد اخترت هذه الجارية الفائقة الجمال التى وكل إليها أمر رعاية حنين فى السجن ومراقبته ونقل أخباره يوماً بيوم إلى الخليفة المتوكل. والمفارقة الغريبة هنا هى أن اسمها شهرزاد، وهى تملك الكثير من دهاء شهرزاد الأسطورية، وفتنتها ولباقتها، وقد رأيت أن أستعين بها لتضفى على المشهد شيئاً من الرقة والجمال، وهى أميرة الحكى والتأوهات، والخبيرة البارعة فى وصف الحساد والأوغاد».