رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكتبات المثقفين 25

محمد صالح البحر: كل كتاب خطوة لا يمكن تجاوزها أثناء السير (حوار)

محمد صالح البحر
محمد صالح البحر

تعد المكتبة من أبرز ما تجده في منازل الكتاب والمثقفين، بل تكاد منازل بعضهم قد تحولت إلى مكتبات يعيشون فيها.

وحول مكتبات الكتاب، وكم فقدوا منها خلال تنقلاتهم وأسفارهم، وهل يعير الكاتب كتبه أو يستعيرها، وغيرها من المحاور يقدمها "الدستور" في سلسلة حوارات مكتبات المثقفين.

وفي الحلقة الـ 25 من حلقات هذه السلسلة من الحوارات يحدثنا الكاتب الروائي محمد صالح البحر، عن مكتبته وأول كتاب اقتناه، وما الكتاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، وأهم الكتب في مكتبته وغير ذلك.

متى اشتريت أول كتاب؟

ربما لن يُصدق أحد أنني لم أشتر كتابا بنقودي الخاصة إلا بعد المرحلة الثانوية، ليس لأنني مفلس، أو لأنني لم أكن أحب الكتب من قبلها، بل لأن كل المدارس التي ارتدتها كانت مميزة بمكتباتها المكتظة بجميع أنواع الكتب، سواء التي تُناسب المرحلة التي كنتُ فيها، أو التي تعلوها علما وفكرا، كما أن بيتنا كان مثل مدارسنا تماما، يحتوي ـ بفضل إخوتي الكبار ـ على مكتبة وافرة، يسرتْ لي ما كان يُشبع نهمي للقراءة والتعلم، ودائما ما جعلتْ وعيي سابقا بخطوة لكل مرحلة مررتُ بها.

ما أهم الكتب في مكتبتك؟

في كل مرحلة كنتُ أعتبر أن كتابا ما، أو أكثر، هو أهم الكتب بالنسبة لي، لأنه حينها كان يُشكل في عينيّ إضافة كبيرة، فتحا كبيرا، كشفا غير متوقع، لكن ذلك كله كان سرعان ما يتوارى أمام توالي الإضافات والفتوحات والكشف، حتى أيقنتُ في مرور الوقت أن المعرفة تراكمية، لا يُشبع نهمها كتاب، أو حتى مجموعة ضخمة من الكتب، وأن الوعي أرض جدباء لا يروي ظمأها شربة ماء، بل يجب على الساقية أن تستمر في دورانها المحموم بشكل أبدي، هكذا يبدو الأمر كطريق لا تستطيع أن تقطعها إلا بالسير المتواصل، ولن يتواصل السير إلا إذا أسلمتك كل خطوة للخطوة التي تليها، وهكذا لا يوجد كتاب مهم عندي، فكل الكتب مهمة، وكل كتاب خطوة لا يمكن تجاوزها أثناء السير.

ما الكتاب الذي لا يمكنك الاستغناء عنه؟

 

رغم أهمية كل كتاب وقع بين يديّ، إلا أن كتاب "مظاهر الأسطورة" للرائع "مرسيا إلياد" لم أستطع الاستغناء عنه إلى الآن، وكثيرا ما أعود إليه كل فترة، وكأنه مصباح لا يكف عن بث الضوء في عقلي.

ما الكتاب الذي لديك منه أكتر من نسخة منه؟

لم أكن أنانيا إلى هذا الحد في أي مرحلة من عمري، حتى كُتبي لا أحتفظ منها إلا بنسخة واحدة من كل كتاب.

هل فكرت أن تستغني عن مكتبتك أو كتبت وصية بشأنها؟

انتظر الموت في كل لحظة لكنني لا أشغل بالي به أبدا، لذا لم، ولن، أهتم أبدا بفكرة الوصية، وعلى كافة المستويات، وبخصوص الكتب تحديدا أؤمن أن المعرفة لا تُورَّث، إذا أحبها الأبناء فسيكونون أكثر حرصا مني على مكتبتي، وسيحرصون على تنميتها دائما، أما إذا اختلفتْ اهتماماتهم فالوصية حينها لن تكون بلا فائدة فقط، بل ستكون عبئا لا أستطيع أن أُثقل كاهل أبنائي به، ومن الآن أسامحهم على كل فعل لهم نحوها، فالكتب عبء لا يمكن حمله إلا طواعية، أما الاستغناء فلا يكون إلا قسريا بالنسبة للمبدع، لقد جربتُ الأمر مع نفسي، ووجدتني كلما زاد رصيد الكتب عن حدود الرفوف التي يسمح بها المكان الذي أعيش فيه، أُضطرُ إلى الاستغناء عن كل ما أحسبه زائدا في هذه اللحظة القاسية، وحدث أنني استغنيتُ عن نصف مكتبتي وقتها، عندما اُضطررتُ إلى الانتقال من شقة إلى أخرى.

كم مكتبة فقدت لظروف خارجة عن إرادتك؟

حدث ذلك مرة واحدة، والمحزن أنه حدث مع أول مكتبة بدأتُ بتكوينها في حياتي، واستغرق التكوين وقتها ما يقرب من العشر سنوات، حتى أتى على بلدتي "المعنَّى" في عام 1996م سيل مدمر، هدم كل بيوتها الطينية التي كانت تُشكل أكثر من 90% من مساحتها في هذا الوقت، وكان بيتنا من ضمنها، وكانت مكتبتي ضمن البيت، وروايتي الأولى ضمن المكتبة، لا زلتُ أذكر كيف انغمستُ حتى خاصرتي في الطين، وأنا أبحث عن ما تبقى من الأوراق التي حمتها الأغلف الجلدية، فظل قلبها يابسا، وكيف عكفتُ على مدار أربع سنوات كاملة لأُعيد كتابتها من جديد.

ما الكتاب الذي تمنيت اقتناءه ولم تعثر عليه؟

كل أمهات الكتب من التراث العربي تمنيتُ اقتناءها ولم أستطع، ومع ذلك أعتبر نفسي رجلا محظوظا جدا مع الكتب، فكما وفرتْ لي مدارسي وبيتي الكثير من الكتب، التي لم أكن لأستطيع شراءها، فقد أسعدني الحظ بوجود أغلب كتب التراث بمكتبة قصر ثقافة قنا، وأسعدني أكثر بتعييني أمينا للمكتبة فيما بعد.

هل تشتري كتب ولا تقرأها لظروف ضيق الوقت أو غيرها؟

شراء الكتب ليس روتينا أمارسه بشكل يومي، بل احتياج أجري من خلفه كلما نغص وعيي الجوع، أو تناهى إلى سمعي صدور كتاب من المهم لي أن أقرأه، لذلك كان من النادر جدا أن تتراكم الكتب التي أقتنيها، بحيث يضيق وقتها عليَّ، وكان نهم الجوع، وصدى الأصوات الصاخبة، يكتسحان كل الظروف التي يمكن لها أن تحول بيني وبين قراءة الكتاب، مهما بلغتْ قسوتها، أما الآن ـ مع تراكم الكتب الالكترونية ـ فإن ذلك يحدث كثيرا، لذلك أنتهز أوقات فراغي في تفتيش جهاز الكمبيوتر، وكثيرا ما أجد كتبا لا أذكر متى قمتُ بتحميلها، ولا أعرف كيف تاهتْ مني.

هل تحدد ميزانية لتزويد مكتبتك موسميا في مناسبات كمعرض الكتاب؟

بكل تأكيد، خصوصا مع التزايد الرهيب، والمبالغ فيه، في أسعار الكتب، أصبح الأمر يحتاج إلى ممارسة الكثير من الحسابات لترتيب الأولويات، وممارسة الكثير من الجهد لطرد وساوس الشيطان، الذي يدعوني لاستبطاء الوقت، وانتظار توفر الكتاب الكترونيا.

هل تعير كتبك لأحد وهل تستعيدها أم لا ترد إليك، وهل تستعير كتب من الأصدقاء وهل تعيدها؟

 

كثيرا ما كنتُ رجلا طيبا يُعير كتبه إلى الأصدقاء، ويتغاضى عن ندالتهم في عدم ردِّها إليَّ، لكنني تعلمتُ الدرس جيدا، خصوصا بعد خسارات لم أستطع تعويضها إلى الآن، وعلى سبيل الانتقام لم أعد طيبا إلا في استعارة الكتب فقط، وأُعامل كل صديق بحسب تاريخ ندالته معي، أو مع أي صديق آخر أعرف أنه مارس ندالته عليه.