رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارلوس ألبرتو «2 - 2»

قبل أن أغيب عن الوعى فكرت مسرعًا فى الذهاب لأقرب بيت أعرفه، فكان أن ذهبت حتى بيت خلود النادى صديقتى التى تسكن بحى المنيرة، استقبلتنى مرتعبة من حالتى، مددتنى على سرير بغرفة صغيرة وراحت تغيّر ضمادات الثلج على جبهتى وتحت إبطى دون جدوى، حتى جاءت أمها خلعت عنى ملابسى ودهنت جسدى بالخل والليمون ثم اصطحبتنى، حيث حمام البيت الكبير ملأت البانيو ووضعتنى به، غمرتنى المياه الباردة، انخفضت حرارتى قليلًا فنمت ولم أشعر بجسدى سوى فى صباح اليوم التالى، كانت خلود قد رتبت كل شىء فصحبتنى إلى مستشفى الخليفة، قام الأطباء بما يلزم من أشعات وتحاليل وأخبرونى بأن ثمة جروحًا بشعيرات دموية بالصدر ونصحونى بالراحة التامة، فقد أخضع لعلاج طويل، زارنى ليلتها رأفت الأمير، الممثل المعروف، وبصحبته المطرب رمزى صالح، لم أكن التقيت بهما قبل الآن، تعاملا معى بلطف بالغ وواظبا على زيارتى خلال أسبوع قضيته هناك حتى انتقلت لمستشفى آخر بحى المهندسين كان على مقربة من بيت رمزى صالح؛ غير أنه ليس ببعيد أيضًا عن بيت عادل عجمى الكائن بشارع لبنان، تحوّلت غرفتى لمزار دائم من فنانين وصحفيين وسياسيين وعمال مقاهٍ وجرسونات وأدباء، لكن أحدًا ممن قضيت عمرى معهم لم يبادر بزيارة أو حتى بسؤال.

كل صباح كنت أهاتف حسابات المشفى، وأسألهم إذا كانوا بحاجة لنقود، ودائمًا كانت الإجابة أن المطرب الفلانى مر وترك مبلغًا فى رصيدك، حتى أولئك الذين لم يسبق لى أن تعاونت معهم، فى كل مرة كنت أفحص الأسماء جيدًا بحثًا عن الوحيد بينهم المدين لى، لكن اسم عادل عجمى لم يرد ولو مرة واحدة، خشيت أن يطول علاجى فاتصلت بإدارة الفندق الذى يسهر به عجمى وطلبت من مجيبى أن يصلنى به، بعد دقائق أجابتنى سها رشيد، قالت: عجمى يعتذر منك فهو رهن اجتماع مع المخرج العراقى جواد الأسدى وبعض الضيوف، أخبرتها بأننى لا أريد شيئًا منه سوى بعض حقوقى المادية، شكرتها بدورى وأغلقت الهاتف، فى الأسبوع الذى يليه زارنى سيد عجمى وطمأننى أن شقيقه سوف يمر بى غدًا حال انتهائه من عمله، لكن الغد مر وفى أعقابه أيام وأسابيع دون حتى أن يهاتفنى، شملنى رمزى صالح برعايته وكان حين انشغاله يطلب إلى زوجته متابعتى فكانت تأتى بصحبة شقيقتها وزوجها لاعب الكرة الشهير أو والدتها أو والدته، بل اشترى رمزى لى برادًا صغيرًا ووضعه إلى جوار سريرى، طوق عنقى بجمائله التى لا تنتهى، لعب دورًا كبيرًا فى طمأنتى هو وخلود، التى كنت أستيقظ فأجدها أمامى ولا ترحل قبل أن أنام، كان مرافقى الدائم صديقى الملحن خليل السجينى، وكان بين حين وآخر يخرج عوده من دولابى ويغنى، كانت غرفتى مزينة كأنها غرفة أم وضعت مولودها للتو، وكان جيرانى من المرضى وذويهم يزوروننى دائمًا ليلتقطوا صورًا مع زوارى من الفنانين ويحصلون على توقيعاتهم، قضيت وقتًا طويلًا حتى أسترد بعض عافيتى وغادرت المستشفى، كنت بحاجة لاستعادة حياتى على مهل لكن أصدقائى لم يكفوا عن الاحتفال بسلامتى، ذات سهرة بمنزل أحدهم التقيت شوكت مصادفة فسألته عن كارلوس ألبرتو فأخبرنى بأنه توفى منذ أسابيع قليلة، قلت فى نفسى: لماذا لم تنقذه ساحرته الباريسية، وكيف لم يسعفه عقد قبيلة الأوبو، يرحمه الله على كل حال، كان سامح المهندس الموسيقى الشهير يعزف بتجلٍ مدهش على جيتاره وانتهينا من السهرة إلى منزله بحى العجوزة، أخبرنى بأنه ترك وظيفته بالخارجية ويعمل بأحد المطاعم الراقية بمرافقة عازف بيانو مريب وغامض، سألته عن اسمه، كارلوس ألبرتو، اسمه كارلوس! 

دار بى المكان وكدت أفقد الوعى، فى مساء اليوم التالى كنت مع سامح وكارلوس، قلت: أينك يا رجل؟ تعرف لقد أخبرنى شوكت بأنك مت، عاجلنى وهو يغالب دموعه لقد مات شوكت منذ أيام، قلت طوبى لمن مات مرة واحدة، تركتهما وحاولت أن أهاتف شوكت مرات ومرات، حتى أجابنى شقيقه، سألته عن شوكت فقال لى: تعيش أنت، يا الله لم أعد أعرف من منا يعيش.