رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنفاق فى عقول صدئة

فى محاولة بائسة، أو يائسة، للرد على الاتهامات الموجهة لدولة الاحتلال فى محكمة العدل الدولية، زعم جيل عاد نوعام، نائب المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، أنهم رصدوا ٧٠٠ نفق فى رفح الفلسطينية، «من بينها ٥٠ نفقًا تتجه نحو مصر، ومحتجز فيها أسرى إسرائيليون». وبالتزامن، قالت جريدة «معاريف» العبرية إن مصر «لم تدمر أنفاق حماس واختارت بهدوء أن تكون بجانب الحركة».

بيولوجيًا، تقول نظرية الاستعمال والإهمال، إن العضو الذى لا يُستخدم يضمر، وفيزيائيًا، تصدأ المواد المصنوعة من المعادن، و«الناس معادن»، لو تم إهمالها. وعليه، صار طبيعيًا وعاديًا، أن تكون العقول الصدئة، كالملاعق والأبواب الحديدية، مزعجة، أو مقرفة عند استعمالها. وكنا قد أوضحنا منذ أيام قليلة أن الصفات السيئة أو السلبية العديدة التى التصقت بالإسرائيليين، أضيفت إليها «خفة العقل»، أو الغباء المستحكم، بتوالى تصريحات وزرائهم العبثية، أو الجنونية، التى كان من أحدثها، فى ذلك الوقت، محاولة وزير خارجيتهم استعماء العالم وتحميلنا مسئولية إعاقة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

بلا أى كفاءة تذكر، واصلت العقول الصدئة اختلاق الأكاذيب، الساذجة، للتغطية على جرائم دولة الاحتلال، التى تجاوزت سقف الجنون، منذ ٧ أكتوبر الماضى. كما لم تتوقف محاولاتها، لتبرير فشل أجهزتها المخابراتية والعسكرية، والتعتيم أو «الغلوشة» على حجم الاختراق الهائل، والثابت، لتلك الأجهزة. والطريف، هو أن أكذوبة الأنفاق الخمسين، التى لا وجود لها إلا فى تلك العقول الصدئة، سبقتها مباشرة، وبساعات قليلة، شائعة تراجعنا، تراجع مصر، عن الانضمام إلى الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية، التى تتهمها بارتكاب «إبادة جماعية» ضد الشعب الفلسطينى، والتى تنظرها المحكمة، منذ يناير الماضى، وأمرت، فى شقها العاجل، باتخاذ تدابير طارئة لم تلتزم بها دولة الاحتلال.

تقرير إسرائيلى رسمى صدر فى يناير ٢٠١٣ قال إن «التعاون المخابراتى والإمكانات التكنولوجية الأمريكية التى تم وضعها تحت تصرّف مصر» أتاحا للسلطات المصرية منع «تهريب الأسلحة على نطاق واسع». وفى فبراير ٢٠١٣، ذكرت جريدة «نيويورك تايمز» أن مصر بدأت فى إغراق الأنفاق التى تربط سيناء وقطاع غزة. وفى أكتوبر من السنة نفسها، كتب زاك جولد، محلّل شئون الشرق الأوسط بمعهد كارنيجى، أن الإجراءات المصرية لتدمير الأنفاق انطلقت جدّيًا فى فبراير ٢٠١٣، مؤكدًا أن تلك الجهود تختلف كليًا عن الجهود السابقة، وصارت، بعد عزل محمد مرسى، أكثر استدامة.

مع ثبوت تلك الوقائع، إلا قليلًا، يقول الواقع إن السلطات المصرية بدأت منذ نهاية ٢٠١٤ فى إقامة منطقة حدودية عازلة مع قطاع غزة لمنع تسلل الإرهابيين. ولعلك تتذكر أن السلطات قامت، فى ذلك الوقت، بعملية إخلاء لبعض السكان المتضررين والمقيمين فى المنطقة الحدودية برفح إلى داخل سيناء، ونشرت المزيد من الأكمنة الثابتة والمتحركة للجيش والشرطة، مع تكثيف طلعات الطيران للتمشيط المستمر للمناطق الحدودية وكل مناطق سيناء، و... و... بعد تدمير نحو ثلاثة آلاف نفق، كانت تستخدم فى تهريب الأسلحة والذخائر، ويتسلل منها الإرهابيون إلى الأراضى المصرية، انتهت مصر، منذ أربع سنوات تقريبًا، من بناء المنطقة العازلة على طول حدودها مع قطاع غزة، بعمق ٥ كيلومترات.

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر، قيادة وشعبًا، ما زالت تطالب مجلس الأمن والأطراف الدولية المؤثرة، بضرورة التحرك الفورى لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، والعمليات العسكرية فى رفح الفلسطينية. كما لا تزال الدولة المصرية تطالب دولة الاحتلال بتنفيذ التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، التى تطالب بضمان إنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية، وعدم اقتراف أى انتهاكات ضد الشعب الفلسطينى باعتباره شعبًا يتمتع بالحماية وفقًا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية. وقد تكون الإشارة مهمة أيضًا إلى أن مصر سبق أن طالبت دولة الاحتلال بأن تجرى تحقيقات جادة، داخل جيشها وأجهزة دولتها وقطاعات مجتمعها، للبحث عن المتورطين الحقيقيين فى تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة من بينهم، بهدف التربح.