رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطول جلسة برلمانية في مصر

في يوم 21 فبراير 1968, كانت أطول جلسة برلمانية في تاريخ مصر، بسبب مناقشتها لموضوع ظل الشاغل الأكبر للناس والمثقفين على السواء وهو موضوع الجنس، الذي ظل حتى اليوم الهاجس الأعظم للمتشددين، والموضوع الذي لا يكل أحد في الحديث عنه، ويعتبر وسيلة ناجعة لمهاجمة الحكومة، حيث تتصيد لها المعارضة صورة في مجلة أو لقطة في فيلم أو سطرين في رواية، وتجد الحكومة نفسها في مأزق ولا يصبح أمامها إلا التضحية بالموظف المسئول. وقد تسبب الجنس في عزل المستشار مصطفى درويش أكثر من تولوا إدارة الرقابة في مصر تحررا وثقافة. كما أطيح بسببه بالناقد الكبير على أبو شادي من الهيئة العامة لقصور الثقافة، مع أنه أيضا كان من أكفأ من تولوا من رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة بعد الراحل سعد الدين وهبة. وهو الوحيد الذي ترك لرؤساء تحرير المطبوعات التابعة للهيئة حرية اختيار ما ينشرونه فيها.
وقتها تم عرض عدة أفلام منها الحب أقدم مهنة في التاريخ، وانفجار, وهو فيلم إيطالي يعرض مشاهد عارية فجة, وفيلم وتكبير الصورة. وهي أفلام كانت غريبة على المجتمع المصري بسبب جراءتها.
ذهب وزير الثقافة ثروت عكاشة إلى مجلس الأمة ومعه حسن عبد المنعم وكيل وزارة الثقافة, وعبد المنعم الصاوي الكاتب المعروف, والدكتورة سهير القلماوي رئيسة الهيئة العامة للكتاب, ونجيب محفوظ رئيس مؤسسة السينما والذى أقاله بعدها الوزير بطريقة مهينة ولم يخبره بنبأ إقالته, وترك عبد الحميد جودة السحار الذى عين بدلا منه ليخبره بنبأ إقالته, لم تكن الإقالة بسبب أسئلة الأعضاء, ولكنها كانت لسبب آخر, وكان مع الوزير أيضا عبد الرازق حسن رئيس شركة القاهرة للإنتاج السينمائي , وعبد العظيم أنيس رئيس شركة التوزيع السينمائي , والمستشار مصطفى درويش مدير الرقابة وعصمت الدمهوجى مدير مكتب الوزير, وسعد الدين وهبة رئيس الشركة القومية للتوزيع .
ومن أعضاء المجلس خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة والسياسي المعروف وحوالي أربعين عضوا من أعضاء لجنتي الخدمات والثقافة وبينهم نائبتين.
تكلم الوزير لمدة ثلاث ساعات متواصلة عن المسرح والسينما والكتاب وسياسة الوزارة في تلك الشئون , وبعد انتهاء حديثه تحدث أحد الأعضاء وقال إنه لا يمكن أغفال الجنس في حياتنا , وتحدث عن المذاهب الأدبية والفنية , وهاجم الواقعية هجوما عنيفا وأعتبرها تشويها للجمال والأخلاق , وكانت المصادفة هي التي جعلت الأديب الكبير نجيب محفوظ يجلس في مواجهة العضو الذى يتحدث, وكان يستمع إليه باهتمام , مما جعل الكاتب المسرحي سعد الدين وهبه يعتقد أن نجيب محفوظ هجر الواقية بعد تلك الجلسة , وهاجم العضو فيلم قصر الشوق ومخرجه حسن الأمام , وقال إنه لا حسن ولا إماما , وقال عن مصطفى درويش مدير الرقابة التي أباحت عرض الأفلام الثلاثة : إنك لا مصطفى ولا درويشا , نريدك درويشا حقيقيا.
كما طالب هذا العضو بأغلاق دور السينما.
تحدث عضو آخر عن فيلم أقدم مهنة في التاريخ فقال إنه يحتوي على خمس قصص كلها دعارة، وصحح له الرقيب مصطفى درويش قائلا: أنها ستة.  مما أعتبره العضو تحديا له. وهاجمه بعنف أمام الوزير. 
تحدثت النائبات وقالت إن أحد زملائها دعاها لمشاهدة الفيلم، وقالت العضوة إن الفيلم قد أثارها وأضافت: لقد أثارني الفيلم وأنا سيده، كان الله في عون الرجال. وأبتسم الرجال وأطرق بعضهم حياءا وخجلا.
وتحدثت النائبة الثانية وكانت من الصعيد وقالت إنها قابلت في بلدها بعض السائحات الأوروبيات وقد أبدين دهشتهن عندما شاهدن الشباب المصري وهم يرقصون، وذكرت النائبة أن السائحات ذكرن لها أن الشباب في أوروبا يرقصون لأن الجو عندهم بارد والرقص يدفع الحرارة في أجسامهم. وقالت النائبة إن الوضع عندنا يختلف فالجو عندنا حار، والرجال ساخنون بطبعهم فلماذا يرقصون؟ وهاجمت العضوة أفلام الجنس، وبعد أن انتهت من الهجوم دارت حول المائدة ووصلت الى نجيب محفوظ وهمست في أذنه بأن لديها قصة عظيمة تصلح للسينما، وكان سعد الدين وهبة بجواره وسمع عبد الرازق حسن يصف لها موقع مكتبه في شركة القاهرة للإنتاج السينمائي قائلا:
- فوق التابعي بتاع الفول. 
وهاجم عضو آخر أفلام الجنس وقال إنها تفسد الشباب، وكان منفعلا، وبعد أن جلس سأله أحد زملاءه عن آخر مرة دخل فيها دارا للسينما. فقال في صراحة: 
- أنا بقالي خمستاشر سنة لم أدخل سينما. 
وتحدث عضو آخر فقال إن وجود تلك الأفلام في دور السينما مع موجة الانحلال في التليفزيون والصحافة يتم طبقا لمخطط لنشر الانحلال بين الشباب وصرفه عن واجب طرد المستعمرين من أرض الوطن.
رد الوزير على اتهامات الأعضاء وفندها. وطلب منهم تحديد الأفلام التي توصف بأنها جنسية على سبيل لحصر المشاهد الجنسية ومنعها، وأجمع الأعضاء على فيلم أقدم مهنة في التاريخ وفيلم انفجار، ولم يتفقوا على المشاهد المطلوب حذفها. وأعلن الوزير رفع سن الحظر على الصغار من 18 سنة الى 21 سنة، كما أعلن عن قراره برفع فيلم أقدم مهنة في التاريخ من دور العرض لاحتوائه على أكبر عدد من المشاهد الجنسية، وأعلن أن الحظر فورا، والغريب أنه عندما اعلن الوزير ذلك ارتفعت أصوات عدد من الأعضاء تطالبه بتأجيل المنع لمدة يوم واحد ليتمكنوا من مشاهدة الفيلم.
وتحدث أحد الأعضاء وقال إن المسألة بسيطة ولم بالوطن كارثة بعرض فيلم أو عدة أفلام فيها مشاهد لا يرضى عنها البعض وليس هناك مخطط ولا مؤامرة والأمر كله اختلاف في وجهات النظر ولا يستحق كل هذه الضجة، والمشاكل التي تعاني منها البلاد هي الأولى بالمناقشة وضياع المجهود فيها، وأيده في ذلك خالد محيي الدين، غير أن عدد كبير من الأعضاء هاجموهما وقاطعوهما. اتهموهما بإهانة الأعضاء، مما دعا أحد الأعضاء الى الخروج من الجلسة احتجاجا.