رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ولكم في الأرجنتين عبرة!

في أبريل 2024، اكتشف المصريون سلاحا جديدا، لم تصنعه المختبرات البيولوجية، ولا شركات إنتاج الأسلحة، ولا خبراء الطاقة النووية، بل صنعه رئيس يحاور شعبه، وشعب يحترم قائده وينصت إليه.

في احتفالية تكريم الأم المثالية بشهر مارس 2019، خاطب الرئيس جموع المواطنين قائلا: "عاوزين تسيطروا على الأسعار.. الحاجة اللي تغلى متشتروهاش "، هاج المترصدون وقالوا: ألن نأكل أو نشرب، ومرت الأيام واستدعى المواطنون نفس الخطاب، ليدركوا بعد مرور خمسة أعوام أن قيادتنا السياسية تتمتع ببعد نظر مدهش، يجب الالتفات إليه في كل الأحوال.

قرر المصريون إعادة استخدام نفس السلاح، الذي استخدمه العالم عمّا قريب في نوفمبر الماضي لمقاطعة من أرادو استخدام أموالنا في تصفية القضية الفلسطينية، لكن هذه المرة مع من يحرمونهم حق أساسي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي أقرتها الأمم المتحدة، وهو "الحق في الحماية الاجتماعية، ومستوى معيشي لائق".

بدأت حملة مقاطعة شراء الأسماك التي رفع التجار أسعارها بشكل جنوني وغير منطقي من محافظة بورسعيد، وامتدت لتشمل دمياط، والإسكندرية، ومطروح، والإسماعيلية، والسويس، البحر الأحمر، والبحيرة، وغيرها. ووصل الانخفاض في أسعار الأسماك المقاطعة إلى 70% في بعض الأماكن.

تشير البيانات الواردة في الإصدار الأخير من "مصر في أرقام 2023"، الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن الاستزراع السمكي في مصر لعام 2021 كان المحرك الرئيسي لإنتاج الأسماك، حيث بلغ حجم الإنتاج 1،570،664 طن، مقارنة بمصادر أخرى أقل كثيرًا في الإنتاج، مثل البحار بـ 95،627 طن، والبحيرات بـ 255،636 طن، والمياه العذبة بـ 74،506 طن.

هذا الاختلاف في مستويات الإنتاج يعد عاملًا رئيسيًا وراء ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية. إذ تأثرت أسعار الأسماك الأكثر إنتاجية (المزارع) بشكل مباشر بعوامل مثل ارتفاع تكاليف الوقود والأعلاف، بالإضافة إلى تحديات السوق كتسعير الجنيه والممارسات التجارية. وعلى الرغم من تحرير سعر الصرف، وتحسن العديد من هذه العوامل، إلا أن هناك العامل الأساسي وهو ممارسات التجار لم يتغير، والذي استدعى بالأساس نداء المقاطعة.

الإعلام يقف بجانب المواطنين، يسلط الضوء على حملاتهم، كما يرسي وعيا عاما بأسباب المقاطعة ومنطقيتها، جريدة الدستور قررت دعم الحملة بالتوازي مع انطلاقها بعدة محافظات، وتوسع الحملة لتشمل منتجات أخرى.

لكن فاعلية المقاطعة تعتمد بشكل كبير على مدى الالتزام والتنظيم من جانب المستهلكين والمشاركين في الحملة، بالإضافة إلى قدرتهم على استدامة الضغط على المدى الطويل.

عندما قاطع المواطنون الأرجنتينيون البيض عام 2008، في واقعة مشابهة لما يحدث اليوم بمصر، حاول التجار التشكيك في عزيمتهم، معتبرين أن الأمر كثيره أسبوع وينقضي، لكن المواطنين رفضوا ذلك، استمروا بمقاطعتهم حتى حصلوا على اعتذار من شركات الإنتاج، وتخفيض إضافي على الأسعار.

الأكل سلوك يحركه الدماغ بشكل أساسي، فكل قرار بتناول طعام معين يأتي نتيجة لتفاعلات كيميائية ونفسية تحدث داخل الجسم. تعامل الإنسان مع تلك التفاعلات يكشف الطبيعة العميقة لكيفية تعامله مع احتياجاته، ليصبح أمام خيار: إما إرضاء رغبته السريعة بالأكل التي قد تنتهِ فور تناوله لأي شيء، أو تحمل مسؤوليته الاجتماعية نحو الوصول لأسعار عادلة توفر حياة كريمة لكل مواطن.

سلاح المقاطعة ليس بجديد، وأشد فاعلية من أي سلاح آخر، جربناه من قبل في حملة "خليها تصدي"، كما جربه العالم أكثر من مرة وأثبت فعاليته. ونعيد استخدامه من جديد في حملة "خليها تعفن".