رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاد أشك فى نوايا حماس!

لم يكد الخبراء الدوليون يشيدون بالدور الذي تبذله القاهرة، من خلال المُقترح المصري، للتوفيق بين حماس وإسرائيل، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وعودة الحياة للشعب الفلسطيني، الذي ذاق الأمرين منذ هجوم مقاتلى حماس على المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاها من عدوان إسرائيلي، وتدمير للبنية التحتية والقضاء على كل مظاهر الحياة في القطاع، واستشهاد أكثر من خمسة وثلاثين ألف إنسان، ثلثاهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى إصابة نحو ثمانين ألفًا آخرين.

ولم أكد أسمع من هؤلاء الخبراء قولهم (إن مصر نجحت في تحقيق شبه المستحيل في هذا الاتفاق)، الذي كان يشهد وضع اللمسات الأخيرة عليه، بعد أن رسمت القاهرة تفاصيله، وعرضته على الفرقاء، وغادر وفد حماس القاهرة إلى الدوحة، ليعود غدًا الثلاثاء بالرد الأخير.. ما كدت أعرف كل ذلك، حتى انطلقت عشرة صواريخ من حماس على منطقة كرم أبوسالم الحدودي، بالقرب من جنوب قطاع غزة، لنقف جميعًا مشدوهين من هول الحماقة التي أقدمت عليها قيادات حماس، التي سمحت بهذا الهجوم، وهي تعلم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزيري حكومة يتسائيل سموتيريتش وإيتمار بن غفير، يودون لو أن هذا الاتفاق لا يرى النور، وأن يتم اقتحام رفح، بالرغم من التحذير المصري من الإقدام على ذلك، والتوجيهات الأمريكية لنتنياهو، بضرورة تجنب هذا الحماقة، التي لن تسفر إلا عن تفجر الوضع الإقليمي، واتساع رقعة الصراع في المنطقة.

دعونا نتفق، أن إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي إخلاء مناطق شرقي مدينة رفح الفلسطينية، وتلويحه بالبدء في عملية عسكرية برية، يأتي في سياقين.. الأول سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لاستخدام ضغط عسكري متقدم، كإحدى أدوات الضغط السياسي في مفاوضات صفقة التبادل، إدراكًا منه لأهمية رفح بالنسبة لحماس كمعقل أخير للحركة في القطاع، والسياق الثاني، رسالة تهدئة مطمئنة لليمين في إسرائيل ولأعضاء الحكومة، بأنه ماضٍ في حربه على حماس، وأنه سيدخل إلى رفح كما وعدهم.. وقد وقفت القاهرة شوكة في حلق نتنياهو، للحيلولة دون هذا الاقتحام، وجاءت بمبادرتها التي تستهدف وقف إطلاق النار في القطاع، والإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين، وعدد من المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، كخطوة في إطار تفاهمات الوقف النهائي لإطلاق النار.. إلا أن إطلاق الصواريخ من رفح الفلسطينية باتجاه كرم أبوسالم، شكَّل فرصة لنتنياهو لتبرير استخدام ورقة رفح لصالحه، سواء فيما يتعلق بتأمين جبهة اليمين، وممارسة مزيد من الضغط في المفاوضات، وعملياتيًا سيبرر الاحتلال الإسرائيلي هذه العملية، بأنها محاولة لتأمين تمركزات الجيش الإسرائيلي شرق رفح الفلسطينية من أي هجمات صاروخية.

إطلاق صوارخ حماس، غير الموفقة في توقيتها ومكانها، سيُعجل توجه بنيامين نتنياهو نحو اجتياح رفح، المنطقة المكتظة بملايين السكان، وإخلاؤها يحتاج لوقت طويل جدًا.. كما نرجح تأجيل صفقة التبادل، والتحرك لتلبية رغبات بنيامين نتنياهو في اجتياح رفح الفلسطينية، واستكمال مفهومه الشخصي بتحقيق ما يسمى (النصر المطلق)، بالإضافة لتسكين جبهة اليمين المتطرف في حكومته بالتوجه لرفح، قبل أن يقبل الطرفان المقترح المصري، بالذهاب لتهدئة خلال الأيام المقبلة، بعد أن يكون الشعب الفلسطيني قد عاني الأمرين، أكثر وأكثر، لأن منطقة مواصي خان يونس، المُقترح نقل اللاجئين في رفح إليها، غير مؤهلة لاستيعاب أعداد كبيرة من النازحين، لا من حيث المساحة ولا تتوفر فيها أي بنية خدمية، من شبكات مياه أو مخيمات مجهزة بخدمات الصرف الصحي ومتطلبات الإيواء والخدمات الصحية.

ولذا.. فإن النازحين سيواجهون ظروفًا صعبة، خصوصًا ونحن مقبلون على فصل الصيف وشح المياه وانتشار الأمراض، وهو ما سيكون له أبعاد كارثية للأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، فضلًا عن تأثيرات هذا التحرك على أمن واستقرار المنطقة التي تشهد استقطابًا عسكريًا منذ عدة أشهر.
وبالرغم من تأكيد مصدر مصري رفيع المستوى، أن استهداف حركة حماس لمنطقة كرم أبوسالم، أمس الأحد، بالصواريخ تسبب في تعثر مفاوضات وقف النار بغزة وتبادل الأسرى، فإن الوفد الأمني المصري يكثف اتصالاته لاحتواء التصعيد الحالي بين الطرفين، بعد أن تضاءلت احتمالات التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في ظل إصرار حماس على مطلبها في إنهاء الحرب في القطاع مقابل إطلاق سراح الأسرى، والتي رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤكدًا استمرار الحرب.. كما توجه مدير الاستخبارات الأمريكية، ويليام بيرنز، إلى قطر لمنع انهيار المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، في الوقت الذي أعلن الجيش الإسرائيلي، عن أن عملية إخلاء المناطق الشرقية لرفح تشمل نحو مائة ألف شخص، بعد دعوته السكان لمغادرتها تمهيدًا لعملية برية محتملة في المدينة، لأنه، كما أكد مصدر إسرائيلي، لم يكشف هويته، أن (استهداف حركة حماس لمعبر كرم أبوسالم بين إسرائيل وقطاع غزة، مع تأخرها في الرد على الاقتراح الخاص باتفاق يتم بموجبه إطلاق سراح رهائن، لم يترك خيارًا سوى البدء في التحرك).

■■ وبعد..
فإن إطلاق عشرة صواريخ حمساوية على معبر كرم أب سالم، ومقتل أربعة جنود إسرائيليين، يثير في نفسي بعض الشكوك، في دوافع هذا الهجوم وأهدافه، من قِبل حماس، وقد حذرت القاهرة إسرائيل، من أن أي عملية برية في رفح، ستؤدي إلى تعليق فوري لاتفاقية السلام الثنائية، بين مصر وإسرائيل، في وقت يحاول المسئولون الإسرائيليون إقناع مصر بالموافقة على إبداء بعض التعاون فيما يتعلق بعملية برية في رفح، وهو ما يعارضه الجانب المصري، وقد نسبت (وول ستريت جورنال) إلى المسئولين المصريين، القول إن مصر أعادت خلال الأيام الأخيرة نشر العشرات من دبابات القتال الرئيسية ومركبات المشاة القتالية قرب معبر رفح الحدودي.

وقالت تقارير إخبارية إن إسرائيل بدأت إجلاء المدنيين من رفح، فيما أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، نظيره الأمريكي، لويد أوستن، أنه لم يعد أمام إسرائيل خيار سوى شن هجوم على رفح جنوب قطاع غزة.
لقد لعبت الدبلوماسية المصرية دورًا فعالًا وهادئًا قبل اندلاع الحرب وأثناءها، وسعت إلى إقناع أصدقاء وداعمى إسرائيل بضرورة تغيير سياساتها، لأن ما تفعله تل أبيب سيكون من شأنه أن يلحق الأذى بالمنطقة والعالم، وينفض أصدقاءها من حولها، وقد رأينا التحولات فى المواقف الأوروبية، والتغيير النسبى فى المواقف الأمريكية.

وكان الدور المصرى حاضرًا بهدوء وفاعلية فى تلك التحولات، لأنه خاطب العقل الغربى بالطريقة التى تحقق أعلى مردود عملي، وليس مجرد تسجيل مواقف أو الظهور الإعلامي.. وما لم تفهمه حماس، أن الفورة الشعبية التي تجتاح الجامعات الأمريكية، مُناصرة للشعب الفلسطيني وداعمة لحقوقه المشروعة، وكذلك تراجع التأييد الغربي للدولة اليهودية، ربما يكون هو والعدم سواء، جراء مثل هذا الاعتداء على معبر كرم أبوسالم.. وربما نكتشف يومًا قريبًا، أنه كان وراء الأكمة ما وراءها!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.