أهلاً بالعيد!
من منَّا لم يكره «نعيق» الغراب؟ ومن منّا لم يتطيَّر من مشاهدته وهو يتقافز بمشيته العجيبة خاصة فى الصباح؟ ويأتى هذا التطيُّر كنوع من الموروث الشعبى الملتصق بعادات ومأثورات ومعتقدات البيت المصرى، فهذا التشاؤم مصدره مدلول كلمة «نعيق» فى لغتنا العربية وهو « الصياح المهيِّج للفتنة»، فتلهج الألسنة على الفور بعبارة التمنى الشهيرة: « اللهم اجعله خيرا»! ولكن برغم أخذ الحذر من وقوع عيوننا على «الغراب» فإن هذا المخلوق العجيب علَّمنا مالم نكن نعلم منذ بدء الخليقة، حين ذكر المولى سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز وفى سورة المائدة: «فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ»! ولكننا فى أجمل احتفالاتنا الدينية على الإطلاق وهى مناسبة عيد الأضحى المبارك، مازلنا نصر ـ كنوع من التباهى أو الغفلة ـ على ممارسة طقوس «النحر» للأضحية فى الشوارع وعلى مداخل وأسطح البيوت، ونغمس أكفـُّنا فى الدم لنوشمها على الأبواب والنوافذ والحوائط، وهذا المظهر علاوة على أنه سيىء وغير حضارى، فهو يحمل فى طياته كل أشكال التلوث التى يجتمع حولها الملايين من الذباب وما يحمله من أمراض فتاكة للمجتمع، ناهيك عن الترويع الذى يصيب الأطفال الذين لا يدركون المعنى الحقيقى لهذه الأضحية، وربما تعاف أنفسهم مذاق اللحم طوال حياتهم حين يرون ما يعتبرونه «سوءات» لم نستطع مداراتها كما فعل «الغراب»! وربما تكون هذه الممارسات تتم فى البيوت على مستوى العائلات التى تحتفل بالنحر بهذه الطريقة، ولكن أين الرقابة على محلات «الجزارة» التى تنتهز فرصة قدوم عيد الأضحى المبارك ليقوموا بعملية «الذبح» غير القانونى لقطعان الخراف وكل أنواع الماشية دون تصاريح الرقابة الطبية وأختام الصلاحية الصحية بمعرفة أطباء المجازر الرسمية التابعة للدولة، ولا يخفى عليكم جشع التجار انتهازًا لهذه المناسبة بتمرير الحيوانات التى تحمل الأمراض طمعًا فى ازدياد المكاسب والعوائد الناتجة عن بيع هذه اللحوم ، كما نشاهد «الجزارين» المتجولين يعرضون خدماتهم دونما ترخيص يذكر بمزاولة هذه المهنة، أين الدور الرقابى للدولة تجاه هؤلاء؟! فالمواطن فى غمرة فرحته بقدوم العيد لا يلتفت إلى هذه السلبيات والاستغلال السيىء لهذه المناسبة من جانبهم فيقبل على شراء اللحوم التى يروجون لها فيصبح عرضة للإصابة بالمرض وويلاته فتنقلب فرحته بالعيد إلى تعاسة، فهؤلاء لاقلب لهم همهم ينصب على الربح غير عابئين بما يسببه جشعهم هذا من معاناة للآخرين..ليت وزارة الصحة والمسئولون ينتبهون قبل فوات الآوان ويشددون رقابتهم ويحمون المواطنين من التعرض للغش، بل ونهيب بالسادة المسئولين سرعة الإعلان عن فتح المجازر الحكومية بالمجان ـ أو بأثمان رمزية ـ لجماهير الشعب، وبهذا نحقق عدة أهداف سامية بقرار واحد، ليجتمع أصحاب «الأضحية» فى شبه احتفال جماعى يحقق التواصل والتكافل بين الجميع، ونقى شوارعنا وبيوتنا من منظر الدم وموبقاته، وليت الاعلام يكثف نشراته التوعوية لتنبيه المواطنين وتحذيرهم من هذه الأمور .. إن الأسرة المصرية بالكاد تجد ما يكفى سد احتياجات العيد من ملابس جديدة للأبناء وعيدية لإدخال بهجة العيد إلى قلوبهم وخاصة ونحن على مشارف عام دراسى جديد يموج بمطالبات مادية كثيرة للوفاء باحتياجات ملحة من زى مدرسى ومصروفات دراسية وخلافه، ألا تكفى هذه الأعباء على البيت المصرى، فلنسهم فى إضفاء لمسة فرح حقيقية بقيام كل مسئول بدوره لحمايتنا من المستغلين وسارقى الفرح، نريده عيدًا جميلاً يحمل السعادة والفرح إلى كل بيت مصرى فى أرجاء المحروسة ..لا تستكثروا عليناالغبطة والسرور بلا منغصات .. أهلا بالعيد الذى نتمناه سعيداً على مصر ورئيسها وشعبها وقواتنا المسلحة ورجالها البواسل وشرطتها المخلصة.
■ أستاذ الدراسات اللغوية ـ أكاديمية الفنون