جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مع بداية حكم الرئيس الأمريكى جو بايدن



تتوجه أنظار العالم صوب البيت الأبيض الأمريكى بعد تسلم الرئيس الجديد، جو بايدن، «السادس والأربعين»، مقاليد حكم الولايات المتحدة الأمريكية، عله ينجح فى تضميد الجراح ورأب الصدع فى الداخل، الذى سببته سياسات سلفه دونالد ترامب العنصرية والاستعلائية، وعله ينجح فى رتق سياسات ترامب الخارجية التى اعتمدت على فرض الحصار والعقوبات على الدول والانسحاب من الاتفاقيات والالتزامات الدولية.
ومن المعروف أن أمريكا دولة مؤسسات لها مصالحها وتضع خططها الاستراتيجية وفق مصالحها، وبها عدة إدارات تسهم فى صنع واتخاذ القرار، وهى الكونجرس بغرفتيه مجلسى النواب والشيوخ، وإدارة اتخاذ القرار فى البيت الأبيض، وتتكون من رئيس الدولة مع ١٤ وزيرًا ومستشار الأمن القومى، أما ثالث هذه الدوائر هى البنتاجون أو وزارة الدفاع، والمخابرات المركزية الأمريكية C I A المسئولة عن جمع المعلومات وتقييمها وتقديمها إلى الرئيس فى صورة توصيات بشأن السياسة الخارجية للدولة، وزد على ذلك المجمع الصناعى العسكرى الذى يتغلغل فى اتخاذ القرارات من أجل مصالحه، وهذا معناه أن اتخاذ السياسات والقرارات ليس وفق مصلحة الرئيس، ولكن وفق مصلحة أمريكا المهيمنة والمسيطرة بمئات القواعد العسكرية فى العالم، والمحلقة كقطب واحد لا يريد الاعتراف بأن هناك أقطابًا أخرى صاعدة ومؤثرة فى العقد المقبل، وعلى رأسها الصين التى تتربع على عرش الاقتصاد العالمى وتنافس بمنتجاتها رخيصة الثمن مع الجودة، والتى حققت نموًا يصل لـ٢،٣٪ فى عام جائحة كورونا ٢٠٢٠، بينما لم تصمد اقتصادات الدول الكبرى.
وبجانب الصين تصعد روسيا كقطب استراتيجى عسكرى، ومن هنا يبرز التساؤل ماذا بشأن السياسات الخارجية لجو بايدن؟
فى الأيام الأولى، وبعد تسلم جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، اتخذ عدة قرارات سريعة كمحاولة لرأب الصدع الذى تسببت فيه رعونة وحمق قرارات سلفه دونالد ترامب، حيث أكد فى خطابه الأول للشعب الأمريكى أن من أولوياته إعادة اللحمة بين مكونات الشعب الأمريكى ومواجهة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وجاء فى خطابه: «يجب أن نتوحد كأمة واحدة ونتطلع إلى الأمام.. التطرف والإرهاب المحلى يجب هدمه، وعلينا محاربة الفكر الذى يؤمن بتفوق العرق الأبيض.. بالوحدة نستطيع أن نحارب العداء والمرض وانعدام الأمل والعنف وإعادة بناء الطبقة المتوسطة، ونستطيع أن نطبق العدالة الاجتماعية.. لنبدأ بداية جديدة، ونبدأ بالاستماع لبعضنا البعض».
بدأ جو بايدن فى إصدار قرارات تعالج ما سببه الرئيس السابق من شروخ وتوترات فى العلاقات الخارجية، ومنها العودة للاتفاقيات الدولية التى انسحبت منها أمريكا فى عهد ترامب، ومن هذه القرارات:
عودة واشنطن لاتفاقية المناخ ولمنظمة الصحة العالمية، والوفاء بالتزاماتها لمنظمة الأونروا.
إلغاء حظر السفر الذى فرضه ترامب على ١٣ دولة تقطنها أغلبية إسلامية، مما سيعمل على لم شمل العائلات من جاليات الشرق الأوسط وأيضًا الرعايا الأجانب واللاجئين من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بما فى ذلك سوريا والعراق وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن، ومن كوريا الشمالية وبعض المسئولين فى فنزويلا وأقاربهم.
إصدار قرار بشأن الهجرة يفتح مسارًا للحصول على الجنسية أمام ملايين المهاجرين المقيمين فى أمريكا بصورة غير قانونية، وتعليق بناء الجدار على حدود المكسيك.
مراجعة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، لأن تصنيفهم ضمن المنظمات الإرهابية سيزيد من تعقيد الأزمة، ويمنع وصول المساعدات الإنسانية لملايين من اليمنيين المتضررين من الصراعات والحروب وفيروس كوفيد- ١٩.
ومن المتوقع أن يعيد جو بايدن الاتفاق النووى الإيرانى، ولكن مع شروط التزام إيران بعدم تخصيب اليورانيوم، لدرجة تمكنها من امتلاك قنبلة نووية، وأيضًا إجراء مفاوضات حول المنظومة الصاروخية الإيرانية، ولكن نجد أن هذا سيأخذ وقتًا لأن إيران تطلب رفع العقوبات الاقتصادية قبل أى مفاوضات.
وإذا انتقلنا للقضية الأساسية وهى القضية الفلسطينية، فسنجد أن سياسة جون بايدن لن تلغى بالتأكيد ما تم من قرارات ترامب من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ولكن من الممكن عودة فتح القنصلية الفلسطينية فى واشنطن، وفتح قنصلية أمريكية فى القدس الشرقية مع العودة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية على أساس القرارات الدولية وحل الدولتين.
أما بالنسبة لعلاقات أمريكا بدول الخليج، فلن تتدخل فى علاقات هذه الدول بإسرائيل- «بخصوص التطبيع والتعاون لمواجهة الخطر الإيرانى»- ولكن من المؤكد أنه فى حالة العودة إلى الاتفاق النووى مع إيران سيتطلب ذلك من دول الخليج ومعها الكيان الصهيونى إعادة النظر فى العداء والعلاقات مع إيران، ويتطلب أيضًا وقف الحرب على الحوثيين فى اليمن وبداية الحل السياسى.
بالتأكيد ستكون هناك متغيرات جديدة فى الساحات والعلاقات، ولكن علينا أن نعرف أن سياسات أمريكا تحكمها مصالح المجمعين الصناعى والعسكرى، ومصالح الحفاظ على أمن وقوة الكيان الصهيونى، وفى نفس الوقت هناك الأقطاب الصاعدة كروسيا والصين فى هذا العقد والعقد المقبل من القرن الحالى.. فهل نفكر فى نفض ثوب التبعية ونبدأ فى التحرك لتحقيق مصالحنا؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.