جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«براءة مسلوبة».. أطفال «التخاطب» يعانون بعد وقف جلساتهم

أطفال التخاطب
أطفال التخاطب

كانت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة قرب آذان المغرب، حين طرقت "هالة محمد"، 26 عامًا، ربة منزل، عيادة التخاطب التي يحضر فيها نجلها "محمود" ثلاث جلسات أسبوعيًا، في حي رجال الأعمال بمدينة 15 مايو، إلا أن طرقها لم يجب عليه أحد، فتواصلت هاتفيًا بالطبيبة المسؤولة عن المركز، والتي أخبرتها أن الجلسات متوقف خلال تلك الفترة منذ صدور قرار حظر التجوال، لترحل خابة الرجاء.

في الخامس والعشرين من مارس الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بفرض حظر التجوال من الساعة السابعة مساء حتى السادسة صباحًا، مع فرض حظر تجوال كلي يومي الجمعة والسبت، لمنع التجمعات بين المواطنين، في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، الذي كسرت فيه مصر حاجز الـ1000 إصابة خلال الأسبوع الماضي.

الحظر الذي تم مده لإسبوعين قادمين من الثامنة مساء حتى السادسة صباحًا، ألقى بظلاله على مرضى التخاطب وذويهم، الذين يحتاجون من جلستين إلى ثلاثة أسبوعيًا في مراكز وعيادات التخاطب، إلا أن الكثير منها أغلق أبوابه خوفًا من انتقال العدوى بين الأطفال، والتزمت الأمهات البيوت، لكن كيف يعيش هؤلاء بدون جلسات تخاط؟ "الدستور" حاورت عددًا منهم إلى جانب المراكز للتعرف على الأزمة.


هالة: "حالة ابني تدهورت ومراكز التخاطب أغلقت أبوابها"

لدى هالة ابن في الثالثة من عمره، يعاني من صعوبة في الكلام منذ ولادته، تقول: "الأطفال في سن عام يبدأون في إصدار أصوات غير مفهومة لكنها تدل على أن جهاز النطق لديهم سليم، لكن محمود ابني بلغ من العمر ثلاث سنوات دون أن ينطق كلمة واحدة فهو صامت طوال الوقت".

منذ عام تذهب به "هالة" إلى مركز تخاطب في مدينة 15 مايو، بعدما أخبرها الطبيب أنه يعاني من صعوبة في النطق والكلام، ويحصد الطفل ثلاث جلسات أسبوعيًا، حتى جاءت أزمة انتشار فيروس كورونا، وضربت معظم القطاعات: "تخشى المراكز من أن تتسبب في انتقال العدوى بين الأطفال، لذلك أعلنت عن توقف نشاطها وأوقفت جميع الجلسات للمرضى من الأطفال منذ حظر التجوال".

لم تجد "هالة" حلًا في تلك الظروف مع نجلها، لاسيما أن حالته كانت تسوء بمجرد اختفاء تلك الجلسات، بحسب تأكيدها، حاولت أن تعطيه جلسات بنفسها من خبراتها السابقة التي تراكمت من ذهابها للمركز إلا أن الأمر لم يجد بتحسن.

تضيف: "الأزمة ليست في الجلسات فقط، ولكني ابني يعاني من ضعف جسدي شديد، وكانت الطبيبة المسؤولة بالمركز تكتب له كل فترة نظام غذائي يسير عليه دون تغيير، وحاليًا تم وقف هذا النظام ولاحظت عليه ضعف أكثر من الأول وحالته تدهورت للغاية".


رحمة: "أقوم بجلسات تخاطب لابني في المنزل لكنها لا تُجدي"

لم يختلف حال "رحمة الصاوي" 27 عامًا كثيرًا، فلديها طفل في الخامسة من عمره ويعاني من صعوبة في النطق، تقول: "الأمر بدأ مع ابني في السمع وهو لديه عامين كان يسمع بثقل تام، وحين ذهبت إلى معهد السمع والكلام، اتضح لي من تشخيص الطبيب، أنه لديه صعوبة في النطق واستمرت معه بعد أزمة السمع".

"أبواب المراكز والعيادات أغلقت خوفًا من العدوى، فكنت اتابع مع مركز في منطقة حلوان، إلا أنه علق نشاطه حتى انفراج الأزمة"، رحمة لم تجد حلًا إلى الآن، إلا أن تتواصل بشكل جيد من نجلها وتلهو معه وتحاول تشغيل جميع حواسه عوضًا عن توقف جلسات التخاطب.

تضيف: "قمت بجلب طرق التعامل مع أطفال التخاطب من شبكة الإنترنت من أجل أن أقوم بثلاث جلسات له إسبوعيًا، يكون في آخر منها اختبار له، ومنعت عنه جميع الإلكترونيات التي تؤثر على حواسه بشدة، إلا أن كل ذلك لم يكن كافيًا عن الجلسات".

تدهورت حالة نجل "رحمة" بشدة بحسب وصفها، فعادت له أزمة السمع مرة آخرى، بعدما تخطاها منذ سنوات، أصبح لا ينطق طوال اليوم كلمة واحدة: "لم يستطع قول كلمة ماما منذ توقف الجلسات، ولسانه أصبح ثقيلًا جدًا ولا أعرف ما الحل؟".

مركز الزهور: "قُمنا بتعليق الجلسات ونتواصل مع الحالات عبر الفيديو"

بسبب الحظر وتقليل ساعات العمل، أغلقت أغلب مراكز التخاطب أبوابها خوفًا من العدوى، التي قد تنتشر في المركز بين الأطفال، كان من بينهم مركز الزهور في مدينة 15 مايو بالقاهرة، ففي اتصال هاتفي أاكد مسؤول المركز أنه تم تعليق الجلسات التخاطب منذ فرض حظر التجوال وانتشار فيروس كورونا في مصر.

يرجع صاحب المركز السبب إلى التخوف من انتشار العدوى بين الأطفال: "في البداية قمنا بتوزيع الجلسات طوال اليوم على مدارس الأسبوع منعًا للازدحام، ونعقم كل شيء ونطلب من ذوي الطفل تعقيمه جيدًا قبل الذهاب إلى الجلسة، ومنع اصطحاب كبار السن ويكون مع الطفل الأب أو الأم وليس الإثنان".

يضيف: "لكن الأمر بدأ في التطور إلى جانب فرض حظر التجوال على المواطنين، فخوفًا على الأطفال، وتقويض فرص انتشار فيروس كورونا، قمنا بتعليق الجلسات، رغم الشكاوى العديدة من الأمهات، ولهم كل الحق فيها لكن ليس لدى المركز حلول أخرى في الحفاظ على أرواح الأطفال".

المركز قدم خدمة للأمهات خلال فترة الحظر وتعليق الجلسات، وهي إتاحة التواصل مع الأسر عبر التليفون ووسائل التواصل الاجتماعي مع الإخصائي المسؤول، لدعمهم تقديم الخدمة عبر الإنترنت، والڤيديو كونفرنس قدر الإمكان وحسب الحالة.

كما تم وفقًا للمسؤول، تجهيز خدمات تدريبية عبر الإنترنت لتتمكن الأسر من متابعة ابنائهم، مع تعليق جميع جلسات التخاطب وأنشطة تنمية المهارات والإرشاد الأسري، حتى يتم وقف الحظر وفي حال استمراره سيستمر تعليق الجلسات، مبينًا أن جلسات الفيديو لا تغني عن الجلسات المباشرة لكن ليس باليد حيلة.


مركز الرحمة: "إجراءات السلامة لم تكن كافية وكان لا بد من تعليق الجلسات"

لم يختلف الحال في في مركز الرحمة للتخاطب بمحافظة الإسكندرية، والذي قام بتعليق جلسات التخاطب به منذ فرض حظر التجوال، وانتشار فيروس كورونا في مصر، كنوع من الاجراءات الاحترازية منعًا لانتشار العدوي بين الأطفال وحفاظًا على صحتهم.

مسؤول المركز يؤكد أنهم اتبعوا منذ انتشار فيروس كورونا عدد من إجراءات السلامة منها حفاظ أولياء الأمور على النظافة الشخصية للطفل، منع الشرب في الأكواب الزجاجية داخل المركز واستبدالها بالبلاستيك مع توفير المركز لها.

كذلك تم عمل مقاعد جديدة تحافظ على المسافة متر بين كل طفل وآخر داخل المركز، ويقوم كل اخصائي بتعقيم يديه وتعقيم الأدوات والمرتبة الخاصة بعد كل حالة كشف، والاكتفاء بالأطباء الاخصائيين فقط داخل المركز، وإعطاء أجازة للطاقم الإداري لتخفيف قوة العمل.

تزايد الحالات وفرض حظر تجوال من قبل الحكومة، دفع المركز إلى الإعلان مؤخرًا عن وقف أنشطة التخاطب والتداخل المبكر وتنمية المهارات، منذ يوم 20 مارس الماضي وحتى الآن، والاستمرار في تعليقها حتى تنفرج الأزمة.


إخصائيو تخاطب: "ارتفاع سعر أدوات التخاطب اللازمة بسبب كورونا دفعنا لتعليق الجلسات"

أخصائيو التخاطب كانوا أحد الفئات المتضررة أيضًا، بعدما أغلقوا مراكزهم وعيادتهم الخاصة، وبدأوا في التواصل عبر الإنترنت مع الحالات، كانت منهم أسماء عادل، استشاري تعديل السلوك والتخاطب، التي توضح أن الأزمة لدى مرضى التخاطب تعمقت للغاية وأصبحوا في خطر خلال الوقت الحالي.

تضيف: "أغلب المراكز والجلسات الخاصة لنا كاستشاريين تخاطب تم تعليقها، منعًا للتجمع والاختلاط، ولا نقوم سوى بعقد جلسات عبر خاصة الفيديوكونفراس، مع ذوي الحالات والتي تكون ضرورية فقط، وبالطبع لا تغني عن الجلسات التي تكون مباشرة بين الحالة والاخصائي".

"أطفال التخاطب يواجهون أزمة حقيقة لا حل لها، فالمراكز تخشى العدوى ونحن كإخصائيين لن نضحى بعدوى أحد منهم في نفس الوقت لا نجل حل لإنقاذهم"، عادل توضح أنها مستمرة في عقد جلساتها عبر الفيديو ولكن مجانًا ليس كالجلسات العادية التي كانت تعقد.

أما الدكتور عامر الطيب، استشاري التخاطب والسلوك، يقول: "جميع مراكز التخاطب أغلقت سواء الجلسات الفردية أو الكشوفات العادية والحضانات، وطفل التخاطب إذا ابتعد عن الجلسات فترة طويلة وجلس في المنزل ممكن أن تفقد ذاكرته كل شيء تعلمه، فلا بد للأم من القيام بجلسات خاصة له في المنزل بمساعدة الإخوات والزوج".

استشاري التخاطب خصص ساعتين يوميًا لتلقي استفسارت الأمهات على الهاتف، والتي في رأيه لا تغني عن الجلسات المباشرة لكن ليس هناك حل آخر: "كل أم تمتلك كشكول خاص بالجلسات لا بد أن تقوم بتنفيذه بمفردها حتى تنفرج الأزمة.

الأزمة لدى الطيب، ليست في تعليق الجلسات فقط، ولكن غلاء المستلزمات الطبية منذ انتشار فيروس كورونا بشكل مفاجىء، مبينة: "كلما ذهبت إلى صيدلية لشراء أدوات التخاطب التي يحتاجها المريض في الجلسة، أجد أن سعرها ارتفع عن المرة السابقة دون مبرر لدى الصيدلي سوى أن الأزمة الحالية أثرت على جميع المستلزمات الطبية".