جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حين سالت الدماء.. حكايات خاصة لـ"شهداء معركة البرث"

جريدة الدستور

كانوا يغازلون الشهادة كل يوم، هم شُجعان لايخشونها، بل يبحثون عنها في كل شبر من أرض الوطن حتى نالوها في ملحمة عسكرية، رغم استشادهم فيها إلا أنهم لقنوا الإرهابين خلالها درسًا في التضحية فداء الوطن لن ينسوه أبدًا.

7 يوليو العام 2017، الذكري الثانية لاستشهداء أبطال كتيبة 103 صاعقة في كمين مربع البرث بمدينة رفح، بعد مواجهة مع مجموعة إرهابية، "الدستور" تكريمًا لهم حاورت أصدقاء بعض شهداء المعركة وتحدثت عن أبرز مواقفهم الإنسانية قبل استشاهدهم.

صديق مغربي: كان معطاء ولا يتأخر عن تلبية أي طلب لأهل بلدته
أحمد عرفات، صديق الشهيد أحمد مغربي، وابن خالته، قال مغربي كان معطاء ولا يتأخر في تلبية أي أمر لأهل بلدته، وفي يوم جنازته وعندما وقفنا أمام المسجد منتظرين وصول الجثمان، جاءت سيدة منتقبة وقفت بجانب والدة الشهيد وقالت لها: "الله يرحمه كان بيجهز بنتى اليتيمة".

وتابعت، "كان يأتي أول كل شهر يعطيني مبلغ كبيرمن المال، بعد علمه بوفاة زوجي، وأننى لا أملك مصدر رزق، وساعد في تجهيز ابنتى العروسة"، وعقب الجنازة اختفت هذه السيدة وظل أهل الشهيد المغربي يبحثون عنها كي يكملوا مسيرة ابنهم الشهيد لكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى مكانها.

وتابع عرفات، انتشرت حكاية هذه السيدة في طوخ،وبحث عنها الجميع حتى أصدقاء "خالد" لكن دون جدوى، وبدأ يأتي لمنزل أهله الكثير من المساكين؛ بحثًا عن صدقة ولم يرد أهله أيًا من السائلين.

وفي أحد الأيام جاءت السيدة المنتقبة، التي كانوا يبحثون عنها إلى والدة الشهيد، وعندما سألتها عن سر اختفائها قالت لها ذهبت حتى لا تظنوا أنني أتيت كى أخذ منكم أموالًا، ولكنني جئت لأحكي لكم ماذا كان يفعل معي ومع غيري.

وقصت عليهم السيدة المنتقبة، قصة جديدة لمغربي مع إحدى السيدات المُسنات، وقالت: "كان في واحده جارتنا عجوز عمرها يقرب من الـ٧٠ عامًا، ولم يكن لها أهل بعد أن رماها أبنائها، وحكيت للنقيب خالد حكايتها وطلب مني أن يزورها في المنزل".

وبالفعل اصطحبته إلى منزل السيدة المُسنة، مضيفة: "وقال لها يا أمي أنا في مقام ابنك ومتكفل بطعامك، وأنا ظروف عملي تمنعني أن أكون متواجد دائمًا في طوخ، لكن هذه السيدة -المنتقبة-، ستأتي لك كل يوم بالطعام وأنا سأزورك كل 15 يوم عندما أعود من عملي، وأعطاني مبلغ كبير من المال وطلب مني إحضار الطعام لها ووصاني على زيارتها يوميًا".

وعندما عاد الشهيد في أول زيارة له من الجيش، قرر زيارة السيدة المُسنة قبل أن يذهب لأهله وطرق بابها لكن دون رد، فأخبرة أحد جيرانها بأنها قد توفيت، فبكى كثيرًا، وقال للسيدة المنتقبة: "إنتي كنتي بتراعيها زي ما قولتلك وبتجبيلها الأكل"، وحين ردت بالإيجاب قال لها بحزن شديد: "ياعالم ماتت عطشانة ولا جعانة واشيل ذنبها".

واستشهد النقيب أحمد المغربي وهو في 25 من عمره، قبل ولادة طفله الوحيد، وتم ترقيته إلى مرتبة نقيب عقب استشهاده.


أصدقاء المنسي: كان حمايتنا وقدوتنا
وائل أبو زيد، أحد أصدقاء الشهيد أحمد المنسي، والذي قصّ لـ"الدستور" بطولات عن البطل الشهيد المنسي، قال: "قبل أيام قليلة من استشهاد العقيد أحمد المنسي، كان بيزورنا في مقر تمركزنا القديم، فقلت له وقتها مداعبًا ما تيجي نتصور سوا عشان لما تموت نرفع صورتك ع الفيس، فرد يلا عشان ربنا يسمع منكوا".

وأضاف: "كان يتمنى الشهادة وكانت ضحكته لا تفارق وجهه أبدًا، وكان متواضعًا مع الجميع ويخدم الجميع ابتداءً من زملائه حتى أصغر مجند معه في الكتيبة".

أحمد كمال، أحد أصدقاء الشهيد المنسي، قال بدأت حكايتي معه عندما جاء إلى أنشاص وقال: "يا رجالة أنا لسه ماسك من فترة مكان أخويا المقدم رامي حسنين وعايز ناس تيجي معايا العريش، ذهبنا معه إلى العريش وكان لنا أب وأخ وقدوة ومعلم قبل مايكون قائدنا".

وعن ذكرياته مع يوم استشهاد المنسي في كمين البرث، قال: "اليوم ده عمري ما هنساه عرفت فيه معنى الفقد، إحنا كنا في عنفوان رجولتنا وشموخنا وده خدناه منه بس أنا مكنتش أتوقع أن ادمع كدة لا إراديًا وإحنا بنصلي عليه، بصيت في وش زمايلي لاقيتهم كلهم بيعيطوا".

واستطرد: "المنسي كان أبونا كنا بنتحامى فيه، فجأة كده يروح من غير مقدمات، ومش هو بس لا ده شبراوي وحسنين ومؤمن رزق وعبد الجواد وفراج ونجم وصلاح وعلى على وكل أبطال البرث ومن قبلهم محمد طه ومحمد أيمن وعبد النبي".


رامي حسنين كان أبًا لكل فرد في كتيبته
"عندما يحين الأجل فلا شئ يوقفه، ولكن اللهم أرزقنا حسن الخاتمة، والثبات عند البلاء والصبر إنك علي كل شئ قدير"، كانت آخر الكلمات التي كتبها الشهيد العقيد رامي حسنين قبل استشهادة في سيناء، بمعركة البرث.

قال أحد أصدقاءه في كتيبة الصاعقة، قال: "حسنين كان من القادة العظماء، وبطلًا ومثلًا أعلى بمعنى الكلمة، فلا أبالغ عندما أقول إنه أب لجميع أفراد الكتيبةن كان يحبنا ويحترمنا جميعًا وكلنا كنا نتمنى أن نشارك في المداهمات معه".

وتابع "الشهيد رامي اجتمع بنا في آخر مداهمة وقال لنا حد محتاج حاجة من أهله، حد زعلان مني، أنتم مثل أولادى فى البيت، وكأنه يعلم أن هذا هو لقاؤه الأخير بنا، وبالفعل استشهد في هذه المداهمة".