جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حالة كل دقيقتين.. سر ارتفاع معدلات الطلاق في مصر

جريدة الدستور

تزوجت مريم سعد، 27 عامًا، تعمل مُدرسة، في سن صغير، بعدما أتممت مرحلة التعليم الجامعي، وزرقت بطفلتها الأولى ندى، والتي عملت على رعايتها وتلبية كل احتياجاتها حتى بلغت سن الرابعة من عمرها، وفي تلك الفترة بدأت تدب الخلافات بينها وبين زوجها.

كان يعمد في البداية بحسب ما تروي إلى تهديدها بالطلاق، حتى بدأ يستسهل الطلاق الشفوي، ويقوم بتطليقها ومن ثم ردّها مرة أخرى قبيل انتهاء شهور العدة. تقول: "كان بيستسهل الطلاق الشفوي ويردني تاني من غير مأذون".

7 مرات طلقها الزوج وأعادها مرة أخرى، دون أن يعلم إحداهما شرعية ذلك، إلا أنها في المرة السابعة حين أراد إعادتها مرة أخرى، طلبت منه الذهاب إلى الأزهر الشريف والذي أفتاها بأنه لا يجوز.

تختتم: "زوجي كان متعود على الطلاق الشفوي والرجوع مرة تانية، وأثر كتير على بنتنا الوحيدة ودراستها، فترات بتبعد عني أو عن والدها، وأوقات عننا إحنا الإتنين بسبب مشاكل الطلاق الشفوي".

"مريم" هي ليست الوحيدة التي كانت ضحية الطلاق الشفوي، الذي يستسهله كثير من الأزواج، لكونه غير موثق ولا يحتاج إلى مأذون حتى فى رد أو إعادة الزوجة، إلا أن الأمور ربما لن تسير كثيرًا على ذلك.

وأعلنت اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أنها ستعرض مشروع قانون توثيق الطلاق الشفوي، وأنها ستقوم بإحياء الأمر من جديد، وعرضته على الجهات الدينية للمناقشة في الضوابط التي تم وضعها بالقانون والتي ستحدد وقوع الطلاق الشفوي من عدمه.

مشروع القانون نظم وقنن عملية الطلاق الشفوي، وعدم تركها لبعض الرجال المتهورين الذي يستسهلون إخراج لفظ الطلاق من الفم، دون وعي بالنتائج التي ستترتب على وقوع الطلاق من تشريد أسرة كاملة.

حالة "علا" 30 عامًا، ربة منزل، مختلفة بعض الشيء، فهي ضحية طلاق شفوي، ولكن استغل زوجها عدم توثيقه للانتقام منه، فعقب خمس سنوات زواج نتج عنها فتاه وولد لا يتعد عمرهم عامين، استقرت هي وزوجها على فكرة الطلاق.

"رفض تطليقي إلا بالتنازل عن جميع مستحقاتي"، توضح الفتاه أن ذلك كان شرط زوجها الوحيد للانفصال، إلا أن ذويها رفض التنازل عن حقوقها، فلجأ الزوج إلى طريقة ليّ الذراع، بتطليقها شفويًا دون توثيق الطلاق حتى لا تحصل على حقوقها.

تقول: "طلقني شفوي، وفضل معلقني ومرضاش يبعتلي القسيمة خالص، ولا يوثق الطلاق، والغرض من ده أنه عايزني أاتنازل عن حقوقي مقابل القسيمة والتوثيق، وأنا رفعت قضية ثبوت طلاق ولسه مكسبتهاش، عشان مش عارفة أثبت وقوع الطلاق الشفوي".

لم يكن البرلمان هو أول من تحدث عن ضرورة توثيق الطلاق الشفوي، لكن القصة بدأت في 24 يناير 2017، حين دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى ضرورة إصدار قانون لتنظيم حالات الطلاق الشفوي، ضمن تجديد الخطاب الديني الذي تسعى إليه الدولة، خلال الاحتفال بعيد الشرطة الـ65، مؤكدًا أنه السبب وراء ارتفاع معدلات الطلاق في مصر.

40 % حالة طلاق من 900 ألف زواج سنويًا، كان ذلك المؤشر الذي استند عليه الرئيس السيسي في دعوته، بضرورة أن يكون الطلاق أمام المأذون بدلًا من الشفوي.

واختلفت عقب ذلك المقترح آراء المؤسسات الدينية، فأصدرت هيئة كبار العلماء بيان في 2017، أكدت خلاله إجماع العلماء باختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم إلى وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، دون اشتراط إشهاد أو توثيق.

وفي 8 فبراير أيد مجمع البحوث الإسلامية، برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب، رأي هيئة كبار العلماء، مؤكدًا وقوع الطلاق الشفوي، واعترض وقتها نواب لجنة التضامن بالبرلمان، بدعوى أن الطلاق الذي يُعتد به، لا بد أن يكون مثل الزواج الذي يُعتد به، والذي لا يكون إلا بمأذون وشهود.

عبدالحميد الأطرش، ريس لجنة الفتاوى السابق بالأزهر، أكد أن الطلاق الشفوي يقع ومثبت من حيث شرعًا وفقهًا في الإسلام ولا اختلاف فيه بين العملماء من الناحية الدينية.

ويوضح أن توثيقه هو عمل إداري يحمي حقوق الزوجة أمام الدولة والقانون، ولا علاقة له بوقوع الطلاق أم لا، فإذا كان الطلاق شفوي مستوفي الأركان، فأنه وقع بالفعل، لكن لا بد من توثيقه كالزواج.

آخر تقرير صدر من مركز معلومات رئاسة الوزراء، خلال عام 2018، أكد أن حالات الطلاق وصلت إلى مليون حالة بواقع حالة واحدة كل دقيقتَين ونصف، وقد وصلت نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات إلى 15 مليون حالة.

وتتعدى حالات الطلاق في اليوم الواحد 2500 حالة، فيما يقدر عدد المطلقات بأكثر من 5.6 مليون على يد مأذون، ونتج عن ذلك تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل.

وبحسب إحصاء صدر من محاكم الأحوال الشخصية في نفس التوقيت، فقد تخطت حالات الخلع 250 ألف حالة، أي بزيادة 89 ألف حالة بالمقارنة بـ 2017. وفي السياق رصدت الأمم المتحدة في إحصاءات لها ارتفاع نسب الطلاق في مصر من 7 % إلى 40 %، خلال نصف القرن الماضي.

وقالت أنه وصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة، في مقابل 9 ملايين طفل من أبناء الأزواج المطلقة، والرقم مرشح للزيادة، وتتصدر مصر المرتبة الأولى عالميًا كأكثر بلدان العالم في الطلاق.